دائماً عند بداية الطريق الروحي ، يبدأ بشعور الإنسان أنه غير نافع وغير صالح في شيء وليس له أي قدرة أن يحيا مع الله بأصوامه أو جاهده لأنه لن يُرضي الله بأي حال من الأحوال ، لأن كل أعماله ستظل منقوصة لن يستطيع بها أن يُرضي الله أبداً لأنها تخلو من عنصري القداسة وطهارة القلب وقداسة الفكر ، وحينما يحاول جاهداً أن يقدم صوماً ويتمم طقوس الكنيسة يعود ويرجع للخطية التي تعمل في أعماق قلبه وفكره بعنف وترديه صريعاً في النهاية غير قادر على التغلب عليها ، فيصرخ في النهاية [ ويحيي أنا الإنسان الشقي من يُنقذني من جسد هذا الموت (رو7: 27) ] ...
ومن هنا تبدأ التوبة ، لأن التوبة في مفهومها الأصيل [ ألبسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات (رو 13: 14) ] ، فيبدأ الله يتعامل مع النفس وتحل نعمة الله المُخلَّصة في القلب ، ويتيقن الإنسان أن بالمسيح الرب وحده القيامة من موت الخطية ، فيدخل في خبرة [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت (رو8: 2) ] ، فيبدأ الإنسان في حياة الإيمان بشخص المسيح الكلمة الذي هو القيامة والحياة ويبدأ يُبصر مجد الله [ ألم أقل لك إن آمنتِ ترين مجد الله (يو11: 40) ] ، ويبدأ التعرف على النعمة المُخلصة ويتذوقها بفرح حينما يجد قلبه يتحرر وينطلق نحو الله بالمحبة لأنه يشعر أنه هو من فداه وهو حياته الأبدية ، فلا يعد يخاف شراً ولا كل حروب العدو لأن من معه أقوى ممن عليه ، وله النصرة بيسوع وحده لأنه مخلص نفسه ومعطيه حياة باسمه ، وله الوعد برجاء حي أنه يدخل للأقداس بدم المسيح يسوع حينما يستمر في حياة التوبة بإيمان حي لا يلين ، وحتى لو سقط يعود ويقوم أعظم مما كان ، بالرجاء الحي والثقة في شخص الكلمة الذي يعطيه النصرة ليغلب بالإيمان : العالم والجسد والشيطان [ و أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه (يو 1 : 12) ،ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات و العقارب و كل قوة العدو و لا يضركم شيء (لو 10 : 19) ] ...
ومن هنا ينطلق الشكر من أعماق قلب الإنسان ليقول [ أشكر الله بيسوع المسيح ربنا ] ، ويحب الاسم الحلو اسم [ يسوع ] ويصير أنشودة قلبه المبتهج به لأنه هو سر خلاصه وفرح حياته الخاص [اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (مت 1 : 21) ]...
ولكن الطريق يمتد ويطول ، لأن كل هذا المجد يبدأ ويتدخل مع خطوات أخرى ليدخل الإنسان في حياة تُسمى التجديد المستمر والذي لا يتوقف قط [ تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رو 12 : 2) ] ، بل يستمر ليوم انتهاء أيامه على الأرض ، لأن كل واحد فينا لازال وهو في الجسد معرض للسقوط والضعف واستمرار الحرب الروحية ، وعليه أن يتقدم من مرحلة لمرحلة ، قد تتوالي أو تتداخل ، لذلك نحن نتدرج في الطريق الضيق لكي نسير معاً في درب المسيح الحلو الذي سنبلغ منتهاه للسكنى في حضره الرب بل في حضنه المبارك ونتهلل بلقاؤه المفرح إلى الأبد ...
[ فان مصارعتنا ليست مع دم و لحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات (اف 6 : 12) ] ، [ إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون (2كو 10 : 4) ] ...
وأول شي ينبغي أن نسعى إليه ونقتنيه هو المحبة ، والمحبة ليست كلمة تقال إنما هي فعل ذات سلطان ، لأنها وحدها القادرة أن تدخلنا لله بجدارة ، وبدونها سنفقد كل شيء حتى قوة النعمة المخلصة ، لأن بدون المحبة ليس هناك علاقة شركة مع الله القدوس ، لأن هدف المسيحي الحقيقي هو أن يكون له شركة حيه مع الله بإيمان رائي وقلب شديد الحب ...
ونشكر الله لأن المحبة ليست صناعة بشر ولا عمل إنسان ، بل هي انسكاب الروح القدس في داخل القلب الذي يؤمن بالله القدوس الحلو ، لأنه مكتوب في رسالة رومية 5 [ محبة إلهنا قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا ] ...
والمحبة يا أحبائي ليست سلبية تنسكب ونسكت ولا نتحرك أو نقوم بفعل – لا بأعمالنا الخاصة – بل بفعل المحبة كثمر في حياتنا ، لأن طبيعة المحبة مثمره ـ وثمرتها هي حفظ وصية المحبوب يسوع ، لأن من يحب الرب يحفظ وصاياه [ إن أحبني احد يحفظ كلامي و يحبه أبي و إليه نأتي و عنده نصنع منزلا (يو 14 : 23) ] ، ومن يحفظ وصاياه يبحث عن كلام الرب بشغف لكي يحيا به ، ومن يحيا به يبحث عن إرادة الله وينفذها بكل شوق واجتهاد عظيم ، لأن المحبة في قلبه كالنار تشتعل فيه وتقوده لله بقوة وعزم لا يلين ....
يا أحبائي لنا أن نعرف أن القداسة ليس معجزات ولا خوارق ، بل أساسها المحبة ، أي إفراز النفس وتخصيصها لله ، لتكون إناءه الخاص يحل فيها ويسكنها ، ومن هنا تأتي قداستنا لأننا نكون اللابسي الله ، أو المتوشحين بالله ، فعلى الفور نصير قديسين لأن القدوس السماوي يسكننا وهو القدوس الذي يشع فينا قداسته ...
حقيقي أكرر كما قلنا سابقاً ، وأحدث الكلمات قليلاً قائلاً :
لا ترتعبوا من سقوطكم في خطية ، إنما ارتعبوا من عدم التوبة ، وافزعوا من أن تكون توبتكم ليس لها هدف الشركة مع الله ، واحزنوا جداً أن لم تسكن محبة الله في قلوبكم لتعيشوا كما يحق لإنجيل ربنا يسوع ، واحذروا من الخطية والإثم لأنها ضد المحبة [ و لكثرة الاثم تبرد محبة الكثيرين (مت 24 : 12) ] ...
أفرحوا يا إخوتي بالرب كل حين واطلبوه ليلاً ونهاراً ولا تدعوه يسكت حتى يسكب محبته بالروح القدس في قلوبكم فتعيشوا الوصية بتدقيق وإخلاص المحبين لله والطالبين اسمه ليلاً ونهاراً ، ولا يكن لكم غرض آخر سوى حياة الشركة مع الثالوث القدوس وبالتالي مع الكنيسة ...