KALIMOOO ADMIN
الجنس : عدد المساهمات : 17063 التقييم : 10891 تاريخ التسجيل : 09/08/2011
| موضوع: جواد البشيتي العرب اليوم - منذ 7 دقيقة من نشره هنا الثلاثاء أكتوبر 11, 2011 10:52 pm | |
| "الدولة المدنية", بكل معانيها وأوجهها وأبعادها, هي, وعلى ما يجب أن يكون, الزهرة اليانعة لـ "الربيع العربي"; ولقد اشتدت إليها الحاجة, وعظمت, بعد, وبفضل, الصراع الذي افْتُعِل في مصر بين مسيحييها ومسلميها, والذي شُحِن بالتعصب الديني المعمي للأبصار والبصائر.
وينبغي لشباب "الربيع العربي" ألا يتعجلوا في الاحتفال بالنصر النهائي للثورة العربية; فـ "الدولة (العربية) المدنية" لم تقم بعد; ولن تقوم إلا إذا رأيناها كشجرة تدل عليها ثمارها; وإن "ثمار" هذه الدولة التي تدل عليها هي "المواطنة", أي "دولة المواطنة" لا دولة القبيلة واشباه القبيلة; وهي, أيضا, الدولة التي تحررت وتخلصت من قبضة رجال الدين, ومن قبضة العسكر, معيدة رجال الدين إلى الجوامع والكنائس, والعسكر إلى ثكناتهم, ومقيمة برزخا بين الأجهزة الأمنية والسياسة.
"المواطنة", روحا ومعنى وممارسة وحقوقا ومبادئ, هي ظاهرة أو علاقة اجتماعية ¯ تاريخية, لا أغالي إذا قلت إنها لا تُرى بالعين المجردة في مجتمعاتنا العربية على وجه العموم; ولا أغالي إذا ما قلت جوابا عن سؤال "لماذا?" إن "المواطن", في مجتمعنا العربي, لا وجود له في العالم الواقعي الحقيقي, وإنْ وُجِد فوجوده من الضآلة بمكان, فالغالبية العظمى من أبناء "الوطن الواحد" ليسوا بـ "مواطنين" في خواصهم الاجتماعية والثقافية; ولا "مواطنة", من ثم, حيث يقول المواطنون إنَّ "المواطنة", مع جسمها, أي "المواطن", ما زالت, من حيث الجوهر والأساس, جنينا في رحم مجتمع, يتحد أبناؤه, ويتصارعون, بقوى اجتماعية وثقافية.. وسياسية, يكفي أن تهيمن وتسود حتى يغدو البحث عن "المواطنة" كالبحث عن إبرة في كوم القش.
لك الحق في الانتماء, وفي إظهار وتأكيد الانتماء, إلى دين, أو إلى مذهب من مذاهب عدة لدين واحد, أو إلى طائفة دينية, أو إلى عرق أو قومية, أو إلى عشيرة أو قبيلة, أو إلى طبقة اجتماعية, أو إلى حزب سياسي; لكن ليس لك الحق, بموجب "المواطنة", في أن تغلِّب أي انتماء من الانتماءات تلك, أو غيرها, على الانتماء الذي تستلزمه "المواطنة".
"المواطنة" هي الانتماء إلى "الوطن", الذي هو في وجه عام, وفي عصرنا, يتضمن "القومية" من غير أن يعدلها, ويتضمن الدين أو الطائفة الدينية من غير أن يعدلها, ويتضمن العشيرة أو القبيلة من غير أن يعدلها; فهو الواحد إذ تعدد, قوميا وعرقيا ودينيا واجتماعيا وثقافيا.. فـ "الوطن", الآن, اتسع حتى تخطى الحدود الضيقة نسبيا لـ "الدولة القومية"; وقد غدا "الوطن الواحد", بمعيار "الدولة", دولة متعددة القومية, عابرة للقوميات والأعراق والأديان..
و"العولمة" تبشرنا بـ "وطن من طراز جديد", فالإنسان, أي إنسان, أوشك أن يمتلك حقا جديدا, هو حقه في الانتماء إلى أي وطن إذا ما استوفى شروط الانتماء; ذلك لأن الأوطان, في زمن العولمة, يشتد لديها الميل إلى مزيد من التعددية في العرق والقومية والدين والثقافة..
