المهم ان نعيش وان نحب ايضا

كان الحكيم يقطن في مسكن صغير جداً في نهاية ممرّ مُعتم. ولم يكن أحد يدري مَن كان هذا الإنسان، ولا من أين أتى.
وجميع الذين كانوا على صلة به احترموه سرّه. وأنا بدوري احترمتُه.
مشيت في الممرّ المعتم مُتحسِّساً طريقي: أما كان عليّ أن أجتاز الليل لأدرك النور؟
ثم قرعت على الباب، فانفتح قليلاً، فرأيت من خلاله الحكيم وقد أنار نور خافت ينفذ من شباك صغير جداً.

كان شيخاً طاعناً في السنِّ وعلى خلاف ما تخيّلت بغباوة، لم يكن شعره طويلاً، وما كان ملتحياً لحية بيضاء طويلة. وأظن أن ملامح وجهه كانت عادية ولم أرها.
فما رأيت إلا عينيه، أو بالأحرى نور عينيه. وللوقت، أيقينت يقيناً أنّ ذلك النور كان يأتي من مكان آخر سرِّي وأنه كان شمساً وحياة، وإن استقبلتُه فسينير طريقي كلّ يوم.
- قال لي الحكيم: "صباح الخير يا صديقي، كنتُ في انتظارك".
ثم نظر إلى مطولاً، فأنعشت نظرتُه قلبي كالندى الذي يتساقط على أرض قاحلة وينفذ إليها رويداً رويداً. وبعد صمت طويل، قال بصوت خافت: "أنت ذو حظ كبير!".
- وسألته مستفهماً: "ولماذا؟".
- أجابني: "لأنك إنسان وتستطيع أن تبحث"، ثمّ أضاف: "إن الوردة جميلة، لكنها تمضي حياتها كذلك بدون أن تعرف لماذا هي جميلة، بل ولِمن هي جميلة!".
- فعقّبت على كلامه: "وماذا يُجدي البحث إن كنّا لانجد؟".
- فأجاب: "مَن يبحث بصدق يجد، ولكن أحياناً يرفض العمى النور، ويأبى الأصمّ السماع.
- فتوسلتُ إليه: "أرجو أن تُساعدني على أن أعيش! إنّي جائع ومُتعطِّش إلى الحياة ولا أجد غذلءً يُشبعني".
وأما الحكيم فلم يُحرِّك ساكناً، ولم يُجبني شيئاً. فساد الغرفة صمتاً طويلاً أزعجني، فتنحنحت علّني أزيله، ولكنّه دام ودام وكأنه من أهل البيت. وما أن رأيت كيف يبتسم الحكيم في سرّه، حتى فهمتُ أنّ هذا الصمت هو، بالنسبة إليه، أكثر من صديق، ألعله زوج سريّ؟
في يوم من الأيام، بعد ذلك بفترة، أيّدني الحكيم في رأيي، وأضاف قائلاً بأن هذا الزوج أنجب لروحه جميع البنين الذين لم تُنجبهم الضوضاء في الماضي.
ثمَّ خاطبني قائلاً: "سترى بنفسك"، أنت أيضاً ستحب الصمت وستقترن به، وإن كنتَ أميناً، أتنبّأ لك من الان، بأنّك في كلِّ لقاء به سيلد لك أبناءً جدد".
أما اليوم، فلم أفهم كلماته الغريبة، أنا مَن اعتاد على الضجيج واعتمده وسيلة ليُقاوم عُزلته، حتى في سريره.
فأنا لم آتِ عند الحكيم لآلف الصمت، بل لأتقبّل منه كلمة، فتجرأت أن ألحّ عليه:....

