ذكــرى اغتيــال جيفــارا بقلم محمد نمر مفارجة- منذ 3 دقيقة من نشره هنا
ذكــرى اغتيــال جيفــارا
بقلم محمد نمر مفارجة
في هذه الأيام تمر ذكرى اغتيال المناضل الأممي ارنستوتشي جيفارا في بوليفيا . ففي التاسع من شهر تشرين اول عام 1967 و بعد ان وقع في اسر القوات الحكومية في دولة بوليفيا تم قتله . ارنستو "تشي" جيفارا (14 6 1928 - 9 10 1967) المعروف باسم تشي جيفارا. ثوري كوبي أرجينتيني المولد كان طبيبا و كاتبا وزعيما سياسيا و عسكريا وخاصة في حرب العصابات وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية. أصبحت صورته منذ وفاته رمزاً للنضال ضد الاستعمار و الاضطهاد . و في هذه الذكرى يأتي هذا المقال .
البدايات :
ولد ارنستو تشي غيفارا يوم 14 6 1928 في روساريو في الأرجنتين، وهو الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة من أصول إيرلندية وأسبانية باسكية . دخل غيفارا جامعة بوينس آيرس لدراسة الطب في عام 1948 ولكن في عام 1951 أخذ إجازة لمدة سنة و قام برحلة عبر فيها أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية مع صديق له، كان الهدف النهائي يتمثل في قضاء بضعة أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجذام في البيرو على ضفاف نهر الأمازون و في الطريق إلى ماتشو بيتشو التي تقع عالياً في جبال الأنديز شعر غيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية حيث يعمل الفلاحون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع على المزارع اللاتيني البسيط، بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك .
اللقاء مع الثوارالكوبيين :
بينما كان غيفارا يعيش في مدينة المكسيك التقى هناك راؤول كاسترو و رفاقه الذين كانوا يعدون للثورة وبعد خروج فيدل كاسترو من السجن في كوبا حتى قرر غيفارا الانضمام للثورة الكوبية و رأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب وانضم لهم في حركة 26 يوليو للاطاحة بنظام باتيستاالدكتاتورى المدعوم من الولايات المتحدة . برز غيفارا بين المسلحين وتمت ترقيته إلى الرجل الثاني في القيادة و لعب دوراً محورياً على مدار عامين في نجاح الثورة المسلحة التي اطاحت بنظام باتيستا .
في شباط أعلنت الحكومة الثورية غيفارا مواطن كوبي تقديراً لدوره في الانتصار . صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في غيفارا الذي عيّن مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن توجهها الاشتراكي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور - وبخاصة الجيش - حتى قامت الحكومة التي كان فيها غيفارا وزيراً للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثاً باسمها في الأمم المتحدة .
أهتم غيفارا بجانب ضمان "العدالة الثورية" في وقت مبكر بأمر رئيسى آخر وهو "العدالة الاجتماعية والذي يأتى من خلال إعادة توزيع الأراضي". في 17 ايار عام 1959 وضع "قانون الإصلاح الزراعي" حدد حجم جميع المزارع ب 1.000 فدان و أكثر من ذلك تمت مصادرته وإعادة توزيعه على الفلاحين بمعدل 67 فدان أو قدم للمؤسسات العامة التي تديرها الدولة . كما نص القانون على حظر امتلاك مزارع قصب السكر من قبل الأجانب . ثم اصبح رئيس البنك الوطني واصبح في ذروة قوته إضافة ً إلى كونه وزيرا للصناعة . كان أول أهدافة هو أن يرى تنويع في اقتصاد كوبا فضلاً عن ربط الحوافز المادية مع الابعاد الأخلاقية . كان ينظر إلى الرأسمالية بوصفها مسابقة "بين الذئاب" الفوز فيها على حساب الآخرين . شدد غيفارا باستمرار على أن الاقتصاد الاشتراكي في حد ذاته لا "يستحق كل هذا الجهد والتضحية ومخاطر الحرب والدمار" إذا انتهى بتشجيع "الجشع والطموح الفردي على حساب الروح الجماعية . وهكذا أصبح الهدف الرئيسي لغيفارا هو إصلاح "الوعي الفردي" والقائم على تربية "الرجل الجديد" لكوبا لكي يكون قادراً على التغلب على الأنانية و الكسب المادي على حساب الابعاد الاجتماعية و الاخلاقية .
في كانون الأول 1964 رأس الوفد الكوبي في الأمم المتحدة وخلال كلمته الحماسية انتقد غيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة على مواجهة السياسة "الوحشية ونظام الفصل العنصري" في جنوب أفريقيا ثم شجب جيفارا سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان السود . بعدها قام بجولة لمدة ثلاثة أشهر واشتملت على الصين الشعبية، مصر(التقى صديقه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر و زار قطاع غزة) ، الجزائر، غانا، غينيا، مالي، داهومي، والكونغو برازافيل وتنزانيا، مع توقف في ايرلندا و براغ . ألقى غيفارا خطابة الأخير في الجزائر يوم 24 2 1965 في ندوة اقتصادية عن التضامن الأفرو – آسيوي بعدها قل ظهور غيفارا في الحياة العامة ومن ثم اختفى تماماً . و قرر غيفارا المغامرة إلى أفريقيا في عام 1965 ليقدم علمه وخبرته بوصفه خبير في حرب العصابات في الكونغو .
بوليفيا ثورة جديدة :
عندما كان غيفارا يستعد للذهاب إلى بوليفيا كتب رسالة إلى أطفاله الخمسة لتقرأ عند وفاته، والتي انتهت بوصية: وفوق كل شئ كونوا قادرين دوماً على الإحساس بالظلم الذي يتعرض له أي إنسان مهما كان حجم هذا الظلم وأياً كان مكان هذا الإنسان هذا هو أجمل ما يتصف به الثوري وداعاً إلى الأبد يا أطفالي لكم جميعاً قبلة كبيرة وحضن كبير من بابا .
قوة غيفارا التي بلغ عددها نحو 50 شخص التي كانت تعمل تحت اسم (جيش التحرير الوطني لبوليفيا) كانت مجهزه تجهيزاً جيداً وحققت عدداً من النجاحات المبكرة في هذه المنطقة الوعرة من كاميري الجبلية .
قبل لحظات من إعدام غيفارا سأل الضابط الذي اعتقله عما إذا كان يفكر في حياته والخلود . أجاب : "لا أنا أفكر في خلود الثورة ." ثم قال تشي غيفارا للجلاد " أنا أعلم أنك جئت لقتلي اطلق النار يا جبان انك لن تقتل سوى رجل . عام 1968 غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع مطالبين بالحرية و إنهاء الحروب وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد و أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره .
لم يعش جيفارا ليرى تغييرات ايجابية في دول امريكا اللاتينية (امريكا الجنوبية و الوسطى) و تحررها من هيمنة و استغلال الامبريالية الامريكية والتي كانت تعتبر هذه الدول جمهوريات موز امريكية تستبيحها و تنهبها . كذلك لم يعش ليرى انهيار دول المنظومة الاشتراكية و تراجع الحلم باقامة الجنة على الارض .
عاش جيفارا بطلا تاريخيا قل ان تجود به البشرية . كان انسانا في مشاعره و رجلا في مواقفه حارب الظلم و الاضطهاد في العالم و حاز على احترام و تقدير كل من عرفه او سمع به و اصبح مثلا و منارا يضيء الطريق لكل المضطهدين في العالم .