jolliette المميز(ة)
الجنس : عدد المساهمات : 3648 التقييم : 1063 تاريخ التسجيل : 18/08/2011 البلد التي انتمي اليها : Cairo
| موضوع: تقرير عن صفقة شاليط ينشر لأول مرة حماس لم تطالب بالإفراج عن مروان..'كيف تحول خلل تكتيكي لأزمة إستراتيجة' الإثنين أكتوبر 24, 2011 10:58 am | |
| تقرير عن صفقة شاليط ينشر لأول مرة حماس لم تطالب بالإفراج عن مروان..'كيف تحول خلل تكتيكي لأزمة إستراتيجة'
القدس : 24 تشرين الأول 2011
القدس- نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية خارطة طريق لصفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل منذ اختطاف الجندي وحتى الإفراج عنه قبل أيامز
التقرير كان موسعا وطويلا وينشر لأول مرة ملخص الأحداث وراء الستار ويكشف كيف تحول خلل تكتيكي إلى أزمة إستراتيجية ولكن التقرير ينفي مزاعم حماس بمطالبتها بالإفراج عن مروان البرغوثي مؤكدا أن حماس لم تكن جدية بالافراج عنه لما يشكله من خطر عليها.
التقرير لرونين بيرغمان ترجمة حرفية :-
كان الإفراج عن جلعاد شاليت يبدو قريباً جداً، في منتصف كانون الثاني من هذا العام. فقد صاغ الوسيط الألماني غيرهارد كونراد مسودة الاتفاق الثالثة التي كتبها وقدمها الى 'حماس' يصحبها إنذار، فإما التوقيع حتى مطلع شباط وإما ان يعتزل الوساطة. أراد كونراد ان يفشل 'حماس'، لكنه لم يتوقع لا هو ولا رئيس الاستخبارات المصري آنذاك الجنرال عمر سليمان الذي صاحب المسيرة كلها، تطوراً دراماتياً جداً غير قواعد اللعب ألا وهو الثورة في مصر.
كان التقدير آنذاك ان الاتفاق بعيد أسبوعين عن التوقيع ولولا إسقاط نظام مبارك لأُفرج عن جلعاد شاليت في شباط كما يبدو، ولكنهم في 'حماس' استقر رأيهم بإزاء التطورات على ان ذلك ليس زمنا ملائما للتوقيع. قال مسؤول 'حماس' الكبير احمد الجعبري لمساعديه: 'يجب أن نرى كيف تتطور الأمور. قد نستطيع الآن أن نستخرج من إسرائيل أكثر'.
وفي نهاية المطاف نُفذت الصفقة من غير الاستخبارات الألمانية – لكنها تعتمد على تلك الوثيقة التي سلمها كونراد الى الطرفين في مطلع العام. وفي واقع الأمر كانت قناة التحادث التي وقعت الصفقة بفضلها آخر الأمر هي نشيط السلام الإسرائيلي غرشون باسكن مع غازي حمد من 'حماس'.
في السنين الخمس ونصف السنة التي مرت منذ وقع جلعاد شاليت في الأسر، غطيتُ التفاوض السري الذي تم على أيدي ناس كثيرين في عدد من الدول في محاولة للتوصل الى صفقة بين 'حماس' وإسرائيل. وقد أبطلت الرقابة جزءا كبيرا مما حاولنا نشره في هذه الفترة.
يمكن الآن أن ننشر لأول مرة ملخص الأحداث وراء الستار، وأن نصف – بلسان واحد من قادة الاستخبارات الإسرائيلية – 'كيف تحول خلل تكتيكي الى ازمة إستراتيجية'.
وربما ايضا كيف قد تنشئ الصفقة الجديدة من هذه الأزمة خاصة – كما عبر عن ذلك عدد من العناصر الكبار في المخابرات الإسرائيلية في محادثة لغير النشر مع هذا الملحق – فرصة لمحادثة 'حماس'.
قائمة مع الأسماء
اختطف جلعاد شاليت يوم الأحد الخامس والعشرين من حزيران 2006، في كمين نفق مخطط له جيدا أعده عناصر 'حماس' مع مشاركين من منظمات اخرى ومع العلم بأمر الاختطاف فوراً تمت عدة عمليات عاجلة كانت ترمي الى معرفة أية خلية وأية منظمات كانت مشاركة فيه. في تلك الفترة كانت حرب لبنان الثانية – التي نشبت بعد ثلاثة أسابيع من اختطاف شاليت – في ذروتها. وقد أغرقت إيران و'حماس' الميدان بمعلومات تضليل. ولهذا استقر الرأي على تجاهل جميع المعلومات التي جُمعت حتى ذلك الحين عن مكان شاليت.