تــــابــــع

"أريد أن أعيش..."
لكنّ الحكيم لم يدعني أنهي كلامي، فإذا به يرفع رأسه ويُتمتم ببطء: "لايهمّ أن نعيش، بل أن نُحبّ".
وللمرة الثانية، لم أفهم ما قاله لي: غير أنّي آثرت عدم الإفصاح عن ذلك، خوفاً من سماع جواب طالما سمعته يُدوّي في رأسي دوي باب أغلق بعنف: "لأن الأمر هكذا".
ولكنّي كنت على خطأ. فها هو يُبادرني: "اسمع يا بُنيّ: إن جوعك وعطشك يُضلّلانك، وهما في الوقت نفسه يستحوذان عليك. لن يمكنك أبداً أن تسكِّنهما. فلو جمعتَ طعام الأرض كلّه منه، في كلّ ساعة من ساعات النهار، قدر ماتريد، لَبقيتَ اسير جوعك، ومحروماً من السعادة. لأن هذا الجوع ما هو جوعك الحقيقيّ. فجوعك الحقيقيّ هو من نوع آخر أكثر تأصّلاً وأكثر تطلّباً، لأنّه لا نهاية له.
إنّ اعمق رغبة في قلب الإنسان، هي الرغبة في أن يُحِبّ وأن يُحَبّ. ففي ذلك يكمن جوع الإنسان الحقيقيّ".
قال هذا، ثمّ التقط أنفاسه، وتابع حديثه بصوت خافت، وكأنه كان يُكلّم نفسه: "ولاعجب من ذلك، مادام الإنسان خُلق بالحبّ ومن أجل الحبّ!".
- وأجبته قائلاً: " ولكنَّ الحياة تأتي أولاً فما من أحد يستطيع أن يُحِب إن لم يكن على قيد الحياة".
- فقال: "لا، بل لايمكن أحداً أن يحيا إن لم يكن قد أحبّ أولاً...
إن الحياة نهر وليست نبعاً! أما أنت...
أنت تغطس في النهر وتدور فيه ثم تدور، أما هو فيتابع جريانه من تحتك، ويفلت من ذراعيك، بيديك الشرهتين تحاول أن تمسك ماءه الحي، ولكنك لا تحجز منه شيئاً.
تابع

فقطرات الماء المُتمرِّدة تسيل من بين أصابعك المضمومة، وتُسرع لتنضم إلى أخواتها التي تبتعد.
وفي بعض الأحيان، أنت تثبت إلى إحدى ضفافه القفراء وقد استهوتك زهرةٌ ألوانها مثل النار.
وما إن تتعب، حتّى تعود إلى نهرك لتكتشف –وأنت تستشيط غيظاً- أنه رحل من دونك... وأن زهرته قد ماتت.
فتتوقّف في أحد الأيام أمام الماء، وقد أنهكك الصراع، وتأخذ تتأمّل نهرَك وتحاول أن تسبر سرّه.
فتراه يجري ويجري بلا انقطاع، ولكنّك لا تعلم عنه شيئاً، لأنّك ما زلت تجهل نبعه وبحره.
وكذلك هو أمر الحياة. فإنها تجري فيك وفيّ وفي كل البشرية، لأنّها بنت النبع والنبع هو الحبّ.
وأنت، إن أردت أن تحيا، فلا تحتفظ بحياتك لنفسك، فعليها أن تُداعب ضِفافاً أخرى. أمّا أنت، فاركض إلى النبع!
ستفقد حياتك لو أردت أن تحتفظ لنفسك وتُغلقها في قلبك لتستمتع بها.
ولكنك ستربحها إن قبلت أن تخسرها في سبيل النبع.

... لقد سحرتني كلماته، ولكنّي اضطربت بسببها. وأُصبت بدُوار كمَن أصابته ضربة شمس.
- فقاومتُ واعترضت: "أخسر حياتي!... ولكنّي لا أُريد الموت!"
- فأجابني: "ومَن يكلمك على الموت؟ أنا أكلمك على الحياة!
... ستفهم في يوم من الأيام أن الموت لا يعني التوقف عن الحياة، بل التوقف عن الحب".
فشكرت الحكيم واستأذنته في الذهاب. ولم أكن أعلم آنذاك إن كنتُ في يوم ما، سأجرؤ على مقابلته ثانية.

جميل ورائع يا كيرو

شكرااااا جزيلا

ربنا يبارك مجهودك

اقتباس :: وأنت، إن أردت أن تحيا، فلا تحتفظ بحياتك لنفسك، فعليها أن تُداعب ضِفافاً أخرى. أمّا أنت، فاركض إلى النبع!
ستفقد حياتك لو أردت أن تحتفظ لنفسك وتُغلقها في قلبك لتستمتع بها.
ولكنك ستربحها إن قبلت أن تخسرها في سبيل النبع.

... لقد سحرتني كلماته، ولكنّي اضطربت بسببها. وأُصبت بدُوار كمَن أصابته ضربة شمس.
- فقاومتُ واعترضت: "أخسر حياتي!... ولكنّي لا أُريد الموت!"
- فأجابني: "ومَن يكلمك على الموت؟ أنا أكلمك على الحياة!
... ستفهم في يوم من الأيام أن الموت لا يعني التوقف عن الحياة، بل التوقف عن الحب".
فشكرت الحكيم واستأذنته في الذهاب. ولم أكن أعلم آنذاك إن كنتُ في يوم ما، سأجرؤ

موضوع روعة
ميرسي كتير
ربنا يعوضك

كيرو جميل جدا
مواضيعك بستك\متع بيها
ميرسي

رائعة وجميلة جدا ياقمرة
ميرسى كارووو
الرب يباركك