| آراء |
إسرائيل وصراع القوة
بقلم : محمد ياغي |
|
 |
|
عشرون
عاما من المفاوضات وعشرات المعاهدات مع إسرائيل لم تكن كافية لإخراج نائل
البرغوثي وستة آخرين من زملائه أمضوا اكثر من ثلاثين عاما في الأسر. لكن
مقابل جندي إسرائيلي واحد، وافقت إسرائيل على خروج مئات الأسرى ممن كانوا،
لا قدر الله، سيموتون في الأسر. إسرائيل تذكرنا دائما بأنها الدولة الوحيدة
في العالم التي لا تستجيب إلا لمنطق القوة. ولأنها قوية، فهي لا تخجل من
الإذعان للقوة عندما لا تستطيع قوتها أن تتحقق لها ما تريد.
بعد حرب العام 1967 صرح موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، بأنه جالس الى
جوار التلفون بانتظار مكالمة من القيادات المصرية والسورية تعلن فيها عن
رغبتها بالاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات سلام معها مقابل إعادة سيناء
والجولان لهما. ديان لم ينتظر مكالمة من الأردن لأن مصير الضفة بما فيها
القدس كان قد تقرر قبل الحرب، وهو أنها جزء من إسرائيل ولن يتم إعادتها في
أية مفاوضات قادمة. الرد على ديان جاء من الخرطوم: لا صلح، لا تفاوض، لا
اعتراف. وما كانت إسرائيل لتحلم أن ترفع علمها في أجواء مصر قبل إعادة
الضفة والقدس العربية وغزة الى الوضع الذي كان سابقا لحرب العام 1967 أو
الى السيادة الفلسطينية المباشرة، لو أطال الله قليلا في عمر الرئيس الراحل
جمال عبد الناصر. في النهاية لم تتحرر سيناء إلا بعد حرب أثبت فيها الجندي
المصري والدولة المصرية قدرتهما على إلحاق هزيمة بإسرائيل.
وبالمثل أيضا، فإن لبنان لم يتحرر إلا بعد أن هزمت إسرائيل على أيدي كتائب
المقاومة بقيادة حزب الله. حتى آخر ستة أسرى لبنانيين، لم ترغب إسرائيل في
الإفراج عنهم عندما توفرت الفرصة لها للقيام بذلك في صفقة التبادل الاولى
مع حزب الله، وكان عليهم أن ينتظروا حربا جديدة تهزم فيها إسرائيل ليتم
تحريرهم. غزة أيضا مثال آخر. ما كان لشارون أن يهدم المستوطنات التي بناها
هو، ويخرج من غزة، لو لم تتحول الأخيرة الى "علبة كبريت" تنفجر كل يوم في
وجوه جيشه. من أجل تحرير "شاليت" بالقوة، قتلت إسرائيل مئات الفلسطينيين
وشنت حربا دموية على غزة لا زالت الأخيرة تعاني منها، لكن إسرائيل أيقنت
بعد خمس سنوات، أن وسائل قوتها قد استنفدت، وأن "البراغماتية" الإسرائيلية
تتطلب الإذعان لشروط فصائل المقاومة لإعادة "الجندي" الى بيته. القوة
الإسرائيلية جوبهت بقوة وصمود المقاومة. وكانت النتيجة صفقة تعكس حقيقة
إسرائيل كدولة لا تفهم إلا لغة القوة والصمود. الجهد المخيف الذي بذلته
السلطة الفلسطينية من أجل إثبات "جديتها" و "رغبتها" في السلام بما في ذلك
التنسيق الأمني، والاستعداد لعقد مساومات على قضايا هي في القلب من الصراع
مثل الحدود والقدس واللاجئين، لم تتكلل بالإفراج عن "طفل" فلسطيني معتقل
ولو من باب بناء الثقة مع الجانب الفلسطيني المفاوض، أو حتى بقصد
"المجاملة" السياسية للقيادة الفلسطينية، أو من باب "إحراج" فصائل المقاومة
من خلال توجيه رسالة للشعب الفلسطيني تعزز موقف القيادة الفلسطينية في رام
الله بأن هنالك "جدوى" من المفاوضات، بدليل أنها مثلا، تمكنت من تحرير بضع
مئات من الأسرى، حتى ولو كانوا من ذوي الأحكام المخففة بلغة إسرائيل.