ومنذ ذلك الحين لم تعلم إسرائيل أين يوجد جلعاد شاليت بحيث لم يكن من المستطاع البتة ان توزن عملية تخليص. فلماذا فشل تحديد موقعه؟ ذاك في الأساس بسبب سرية الطرف الثاني وحقيقة ان جماعة صغيرة جدا من الناس لم يُبدلوا خلال فترة الأسر، هي التي اعتنت بجلعاد واحتفظت بالسر بحرص كبير.
في الشهور الأولى بعد الاختطاف توسط المصريون بين إسرائيل و'حماس'. كان مسؤولون كبار في الاستخبارات المصرية يشغلون مكتباً في غزة قبل ان يُطردوا من هناك حينما سيطرت 'حماس' على القطاع.
في اطار هذه الاتصالات تم الاتفاق آنذاك على مخطط الصفقة وهو ان تفرج إسرائيل عن 450 أسيراً لـ 'حماس' في قائمة يتفق عليها الطرفان. وفي الدفعة الثانية، بعد الإفراج عن شاليت، تُخلي إسرائيل سبيل 550 أسيرا آخر (أي ألفا في الحاصل العام) تقررهم على نحو حصري. والحديث في الأساس عن شباب ونساء ممن كانت إسرائيل تنوي الإفراج عنهم أصلا أو ممن اقترب أسرهم من نهايته. وبعبارة أخرى كان الجبل منذ البدء في تركيب المجموعة الأولى.
لسبب غير واضح أصرت إسرائيل على أن تسلم 'حماس' القائمة الأولى. وفي 'حماس' التي فرح ناسها بهذه الفرصة، سجلوا هناك جميع الأسماء الثقيلة من المنظمة، ومنذ ذلك الحين أفشلوا إسرائيل وأنفسهم في الحقيقة بهذه القائمة التي لم يستطيعوا النكوص عنها الى ما قبل أسبوع.
الموساد و'الشاباك' يعارضان
في آذار 2009 نجح المصريون في الإتيان بإسرائيل و'حماس' الى القاهرة لما بدا صفقة ستوقع في العاجل. وطلب اولمرت الى رئيس 'الشاباك' في حينه، يوفال ديسكن، أن ينضم الى عوفر ديكل المسؤول من قبله عن موضوع شاليت في المحادثات وأصرت 'حماس' على الإفراج عن مسؤولين كبار كُثر.
مهما يكن الأمر فان العناصر الاستخبارية وعلى رأسها رئيس 'الشاباك' آنذاك ورئيس الموساد آنذاك مئير دغان عارضا حتى نهاية عملهما اثناء 2011 صفقة الإطلاق كما كانت 'حماس' مستعدة لها.
زعما أننا اذا فحصنا أعمال كل أولئك الذين أُعيدوا في جميع الصفقات فان نصفهم تقريبا عادوا لمزاولة الإرهاب.
سلم 'الشاباك' آنذاك المعطيات التالية: من بين الـ 364 المحررين في صفقة تننباوم في كانون الثاني 2004 والذين أُعيدوا الى المناطق، اعتُقل 30 في المائة من جديد ومن بين الـ 238 المحررين في صفقة جبريل الذين أُعيدوا الى المناطق، سُجن 48 في المائة ثانية.
وأمر آخر يتصل بكرامة الدولة: وكان القصد الى 15 'مخربا' في قوائم 'حماس'، لا يجوز بحسب رأي بعض عناصر الاستخبارات البتة إطلاق سراحهم، أحدهم هو عباس السيد، الذي تولى الإشراف على العملية في فندق 'بارك' في نتانيا في 2002 التي قتل فيها ليلة الفصح 30 وجرح نحو من 140.
احتار رئيس الحكومة اولمرت وأجرى مشاورات مع أصدقاء ومسؤولين كبار. وفي نهاية المطاف لم يتم التوقيع على الصفقة.
لقاء حاسم في برلين
بعد تبدل الحكم في إسرائيل خرج حجاي هداس الذي عينه رئيس الحكومة نتنياهو، الى برلين مع مسؤولين كبار من الموساد للقاء رئيس الـ بي.ان.دي آرنست اورلاو. وقد جاء الإسرائيليون مع رسالة من نتنياهو فيها طلب رسمي ان يتحمل الـ بي.ان.دي عامة وغرهارد كونراد خاصة مسؤولية الوساطة مرة اخرى.
استُدعي كونراد الى اللقاء وبعد ان استعملت عليه ضغوط كبيرة وافق على قبول المهمة.
