على الرغم من أنها كانت ابتسامة ساخرة، فإن ابتسامتي الأولى منذ أحداث الأحد لم تأت سوى على يد وزير الإعلام أسامة هيكل.
ففي الوقت الذي استشاط فيه المصريون غضبا بعدما شاهدوا "الفضيحة" التي تجسدت على شاشات الإعلام الحكومي بقنواته وإذاعاته المختلفة، خرج هيكل ليعلن الحداد الرسمي على أرواح شهداء الوطن.
ويُعد القرار غريبا إلى حد كبير بالمقارنة مع الأداء الإعلامي للتلفزيون الرسمي أمس، فدماء الشهداء من المدنيين المصريين لم تتواجد أمام مبنى ماسبيرو فقط، ولكنها لطخت كل جنبات المبنى على مدار ساعات، عُرض فيها كل ما هو كاذب.
وبلا أية مبالغة، فإن ما تم بثه أمس عبر القناة الأولى وقناة النيل للأخبار وراديو مصر، دعوة صريحة لإثارة بين المصريين، وأقصد ما وُرد في التغطية، بعيدا عن النوايا!
فالتليفزيون هو من بدأ الكارثة من البداية، وهنا أتحدث عن كارثة إعلامية نعيش حاليا تبعاتها، بعد ذكر أن المتظاهرين الأقباط قتلوا 3 جنود من القوات المسلحة، وهي رواية لم يتم تدعيمها بصور أو فيديو أو حتى نشر أسماء من ادعوا أنهم قُتلوا.
وتبين بعد ذلك أن تلك لرواية ليست صحيحة، واضطر وزير الإعلام نفسه لنفيها خلال إحدى مداخلاته "الكثيرة" أمس، وجاء النفي صريحا بعد قوله إن التصريح بقتل 3 جنود على يد متظاهرين، مجرد "انفعال زائد" من المذيعين!
كما اعترف أحد مذيعي قناة النيل للأخبار بعدم صحة الرواية، بعدما قال إنهم ذكروا ذلك اعتمادا على شاهدة ليست دقيقة من شاهد عيان!
المؤسسة العسكرية أيضا لم تقل شيئا عن فقد أيا من أفرادها بالمواجهات، ما يؤكد أن ما ذُكر من البداية ليس صحيحا.
الغريب أن التليفزيون ظل يتحدث عن شيئا لم يحدث، متجاهلا صورا لجثث مدنيين تم سحقهم بمدرعات للجيش، نُشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، مستقبلا مكالمات هاتفية تهاجم المتظاهرين، بالطريقة ذاتها التي تعامل بها التليفزيون مع أحداث الثورة.
ولعل أكثر ما يُعيب التليفزيون المصري في تغطيته، عدم وجود مراسل وكاميرا تابعين له عند ماسبيرو، وهو ما يُبرهن على أن التغطية كانت سيئة، بعيدا عن النوايا أيضا!
ومن الأشياء البسيطة التي تُثبت عدم دقة ما جاء في تغطية التليفزيون، ذكر أن المتظاهرين يحملون أسلحة نارية، واستخدموها في قتل الجنود، ثم في خبر آخر يذكرون أن المتظاهرين يرشقون الجنود بالحجارة، فهل من يمتلك أسلحة يحتاج للحجارة؟
التليفزيون المصري لم يتغير بعد الثورة كما قيل، فهو تغير من الإنحياز لمبارك إلى الإنحياز لمن يحكم مصر حاليا، وطالما يستخدم تلك الطريقة، سيظل هكذا، وسينحاز للرئيس المقبل أيضا أيا كانت هويته، وهذا بالطبع في حالة وجود رئيسا قادما!
لا أعلم كيف يستمر البعض في تصديق إعلامنا الحكومي، فعدد من المذيعين تبرأوا أمس من القنوات التي يظهرون بها، وعقب الثورة صرح عبد اللطيف المناوي أن التليفزيون كان يكذب من أجل مبارك، فماذا تنتظرون؟