إسرائيل دولة تذكرنا دائما، بأنها تتصرف سياسيا على قاعدة أنها تعيش في
"أجواء" حرب. عندما تهزم تقدم "تنازلات"، وعندما تكون منتصرة، فلماذا يكون
هنالك أي تنازل حتى لو كان هذا التنازل لا يؤثر أمنيا أو سياسيا عليها مثل
الإفراج مثلا عن مجموعة من الأطفال الفلسطينيين، لكنه في المقابل قد يكون
مفيدا "لشريك" يحتاجه للادعاء بأن المفاوضات ليست في محصلتها "صفرا" وأن
لها بعض الفوائد على الأقل. إسرائيل تذكرنا بأن كل منطق التفاوض معها عبثي،
وأنها تقبل التنازل فقط عندما تهزم. أحد الأصدقاء عقد مقارنة بين حرب
إسرائيل على لبنان العام 2006 وحرب إسرائيل على غزة نهاية العام 2008. قال:
لأن المقاومة اللبنانية كانت قادرة على فرض حظر تجول في تل أبيب لمدة شهر
أثناء الحرب، فقد لجأت إسرائيل لمجلس الأمن لوقف إطلاق النار.. بمعنى أنها
سعت لضمانات دولية لتأمين وقف إطلاق النار.. لكن المقاومة في غزة لم تمتلك
قوة النيران الضرورية لفرض مثل هذا الحظر على تل أبيب، لذلك قامت إسرائيل
بارتكاب جريمتها في غزة، وتوقفت هي عندما أرادت ذلك. اكتفيت فقط بتذكيره،
أنه وبالرغم من ذلك، فإن إسرائيل فشلت في العودة لغزة، وهذا بحد ذاته
انتصار.
عشرون سنة فاوضت إسرائيل نفسها، وكلما توصلت لاتفاق مع نفسها قامت هي
بإلغائه. كان على الرئيس عرفات أن يفاوض نتنياهو من نقطة الصفر، كما لو ان
رابين الذي وقع "اوسلو" يمثل نفسه ولا يمثل دولة الاحتلال. وكان عليه أن
يتحمل تقلبات ومزاج إيهود باراك الذي لم يعجب يوما بـ "أوسلو"، فقرر أن
الحل يبدأ بمفاوضات نهائية يوقع بموجبها الفلسطينيون على تنازلهم عن حق
العودة، وعلى عشرة بالمائة من مساحة الضفة، وأن يقبلوا ببعض الأحياء
الملاصقة لبلدة القدس القديمة. وكان على أبو مازن أن يقبل بمفاوضة شارون
وأن يقبل بغزة أولا العام 2005 على الرغم من أنها كانت أولا العام 1993. ثم
كان عليه أن يبدأ من جديد مع أولمرت على قاعدة الأمن والحدود أولا..
وأخيرا أصبح مطالبا بأن يبدأ التفاوض مع نتنياهو بدون شروط مسبقة، لأن
الأخير مثل شامير تماما، يريد للمفاوضات ان تمتد لعشرين سنة أخرى. في أقل
من ربعها لن يكون هنالك ما يمكن التفاوض عليه بشأن القدس، ولن يكون هنالك
غور أردن، ولن يكون مقبولا على إسرائيل حتى مبدأ تبادل الأراضي الذي قدمه
الفلسطينيون لإثبات رغبتهم وجديتهم في إتمام مشروع سلام. هل يوجد بعد كل
هذا، ما يدعو للجلوس مع إسرائيل على طاولة واحدة للتفاوض.
|
الرئيسية
أحدث الصور
التسجيل
دخول
موضوع: سرائيل وصراع القوة 
الجمعة أكتوبر 14, 2011 10:23 am