كان لكونراد عدة شروط – وهي ان يكون واضحا انه لن يستطيع ان يخصص زمنه كله كما في المرة السابقة، بسبب التزامات شخصية؛ وان تقبله إسرائيل و'حماس' أيضاً بصفته وسيطا؛ ولا يقل أهمية عن ذلك – سرية كاملة لاسم وصورة ومشاركة رجل استخبارات ألماني في المسيرة، وأعلن اورلاو ان ألمانيا تلتزم بصورة كاملة قضية شاليت وأنها ستخصص لذلك جميع الموارد المطلوبة بلا حدود.
كان المصريون هم الذين لم يقبلوا بفرح هذا التطور، وهم الذين رأوا أنفسهم الوسطاء الرئيسيين وشعروا بالضرر الكبير لربط الالمان بالجهد. بعد شهرين من ذلك كشف مبارك الذي شعر بالاهانة في مقابلة تلفاز عن المشاركة الألمانية التي كان يفترض ان تظل سرية. وبذلك قال مبارك: نحن المصريين كنا وسطاء جيدين. كانت القضية قد أصبحت محلولة ولولا إصراركم الأحمق لكان شاليت في البيت منذ زمن.
منذ ذلك الحين وفي تفاوض محموم تم في تنقل على توالٍ أحيانا كل يوم بين تل ابيب وغزة، تقدم كونراد سريعاً في حبك الصفقة. وقد كان متفائلا في تموز وقال لنظرائه في برلين انه يأمل أن يوقع 'قبل عيد الميلاد'، أي حتى نهاية سنة 2009.
خلال تموز وآب 2009 نشرت وسائل إعلام فلسطينية أنباء كأن الصفقة قد استكملت في واقع الأمر. كانت تلك أنباء كاذبة لكن تم من وراء الستار نشاط محموم لمحاولة إتمام الأمر ولتسكين مخاوف شديدة لإسرائيل بسبب معلومات استخبارية تم تلقيها عن وضع شاليت الجسماني السيئ.
طلب حجاي هداس من الوسيط كونراد برهاناً على ان شاليت حي سليم، بشريط فيديو اذا أمكن. وقد صاغ الوسيط الصفقة بحملته المكوكية: وفي اطارها سيشاهد الشريط المسجل بعد ذلك تنقل إسرائيل 20 أسيرة 'خفيفة' وبعد ذلك يُنقل الشريط المسجل الى إسرائيل بوساطة الوسيط.
تمت الصفقة. وصل الشريط المسجل وظهر شاليت فيه في وضع أفضل من المتوقع. وكانت تلك إشارة ايجابية الى الصفقة التي ستوقع في الحال.
وفي الحقيقة فان الفروق في المحادثات بين كونراد وحجاي هداس في تل ابيب ومحمود الزهار المسؤول من قبل 'حماس' في غزة أخذت تضيق. وزع الوسيط قائمة الـ 450 التي قدمتها 'حماس' في حينه الى مصر في ثلاث مجموعات: أولئك الذين وقع الاتفاق عليهم؛ وأولئك الذين يُعدون 'إشكاليين '، والذين اعتقد انه سينجح في اقناع اسرائيل بأكثرهم؛ وأولئك الذين لا يحتمل البتة ان توافق اسرائيل على الإفراج عنهم والذين أسماهم مجموعة الـ 'في.آي.بي'. بالنسبة للأسماء في المجموعة الثالثة، طُلب الى 'حماس' ان تأتي بأسماء بديلة. ولم يكن جدل في عدد الذين سيفرج عنهم. وبالمناسبة نقول انه بخلاف مزاعم 'حماس' وأنباء منشورة مختلفة في وسائل الإعلام، لم تطلب 'حماس' قط بجدية الإفراج عن مروان البرغوثي. فالمنظمة 'الإرهابية' الفلسطينية تخشى قوة الزعيم العلماني وتكذب بوقاحة حينما تزعم أنها حاولت الإفراج عنه بجدية.
نشأت بين الزهار وكونراد علاقات صداقة. وقال الزهار في حديث مع نظيري كريستوف شولت من صحيفة 'دير شبيغل' بعد نقل الشريط المسجل بساعات معدودة، قال ان التفاوض في إطلاق سراح شاليت سيستمر أسابيع الى أشهر قبل ان يستكمل.
'نحن الفلسطينيين، نريد إنهاء التفاوض في أسرع وقت... نحن نُقدر على نحو عميق عمل الوسيط الألماني. فهو شخص محترم وصادق. ومنذ تولى الأمور أصبح التفاوض يتم بصورة مهنية جدا. هذه الصفقة الأولى (القصد الى الشريط المسجل) هي برهان على ان الوسيط الألماني يستطيع ان يقود الى نجاح'.
