سيادة المشير.. كما كنت!
المجلس العسكري الحاكم في مصر أكبر مما يجري، ويجب عليه ضبط النفس والتخلص من حالة الإحتقان الملحوظة، ومن العار أن تتساوى رأسه برأس مجرد طفل يافع مهما بلغ خطأه.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: علاء الدين حمدي
لم أتصور أبداً أنه سيأتي اليوم الذي يقف فيه المجلس العسكري الأعلى، بكل ما يحمله ونحمله له من احترام وتقدير، وبكل هيبته وجلاله ووضعه الحالي كحاكم للبلاد لفترة لا يعلم مداها الا الله تعالى، أقول لم أتصور أن يقف المجلس هكذا بهيئته نداً لمجموعة من الشباب الغض الذي تجاوز سني الطفولة بقليل! أياً كان عنف الألفاظ التي رأي فيها قادة المجلس، أو محرضوهم إن أردت الدقة، إهانة لذاتهم أو لمجلسهم الذي يجب عليهم الفصل وعدم الخلط أو الدمج بين شخوصه كبشرٍ يخطئ ويصيب، وبين "تقديس" الجيش المصري في حكمه المعنوي، درع الوطن وسيفه.
فهؤلاء، الذين تجاوزوا سني الطفولة بقليل، هم مَن أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن، وهم الذين جاءوا بالمجلس العسكري لإدارة البلاد، ربما لم يطلبوا ذلك صراحة ولكنهم مَنْ دفع بالأحداث دفعا لتحصيل هذه النتيجة لا جدال، لعلمهم أن المجلس، المستند إلى الجيش، هو القوة الوحيدة الموثوق في قدراتها وإخلاصها في هذه الفترة الحرجة للعبور بالوطن إلى حالة الإستقرار المنشود، لذلك فمجيئهم به ودعمهم له وتمكينه حقيقة لا ينكرها إلا مُشَكِك يرى أن المجلس جاء برغبته أو بتكليف من الرئيس السابق كما ورد في خطاب تخليه عن الحكم!
ربما أخطأ هؤلاء الأطفال اليافعون وتجاوزوا، ولكنهم أنقياء لم تلوثهم السياسة ولا يملكون القدرة على المناورة ولا يفهمون أسرار الأحداث وبالتالي غابت عنهم مبرراتها، لذلك كان على القادة إحتوائهم بدلاً من مناطحتهم وإتهامهم تارة بالعمالة لدول أجنبية! وتارة بالاستهزاء بالمجلس العسكري! وتارة ثالثة بإهانة القوات المسلحة! ورابعة بالتحريض على أعمال العنف والاغتيالات! وكأنهم هم العدو.. لا أولئك الذين يعيثون في الأرض فساداً، الذين فشل المجلس بكل "قداسته" وعيونه الحمراء في مواجهتهم والسيطرة عليهم حتى الآن سواء البلطجية أو الأحزاب "العريقة" شريكة الحكم، التي تسيطر عليها عمالة التمويل الأجنبي الحقيقي بعلم الدولة وتحت مظلة قانونها.. إن لم يكن يعلم سيادة المجلس الاعلى ورئيس وزرائه ووزير تضامنه الإجتماعي المحترم!
لقد واجهنا النظام "شبه" البائد بكلماتنا في أوجه بكل ما يكره رغم سطوته وجبروته وطغيانه، ليل نهار دون سقف محدد، بل وطاولنا رأس الدولة السابق نفسه فلم يمنح نفسه قداسة ولم ينج من توجيه الإهانة الصريحة بدرجة تزيد كثيراً عما يُتهم به اليوم أولئك الذين تجاوزوا سني الطفولة بقليل! لم يتعرضنا أحد، لم يحاسبنا أحد، ولم نحاكم لا عسكريا ولا مدنياً بتهمة "العيب في الذات الرئاسية" أو ما شابه من اتهامات يخترعها صانعو الطاغوت ومرسخو بطشه وطغيانه، كان ذلك مع الطاغية الذي ذهب فكيف يحدث عكسه ممن جئنا به لإصلاح ما أفسده؟!!
لقد بدا المجلس العسكري منحازاً إلى الأمة منذ يومه الأول، خاصة مع هؤلاء الأطفال اليافعين رغم أنهم فعلوا وقتها أكثر مما يتهمهم به الآن، فماذا جرى؟ ومن الذي أفسد العلاقة بينه وبينهم إلى هذه الدرجة ولمصلحة من؟ مَن الذي ينفث في روعه ويستعديه للمواجهة مع مجرد أطفال ويدفعه لتشويه صورته في الشارع بهذا الشكل؟ إنهم لوبي المصالح من أشاكيف الحزب "شبه" البائد وأذناب لجنة سياساته وأعداء الثورة الذين جاء بهم عصام شرف إلى وزارته "الثورية" نواباً له ووزراء ومحافظين "وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا"!، وكذلك، وهو الأخطر، بطانة الطبالين والزمارين من أحزاب "مدينة البط" أو ما يُطلق عليهم مجازاً "قوى سياسية"، الذين أنشدوا وابتهلوا من قبل في حب الرئيس السابق وشاركوا نظامه الفساد وتزوير إرادة الأمة، واليوم يتقدمون الصفوف متدثرين بمسوح الوطنية لاعقين البيادة العسكرية محاولين أن يصنعوا من أصحابها ـ الوطنيين البسطاء ـ طغاة جدداً إن أنصتوا لوساوسهم الشيطانية التي تستعدي الأمة وتزين الإنقلاب عليها بالمراسيم "فوق الإرادية" إن جاز التعبير، ولهدف خبيث يرمي إلى دفع الشعب للترحم على أيام العهد "شبه" البائد.
سيادة المشير.. المجلس العسكري أكبر مما يجري، ويجب عليه ضبط النفس والتخلص من حالة الإحتقان الملحوظة، ومن العار أن تتساوى رأسه برأس مجرد طفل يافع مهما بلغ خطأه، والقوات المسلحة أكبر وأكبر من الجميع ولا يمكن أن يسخر منها أحد مهما علا شأنه، ومن العيب أن يكتب التاريخ في صفحته عن انتصار اكتوبر، وانحيازها للأمة في ثورتها ثم يكتب في صفحته التالية عن محاكمة أطفال، لا تنظيم مسلح، لمجرد أنهم تفوهوا في لحظة خوف وإنفعال بعبارات لم ترق للمجلس، كان يمكنه تأديبهم عليها بطرق أخرى غير المحاكمة!!
سيادة المشير.. الشعب الذي جاء بمجلسك ليعبر به الأزمة بسلام ينتظر أوامرك "كما كنت".. أعني نزع الفتيل وحفظ التحقيق، فأفعلها يرحمك الله، فالتاريخ لا يرحم.
ـ ضمير مستتر:
يقول تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران159
علاء الدين حمدي