تناقلت وكالات الأنباء نصيحة الرئيس ساركوزي لغبطة البطرك الراعي بانتقال مسيحيي سوريا ولبنان للعيش في أوروبا.
في محاضرة حملت عنوان “العقل والإيمان”*، وألقاها البابا بنديكيت في جامعة روغنسبورغ بألمانيا عام 2006 قال غبطته: “المجتمع الأوروبي هو مجتمع كونته الفلسفة اليونانية.. هذا التقارب الداخلي بين الإيمان التوراتي والتحقق الفلسفي الإغريقي، كان حاسم الأهمية ليس فقط من وجهة نظر تاريخ الأديان، بل و أيضاً من وجهة نظر تاريخ العالم، وهو مازال يعنينا حتى اليوم، وأخذا في الاعتبار هذا الالتقاء، لا يعود مفاجئا أن تكون المسيحية وعلى الرغم من بعض أصولها ومن أن بعض التطورات المهمة التي شهدتها تعود إلى الشرق، فهي قد اتخذت سمتها التاريخية الحاسمة في أوربا، ويمكننا أن نعبر عن هذا بطريقة مختلفة : هذا اللقاء و إضافته اللاحقة من الإرث الروماني خلق أوربا”.
نقتبس من مقالة بعنوان” جاليلي ضد البابا بنديكيت”، نشرت في مجلة شرفات الشام عام 2007 تعليقا على ما قاله غبطة البابا: “أي أن البذرة الطيبة سافرت من فلسطين عبر سوريا إلى أوربا لتخصب وتزهر ولادة ثانية، ليس من مريم بل من رحم أوربا, وليس المسيح بل المسيحية. مخلوق جديد جسده أوروبا و روحه فلسطين. هكذا تبرز فكرة تطرحها لعبة الإضاءة بالكلمات دون الحاجة إلى ذكرها مباشرة وهي: هل كان على المسيحية “الأوروبية” أن تحمي مسقط رأس بذرتها، وهل لذلك وجبت عودة من هم مكونون إغريقياً إلى”أرض الميعاد”.
سبق أن جاءت أهم وأقوى الردود على محاضرة البابا بنديكيت من كنائس المشرق، ورد الراعي وكنائس المشرق اليوم على عرض ساركوزي، هو أعمق من أن يحصر باصطفاف سياسي، لأنه ينطلق من ضرورة التصدي لمحاولات تغيير الهوية واجتثاث الجذور؛ قال الأب الزحلاوي:” نحن سوريون قبل أن نكون مسيحيين”.
أكد البابا على أفضلية حضارية من شأنها أن تمنح أصحابها حق القيادة، لكنه لم يمس كيفية وجود الآخرين. ساركوزي يمارس اليوم تلك القيادة، وراغب.. ليس بإحالة دور مسيحيي بلاد الشام التاريخي إلى ما هو ثانوي كما بنديكيت (“بعض أصولها”)، بل إلى تفريغ المشرق من المسيحيين، وكأنه يقول لهم: لقد انتقلت الفكرة(سافرت) وعليكم أن تتبعونها. هو(العلماني) على يمين البابا وبتطرف.
يؤدي تهجير المسيحيين لتفكيك الرابطة العربية التي تشبك قرابة ثلاثمائة مليون نسمة ينشدون “لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان”، وبتعبير آخر لتصحر المجتمعات العربية وصولا إلى تفكيك رابطة الآذان مع قبلته اللغوية. تهجير يخدم تطلع نتنياهو لتثبيت إسرائيل كدولة لليهود، وعزمه على تهجير ما اصطلح تسميتهم بعرب 1948 منها.. أي أننا أمام تهجير يمهد لتهجير.
نقتبس من مقال للدكتور غليون حول مأساة المسيحيين في العراق:”لا أستبعد أن يكون هناك من بين هؤلاء وفي الأوساط الرثة من المسلمين من يوحد بين المسيحية والغرب، ويعتبر -كما يعتقد القتلة أنفسهم- أن التخلص من مسيحيي الشرق انتصار للإسلام، وتثبيت لدعائمه في مواجهة الضغوط وحملات ..”
لا نعرف ماذا يقصد الدكتور غليون بعبارة “الأوساط الرثة من المسلمين”، وتحديدا مفردة “الرثة”!. هل هي تلك التي حاربت الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وجعلت ذبح البشر مهنة براتب على الرأس المقطوع في الجزائر، وهاجمت الجيش اللبناني ورفدت الجهد العسكري لقوات الناتو في ليبيا..الخ؟.
من الصعب البرهنة على أن ما جرى في العراق قد حصل بدون علم أو توجيه أو مشاركة المحتل، وأن المسؤولية عنه تقع على تلك “الرثة” ووحدها فقط، فقد أكد “وليام وردا” رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان” على وجود مخطط كبير لتهجير المسيحيين من العراق”، وفي مقابلة مع إيلاف وجه له السؤال التالي: من تتهمون بتصفية الوجود المسيحي العراقي؟
رد وردا: “بدأ استهداف مسيحيي العراق عند دخول الأميركيين إلى البلد”.
مشفوع للراعي وللزحلاوي القلق من احتواء مشروع الشرق الأوسط الجديد تهجير المسحيين المشرقيين بأدوات محلية وخارجية، ومشروع نمو ذلك القلق وقد تبنته فرنسا ساركوزي، خصوصا بعد تخاذل السلطات المشرقية عن حماية مسيحيي العراق عمليا، رغم كون ما حصل لهم مدان وبشدة من كل الشرائع السماوية، ومن شرعة حقوق الإنسان.
قال هيكل في مقابلة له مع مؤسسة الأهرام:”سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين أمير مكة مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة, ويرد’ لويد جورج’ بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمي بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! كنا نريد الحصول على فتوى تريح الهنود المسلمين, لأنهم عنصر مهم في قواتنا, بالذات في الشرق الأوسط, كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير, كنا محتاجين إلي إعطائهم فتوى بالجهاد ضد هذا الخليفة فتوى ممن هو أقوي من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين, فتوى باسم’ محمد’, أليس هو الجد الأكبر للشريف’ حسين’؟!!”.
هل ثمة رابطة تجمع أولئك الهنود المسلمين، مع “الأوساط الرثة من المسلمين”؟ وهل نصيحة ساركوزي نظير لتلك الفتوى، ومن أجل تجنيب المسيحيين في الغرب “أزمة ضمير” قد تسببها مخططات مبيته للمشرق؟.
الرئيسية
أحدث الصور
التسجيل
دخول
موضوع: نصيحة ساركوزي.. تهجير يمهد لتهجير.مشكور ساركوزي مردودة مع الشكر 
الجمعة أكتوبر 21, 2011 3:17 am