بدا كل شيء ايجابيا جدا. في تشرين الثاني بدأوا في الاستخبارات الإسرائيلية يلاحظون فروقا داخل 'حماس'. فمن جهة قام محمود الزهار واسماعيل هنية اللذان أيدا الصفقة حتى في شروط أقل حُسنا مما أملت 'حماس' في البدء.
ومن الجهة الثانية وقف احمد الجعبري، رئيس اركان 'حماس' الذي يحتجز شاليت بالفعل والذي يخشى ان يفضي الإفراج عنه الى إضعافه داخل المنظمة ويعارض بالقوة كلها كل مصالحة مع إسرائيل.
وبينهما كان خالد مشعل الذي هو زعيم المنظمة في ظاهر الأمر. ومما فاجأ كونراد، ولم يكن ذلك كما عرف في حكم نصر الله التركيزي لحزب الله، ان مشعل تردد في فرض رأيه وفضل وحدة المنظمة على الصفقة وإن يكن قد أيدها وراء الأبواب المغلقة.
بعبارة اخرى لم يشأ مشعل ان يخاصم الجعبري. وكلما قويت قوة هذا مع ضعف النظام في سورية وضعضعة القاعدة التي وجد مشعل فيها ملاذا، أصبحت إرادته لهذا الصراع أقل فأقل. وبدأت 'حماس' تجمجم ولم تُقدم أجوبة عن أسئلة كونراد المحددة.
لكن الإشارات التي كانت أكثر إقلاقاً كانت في الطرف الإسرائيلي خاصة. نجح حجاي هداس في بداية طريقه نجاحا رائعا في عمله. فقد نجح في تقويم العلاقات بالوسيط الألماني. وكان يبدو للحظة ان الصفقة توشك ان تتم وبدأوا في وزارة العدل يُعدون ملفات العفو التي ستُقدم للرئيس. قبل يوم من 'عيد الميلاد' قُدم اقتراح مكتوب من قبل الوسيط الالماني ليوقع عليه الطرفان.
وآنذاك في كانون الأول 2009 انهار كل شيء.
صفقة ممكنة وتفجير
يُبين تحليل متأخر ان حجاي هداس تابع التفاوض من النقطة التي وقف فيها في آذار 2009. وقد جرى هداس الى الأمام مع التفاوض الذي نضج لما أصبح يبدو صفقة ممكنة التوقيع قُبيل نهاية السنة الميلادية. بيد أنه في خلال ذلك لم تُجر في اسرائيل جلسات نسقت الجهات فيها بينها التوقعات وما هي مستعدة لإعطائه.
زعموا في محيط رئيس الحكومة نتنياهو ان الوسيط هداس تبنى في واقع الأمر موقف الجيش الإسرائيلي، برئاسة رئيس الأركان اشكنازي، الذي يؤيد الصفقة.
في العلاقات الخاصة الجيدة جدا التي نشأت بين المنسق هداس وبين الوسيط الألماني تقدم هداس في التفاوض وهو يعمل باسم نتنياهو. وقد ترك رئيس الحكومة نفسه لهداس ان يجري الى الأمام ولم يطلع على خفايا الأشياء إلا قُبيل المرحلة الأخيرة، قبل نهاية كانون الاول.
في هذه المرحلة كان الفرق بين الطرفين ضئيلا جدا (15 – 20 اسما)، بل وجدت دولة في الخليج العربي تكون مستعدة لاستيعاب عدد من المفرج عنهم اتُفق على ألا يُطلقوا 'الى داخل الميدان'.
آنذاك صد نتنياهو عما عُرض عليه من حجم تنازلات إسرائيل بل نشأ جدل حاد بينه وبين هداس. جمع نتنياهو المجلس الوزاري المصغر (حلقة السباعية) لنقاش ماراثوني أجاز فيه اقتراحاً جديداً تماماً أكثر تشدداً من الذي صاغه كونراد وهداس وأمضاه بأكثرية ستة مقابل واحد (هو بني بيغن الذي يعارض أي دفع عن مخطوفين).
وكان آخر ذاك ان عاد حجاي هداس الى المنسق الالماني وقد نكل في واقع الأمر عن الاتفاقات التي تم إحرازها من قبل. وعرض موقفا أكثر تشددا من الصفقة، يشتمل على شروط إسرائيل الأخيرة وفي مقدمتها 'تنظيف' القائمة من أكثر الأسماء الثقيلة. وأمر نتنياهو هداس بوقف التفاوض ورؤية الصفقة التي اقترحها شرطا نهائيا لن يكون بعده مصالحة أخرى.
