قال لنفسه: أنت عندما تفقد شيئاً تعرف أنه لن يعوض، لا يعوض، وترفض ذلك، ترفض هذا الحس بالفقدان، تتمرد عليه كل جوارحك كما يتمرد شيء حي متوفز بالحياة ضد ما يحمل إليه الموت، ترفض، كأنك تحطم السماء بيديك العاريتين، كأنك سقطت على تراب القبر، تدق أرضه بقبضتك المضمومة، وتقول لا، لا، ومع ذلك تظل حفرة القبر مفتوحة، في داخلك.
الفقدان هناك، قائم، شيء ما قد نهش مكانه، وانتزع من فلذة النسيج الذي يغلف حياتك نفسها، لا أمل أبداً في استرداده، عليك أن تطيقه، أن تحتمل فجوة الضياع الذي لا يحتمل، وأن تعيش معه، لماذا تعيش؟ أنت ترى نفسك ميتاً، وتعيش مع الموت، تعيش الموت.
وتحمله معك، وتصبر عليه، وتعانيه، أنت تحمل ميتاً في داخلك. والميت هو أنت أيضاً، قبر متحرك يواري هذا المدفون من غير غطاء ولا كفن.
ليال غاضبة، حزينة وموحشة. ليال مضطربة عاصفة. طرقات تهد أرض القلب من التمرد والنداء المحبط والرفض، في داخل الصمت المطبق.
...... الحب عندي هو المعرفة. والصدق شهوة محرقة. لا أريد أن أقول أنني أقبلك. لماذا أقبل أو لا أقبل؟ أريد أن أقول أنني أحبك، أنت بكل ما هو أنت، دون شرط، دون حيطة.
وعندما أقول هذا أعرف أنني أكسر كل قواعد اللعبة. نعم، هي لعبة، الحياة، والحب أيضاً. كل ما فيها له قواعد وأصول. أنا أرفض أصول اللعبة. أغامر. أضع قلبي كله، عارياً، مرتجفاً بنبضه، عنيداً بإيمانه، تحت وطأة الانكشاف، دون حماية.
ما الذي يحدث عندما تنهار الحواجز والسدود وتندفع الأمواج المحبوسة القلقة المحوط عليها، داخل المقاصير المسورة، وتجري متلاطمة تحمل معها أنقاض الأحجار؟ أهذا مخيف؟ نعم، أعرف دفء الظلمة المكنونة، وحماية السر، لكنني أعرف أيضاً مر الوحدة خلف الأسوار. ماذا يحدث عندما تسفر النفس عن اضطرابها الحميم، وأشواقها التي لا تفهم ولا تبرر، واندفاعات هوسها وتطلباتها المخبوءة؟
ولأن حبي هو المعرفة، هو اليقظة الكاملة أمام كل نأمة، كل اختلاجة في الصوت، كل ارتجافة جفن، لهذا أجد نفسي، وأنا أحبك، وحدي، ولست معي.