أما نحن فما زلنا نفهم "الوطن" على أنه "الثمرة الطيبة" لتمزيق, أو تمزق, جسد "الوطن الأم (أو الأكبر)", وهو "الوطن العربي". وما زلنا نفهمه, على مسخه هذا, على أنه انتماء ترتديه انتماءات دون "الانتماء إلى الوطن", أو "الانتماء القومي", فالمواطن, في مجتمعنا, لا يولد مواطنا, وإنما عضو في مجتمع أصغر من "مجتمع الوطن".. يولد بعصبية دينية أو مذهبية أو طائفية أو قبلية..
و"الدولة" عندنا لم تنشا وتتطور إلا لتكون قوة هدم, أو إعاقة وعرقلة, لـ "المواطنة", فهي تتقنع بقناع "المواطنة" لتقنعنا بأنها بريئة الساحة, وليست بمتحالفة مع القوى الاجتماعية المضادة لـ "المواطنة". إنها في العلن والنهار تسبِّح بحمد "المواطنة", وتقول بها وتتغنى; لكنها في السر والليل تسلك سلوك من له مصلحة في بقاء واستبقاء كل شيء لا يبقي شيئا من مقومات وقوى "المواطنة". إنها تستثمر جهدها, ومالها, وسلطانها, ونفوذها, ورجالها, وأقلامها, في الحرب السرية, غير المعلنة, التي تشنها على "المواطنة", وكأن وجودها من هذا العدم, أي من بقاء "المواطنة" أقرب إلى العدم منها إلى الوجود.
مجتمعاتنا, التي هي دون كل مجتمع يقوم على مبادئ المواطنة, تُشدِّد الحاجة إلى دولة على مثالها.. دولة يتلاشى فيها, وبها, الوطن والمواطن والمواطنة.
حتى "صندوق الاقتراع", الذي تدخله الدولة في حياتنا البرلمانية والسياسية لا يخرج منه إلا ما يؤكد أنه قد خلق لنا على مثالنا, مجتمعا ودولة, فلا فرق يعتد به بين من يأتينا بـ "التعيين" ومن يأتينا بـ "الانتخاب"; لأننا فهمنا "الديمقراطية", ومارسناها, على أنها "صندوق اقتراع", أُفْرِغت منه القيم والمبادئ الديمقراطية قبل, ومن أجل, ملئه بأصوات الناخبين الـ "لا مواطنين"!
إننا نتزين ونتبرج بفكر وثقافة, من صنع غيرنا, ويكمن فيهما "الراقي" و"الحضاري" من "الانتماء" و"الانحياز" و"الهوية"; لكننا, في أوقات الضيق والشدة, أي عندما يُسْتَفز "الجاهلي" الكامن فينا, نسرع في الارتداد إلى الميت, الحي أبدا في نفوسنا ومشاعرنا, وفي "الباطن", أي الحقيقي, من وعينا.
إننا نظل في ثقافتنا الحقيقية من أحفاد عبس وذبيان مهما تسربلنا بسرابيل "القومية" و"الليبرالية" و"العلمانية" و"اليسارية", فكل متسربل بسربال منها, أو من غيرها مما يشبهها, يكفي أن تَسْتَفز "الجاهلي" الكامن فيه حتى يرجع القهقرى إلى "قبيلته" و"قبليته", وإلى ما تفرع منهما من دول وأوطان وأحزاب..
تعصبوا وانحازوا; لكن ليس لأشياء لم تختاروها اختيارا, كالقبيلة والطائفة الدينية, وإنما لأشياء اخترتموها بأنفسكم, كالفكر الذي تتسربلون به تسربلا.
وإياكم أن تظنوا أن "الآخر" لا وجود له حيث تسود وتزدهر "العصبية" و"التعصب"; إنه موجود دائما; لكن على هيئة "عدو لدود", أو "شيطان رجيم"; وبعض المتعصبين قد يوظفون "السماء" في "شيطنة" هذا "الآخر", حتى يسهل عليهم تحرير "الطاقة الإيمانية الدينية" لدى أتباعهم في معركة "القضاء على الآخر". | |
|