قال لي آنذاك في مطلع 2010 عناصر ألمانيون كبار مقربون من القضية انهم خاب أملهم من نتنياهو وعبروا عن انتقاد شديد وزعموا ان هذا السلوك أدى بالتفاوض الى طريق بلا مخرج.
'كنا على ثقة من ان نتنياهو يستطيع إجازة الأمر في المجلس الوزاري المصغر بسهولة. واعتقدنا ان له تأثيراً أكبر في الوزراء'، قالوا هناك في أحاديث مغلقة. ويعتقد آخرون ان نتنياهو لم يستعمل تأثيره استعمالا كافيا بل ربما كان مهتما وراضياً، بسبب احتياجاته الداخلية، عن المعارضة التي أبداها الوزراء يعلون وبيغن وليبرمان.
اعتقدت هذه العناصر ان نتنياهو لم يكن معنياً آنذاك البتة بنجاح الصفقة خشية الإفراج عن قتلة. ومن المهم ان نذكر ان الموقف الرسمي للاستخبارات الألمانية ما زال يتوقى جدا حتى اليوم كرامة رئيس الحكومة ويلقي التبعة في فشل التفاوض على عدم قدرة 'حماس' على تقديم أجوبة عن عدد من الأسئلة وهو ما أفضى الى تشدد نتنياهو في موقفه.
ومهما يكن الأمر فان الصفقة الجديدة المتشددة، التي اقترحتها اسرائيل أفضت الى اعادة التفاوض الى بدئه، بقدر كبير. وعند تلك النقطة علق التفاوض مدة سنة.
بعد ذلك بزمن قصير كتبنا هنا، في تقرير من برلين ان 'جلعاد شاليت لن يُسرح قريبا ونشك ان ينضج المسار الحالي بوساطة الاستخبارات الالمانية ليصبح صفقة... وقد أفضت سلسلة عدم تفاهمات وإدارة إشكالية من الطرف الإسرائيلي الى انهيار الصفقة'.
رفضت الرقابة العسكرية آنذاك جزءا كبيرا من هذا الكلام. ومن المهم ان نذكر ان رئيس الموساد مئير دغان انضم الى معارضة رئيس 'الشاباك' ديسكن للصفقة في المخطط الذي عُرض آنذاك. يصعب ان نؤمن بأن رئيس الحكومة نتنياهو، حتى لو أيد الصفقة، كان ينجح في إمضائها في الحكومة في مواجهة معارضة هذين المسؤولين الكبيرين.
قال دغان في إحدى جلسات الحكومة: ان الإفراج عن 450 قاتلاً الى مناطق 'يهودا والسامرة' فيه احتمال ضرر غير عادي وزعم ان 231 إسرائيلياً قتلهم مسرحون في صفقة تننباوم. وزعم ايضا ان الإفراج عنهم سيقوي 'حماس' ويضعف أبو مازن جدا. وهناك من يخمنون ان هذا واحد من الاسباب التي أفضت بنتنياهو الى التوقيع الآن خاصة بعد أحداث أيلول، على الصفقة.
في كانون الثاني 2010 نقل كونراد باسم إسرائيل الى 'حماس' تنازلات أخرى عن اقتراح نتنياهو 'الأخير' ولا سيما ما يتعلق بالإفراج عن نساء. لكن 'حماس' رأت هذه التنازلات 'تجميلية فقط' وظلت المنظمة على صمتها ولم يصدر عنها جواب نهائي عن الاقتراح.
2010 – بلا تقدم
أحدث انهيار التفاوض سلسلة أزمات اخرى، لا في إسرائيل وحدها. ففي داخل 'حماس' تم اتهام محمود الزهار بأنه أصبح 'غربيا' جدا، بسبب علاقاته الطيبة مع كونراد، وبأنه أدار الأمور بصورة مختلة، بإحداثه تفاؤلاً مفرطاً.
حينما كان يبدو ان الصفقة توشك ان توقع بدأ أسرى المنظمة يتلقون رسائل عن الإفراج القريب عنهم وسُئل فريق منهم هل سيكونون مستعدين لأن يُطردوا الى الخارج. كل ذلك أحدث بالطبع توقعا وخيبة أمل غير قليلين. ويوجد وزن كبير لعائلات الأسرى في 'حماس'. ان ممثليهم الذين جاؤوا كل يوم جمعة لزيارة الزهار وهنية، صبوا عليهما الغضب والدعاوى القاسية.
نُحي الزهار جانبا وسيطر رجال الجعبري سيطرة مطلقة على التفاوض وحينما تبين انه لا يمكن التوصل، في ذلك الوقت على الأقل الى صفقة بين الطرفين، استقر الرأي في الاستخبارات الألمانية على ألا ينهي كونراد عمله وان يتابعه بين فينة واخرى. وذلك بموازاة عمله الجديد في الاستخبارات الألمانية الذي يتولاه حتى اليوم – رئيس مقر العمل الشخصي لآرنست اورلاو، رئيس الـ بي.ان.دي.
وهكذا انقضى أكثر عام 2010 من غير تقدم ما. في تشرين الأول فقط استقر رأي كونراد على ان يضغط ضغطاً آخر. جاء الى غزة حيث تحدث محمود الزهار معه بإلماح عن طموحه الى إنهاء القضية وإتمام صفقة. مع ذلك أكد الزهار ان رأي الجعبري في الشأن يؤثر في قيادة 'حماس' أن لا تعطي جواباً ايجابياً عن الاقتراح الإسرائيلي 'الأخير'.
عبر الزهار على مسامع كونراد عن خيبة أمله لأنه قطع معه مسافة في التفاوض في السنة الماضية بل خسر الكثير من النقاط داخل 'حماس' حينما أخذ بتوجه معتدل نسبيا، كي يحصل آخر الأمر فقط على رفض نتنياهو.
والتقى كونراد في إسرائيل حجاي هداس وسمع منه ان رئيس الحكومة مصر على رأيه ألا يقترح أي مرونة في التفاوض وأن مخطط الصفقة الذي اقترح في كانون الثاني هو الأخير والنهائي.
في تشرين الثاني 2010 فقط بدأ مع كل ذلك تمهيد طريق صغير: فقد تلقى كونراد من اسرائيل اشارات الى مرونة ما اخرى يمكن ان يتم تطبيقها على كل ما يتعلق بالنساء والإفراج عن أسرى من شرقي القدس.
بدأ يأتي الى المنطقة وأجرى جولة محادثات اخرى. وأصر كونراد الخبير بخيبات الأمل على ان يصوغ هذه المرة مخططاً يقبله الطرف الإسرائيلي ويقدمه بصفة وحدة واحدة الى 'حماس'. ونقل كونراد أسس المخطط المصوغ الى 'حماس' وفسر الردود التي حصل عليها هناك بأنها ايجابية جدا. وقدر رئيس الاستخبارات المصري عمر سليمان ايضاً، إذ كان آنذاك الرجل الأقوى في مصر، انه يستطيع استعمال تأثيره في 'حماس' لتقبل المخطط. هذه الرسالة، الايجابية جدا التي جاءت من كونراد ومن سليمان ومن تعقب إسرائيل الاستخباري لـ 'حماس'، أفضت الى تفاؤل كبير في محيط رئيس الحكومة وبدأوا في وزارة العدل يُعدون مرة اخرى ملفات العفو التي ستُقدم للرئيس.
لكن كانت 'حماس' هذه المرة هي التي قدمت جواباً سلبياً، بصورة رسمية. ولم يقنط كونراد وخلال شهري آذار ونيسان بدأ حملة ضغوط: على اسرائيل لتتنازل أكثر ولتصالح فيما عُرف بأنه 'خطوط نتنياهو الحمراء' – الإفراج عن شخص ما من القائمة السوداء للمسؤولين الكبار الخمسين، والإفراج عن عرب إسرائيليين وطرد أكثر المفرج عنهم الى خارج الضفة الغربية.
عاد حجاي هداس الى كونراد مع جواب سلبي مطلق. وهذا هو السبب الذي بسببه فوجئوا جدا في المانيا حينما عرفوا قبل اسبوع قبل وقت قصير من النشر العلني، بشروط الصفقة التي تمت.
بمساعدة فرنسا وتركيا
مقارنة بمخطط شباط وإزاء رفض نيسان كان نتنياهو هو الذي قام بأكثر التنازلات هذه المرة، لا 'حماس'. كان هناك في نيسان من اعتقدوا ان ضغوط كونراد مفرطة وسمع في إسرائيل كلاما شديدا عن أنه يلتزم موقفا يؤيد 'حماس'. وابتلع كونراد الإهانة ولم يرد.
واستعمل مسار ضغوط ثانيا على 'حماس' بواسطة عدد من الدول ذوات الوزن. فقد جند كونراد فرنسا (فشاليت مواطن فرنسي) وتركيا للمساعدة في الجهود. بل انه حاول ان يجند دولة مهمة في الخليج لكنها رفضت المشاركة. وفي نطاق حملة الضغوط توجهت ألمانيا وعدد من زميلاتها في أوروبا الى ممثلي 'حماس' وهي منظمة يهمها الاعتراف بها في العالم وفي دوائر دولية كتلك المتصلة بالأمم المتحدة، بل اهتمت بنقل تهديد بالتعريض بأنه اذا لم تُنهي 'حماس' قضية شاليت في أسرع وقت فسيُبعد عنهم.
أحرزت جميع هذه الجهود النتيجة العكسية بالضبط. فقد كانت يد الجعبري في 'حماس' هي العليا ونشر إعلانات من قبله لم ترفض مخطط شباط فقط بل اتهمت كونراد أيضاً بأنه يخدم إسرائيل وبأنه ليس وسيطاً نزيهاً.
يبين رجل استخبارات إسرائيلي رفيع المستوى قائلا 'القيادة في دمشق حساسة بالضغوط الدولية، لكن الجعبري لا تهمه تركيا أو فرنسا. رأى كل ذلك مؤامرة صهيونية واستقر رأيه على طرح الوساطة الألمانية'.
على خلفية الطريق المسدود المطلق الذي دُفع التفاوض اليه، استقر رأي الوسيط حجاي هداس على الاستقالة. وعلى شفا التوقيع على الصفقة في مصر أبلغه فريق شاليت آخر ما جدّ. ورد هداس باستغراب وبغير قليل من خيبة الأمل وقال ان نتنياهو قال له في الأمور المتفق عليها الآن بالضبط انه لن يهادن أبداً.
تولى العمل بدل هداس دافيد ميدان الذي كان في السابق رئيس 'تيفل'، وهي شعبة العلاقات الخارجية التابعة للموساد والذي أعارته المنظمة لديوان رئيس الحكومة. ووجد دعامة مكسورة: فـ 'حماس' لا تريد ان تسمع من الألمان، ومحمود الزهار ضعيف وقيادة 'حماس' في دمشق – خالد مشعل ونائبه أبو مرزوق – غير مستعدين لمواجهة الجعبري.
'نحن عالقون وبين الطرفين وضع عدم ثقة مطلق'، أبلغ ميدان نتنياهو.
وآنذاك حدث غير المتوقع الذي أفضى الى الصفقة آخر الأمر. فقد أُغرق هداس وبعد ذلك ميدان باقتراحات جهات مختلفة ونشطاء منظمات غير حكومية مختلفة من البلاد والعالم أرادوا المساعدة في الوساطة.
ليس هذا الوضع شاذاً. فمتطوعون من قبل أنفسهم يقترحون مرات كثيرة خدمات في قضايا مختلفة. ويتبين في أكثر الحالات ان الاقتراحات 'ضجيج' استخباري وهدر موارد. لكن يحدث شيء مختلف بين الفينة والأخرى.
وهذا ما حدث مع صفقة شاليت. فقد جاء نشيط السلام الإسرائيلي غرشون باسكن للقاء مع ميدان الذي اعتقد في البدء انه واحد آخر من تلك الحالات التي سيتبين انها ضجيج لكن استقر رأيه على المحاولة. وقد زعم باسكن انه انشأ علاقة طويلة وعميقة تعتمد على الثقة بغازي حمد من 'حماس' وانه يمكن بهذه العلاقة نقل رسائل الى الجعبري.
واستقر رأي ميدان على ان يجرب. نقل عدة رسائل في القناة الجديدة. وجندت جماعة الاستخبارات الإسرائيلية موارد كثيرة بينت ان قناة الاتصال ثقة ودقيقة: فالرسائل الى باسكن تُنقل بحرفيتها من ميدان الى 'حماس' وهو لا 'يجملها' وينقلها حمد نقلا دقيقا الى قيادة 'حماس'.
بعد ان تبين ان القناة ثقة طلب ميدان الى باسكن ان ينقل الى حمد ان ينقل الى الجعبري ان اسرائيل مستعدة لبدء التفاوض من جديد. ولعدم التعقيد وعدم البدء من جديد، سيقوم الاتفاق على مخطط شباط 2011. فليتفضل السيد الجعبري وليقل ما الذي يريد أن يغيره في هذا المخطط، وهكذا سترى إسرائيل هل يوجد ما يُتحدث فيه. 'وقُل لحمد ان يكتبوا شيئا ما منطقيا وإلا فلا داعي لكل هذا'، أضاف ميدان.
وثيقة جديدة ومفاجأة
مضى باسكن وعاد بعد أسبوع مع وثيقة مكتوبة. وفوجئوا في اسرائيل. فقد وافقت 'حماس' على عدم بدء كل شيء من جديد، وكان الشذوذ عن مخطط شباط أقل تطرفا من المتوقع. كان يبدو انه يوجد ما يُتحدث فيه. وقال ميدان لنتنياهو: 'هذه مطالب غير سهلة لكن يمكن بدء العمل'.
من هذه النقطة طلب ميدان التحول الى تفاوض رسمي بين الطرفين يتم تحت مظلة دولة ثالثة. وخلص الى استنتاج ان إسرائيل تحتاج الى مصر أو تركيا. وفي النهاية وقع الاتفاق على مصر التي لم تتحمس لمشاركة تركية. وتابع الأتراك – وفاجأ هذا إسرائيل ايضا – المساعدة برغم القطيعة بين الدولتين ووافقوا على استقبال عدد من المطرودين.
تمت الجولة الأولى في القاهرة في منتصف ايلول الثاني. وتمت الجولة الثانية بين 4 – 6 تشرين الأول وتمت اللقاءات الأخيرة خلال الأسبوعين الأخيرين، حتى الاتفاق على الصفقة في الجلسة يوم الخميس قبل أسبوعين.
فاجأ المصريون إسرائيل بعدة صور، أولا فرحوا جدا للمبادرة وكانت علامات شعورهم بالاهانة لتنحيتهم قبل سنتين ملحوظة جيداً. وأرادت الاستخبارات المصرية بقيادة ورثة سليمان البرهان على انها تستطيع النجاح في المكان الذي فشل فيه الألمان. وأكثر من ذلك ان المصريين فاجأوا وأجروا جولات المحادثات في نظام ألماني متشدد لم يكن معروفاً في إسرائيل. قد يكون كونراد بقي في الخارج لكن الصورة الدقيقة لتسجيله وتوثيقه كل شيء، والمباحثات الطويلة والجهود الكبيرة مع إنفاق ما لا يحصى من الوقت – كل ذلك أصبح تراثه في الشرق الأوسط.
في شهر أيار قدرنا هنا ان تبدل السلطة في مصر والتقارب بين مصر و'حماس' قد يفضيان الى شق طريق مهم في التفاوض في جلعاد شاليت. فـ 'حماس' تريد علاقات طيبة بالمصريين ولا سيما إزاء ضعضعة النظام في سورية الذي قد يفضي الى ان تُطرد من الدولة. وكذلك لم تعد الجبهة الخلفية الإيرانية تبدو موثوقاً بها مائة في المائة.
ضغط مصري ثقيل
لكن المصريين فاجأوا في نقطة أخرى. فهم لم يضغطوا على 'حماس' ولم يستغلوا تأثيرهم في قادتها فحسب بل استعملوا ضغوطاً بعضها عنيف، من أجل المصالحة في نقاط الاختلاف المركزية. وقد وجدت إسرائيل لواحدة منها حلا ممتازا من جهتها: فقد تبين انه يمكن الإفراج عن عرب إسرائيليين طاعنين في السن جداً، بصورة ترضي 'حماس'. ويكون هذا في ظاهر الأمر خرقاً لخط احمر بالنسبة لنتنياهو لكنه لا يكون في الحقيقة خطراً أمنياً.
وفي مقابل هذا بُدل رئيسا الموساد و'الشاباك' دغان وديسكن اللذان عارضا الصفقة وحل محلهما تمير بردو ويورام كوهين اللذان وافقا على الصفقة. بل ان كوهين كان مشاركاً في صوغها في المرحلة الأخيرة من التفاوض في القاهرة.
هل الفروق بين الصفقة التي عارضها ديسكن ودغان وتلك التي أجازها كوهين وبردو كبيرة بقدر كاف لتسويغ تغيير الموقف؟ وكم من القدرة لرئيس جديد، مدين بتعيينه لنتنياهو، على ان يواجه رئيس حكومة حازما اتخذ 'قراراً قيادياً'؟.
يتعلق ذلك بمن تسألون. بل إنه في جلسة الحكومة التي أجازت الصفقة نشأت مواجهة شديدة طلب فيها الوزير لنداو من هذين الرئيسين الجديدين ألا يُبديا رأيهما بل أن يُدليا بالحقائق فقط. ورد كلاهما بشدة وأيدا رئيس الحكومة. والشيء المتيقن منه انه لو عارض بردو وكوهين لما نجح نتنياهو في إجازتها بأكثرية ساحقة، ويُشك في انه كان يحاول إجازتها أصلا.
مهما يكن الأمر فان أبطال الساعة هم الوسطاء المصريون الذين برهنوا على مثابرة منقطعة النظير وكانوا مثالا، بلغة الوسيط ميدان في أحاديث مغلقة على ان 'التعب هو تدليل'.
عن "فلسطين برس"
| |
|