لقد خلق الله الانسان كائن اجتماعي قادر على اقامة علاقات انسانية متعددة الجوانب مع الاخرين ووضع لهذه العلاقات مجموعة من الضوابط التي تحكمها لكي يجعل منها علاقات سليمة وصحيحة تحقق الهدف الذي خلقت من اجلة ومن هذه الضوابط اهمية دور العاطفة فيها والتي تعطي الدفء والحميمية لهذه العلاقات , ولكن المشكلة تكمن عندما تصبح العاطفة هي البوصلة التي تحدد اختياراتنا وقرارات حياتنا وتقودها حيثما تريد وكيفما تريد من دون ان تكون خاضعة لارادتنا وفكرنا الذي من المفترض انه هو الذي يقودها وليس ان يكون منقادا لها , وهذا ما يسمى بالانفلات العاطفي . وهذا الانفلات ليس له علاقة بالعمر , بمعنى انه ليس بالضرورة ان يكون الشخص المتقدم بالسّن شخصا ناضجا عاطفيا اكثر من الذي يصغره , فكم من الاشخاص دمروا حياتهم الاسرية وضحوا بشريكة العمر التي وقفت معهم في حلو الحياة ومرها , من اجل نزوة عاطفية لم يستطعيوا ان يتحكموا بها , وهي تعرف في علم النفس بالمراهقة المتأخرة والكتاب المقدس يقدم لنا صورة عنها . فنجد بأن يوسف الصديق الذي بيع عبدا في مصر يرفض رغم صغر سنه عرض امرأة فوطيفار التي كانت تراوده على نفسها قائلا "كيف أصنع هذا الشر العظيم واخطئ الى الله".بينما نجد ان رجلا ناضجا وملكا حكيما كسليمان قد اكثر لنفسه من الزوجات اللواتي أملن قلبه في نهاية عمره عن عبادة الله الحي عندما اقام لآلهتهن معابد على سفوح جبال المدينة المقدسة اورشليم.فمشكلة عدم الانضباط العاطفي متأصلة في تاريخ حياتنا البشرية وللأسف الشديد اقول ان كثير من المؤمنين يقعون في فخها.فكمية الخيانات الزوجية وحالات الطلاق والتفسخ الاسري الذي يذهب ضحيتة الاطفال نتيجة لنزوة او حتى نزوات عاطفية عند أحد الوالدين مخيفة حتى في الوسط المسيحي وليس فقط المجتمع الذي نعيش فيه . وكمية العلاقات العاطفية المبكرة بين الشباب الذين دنّس الشيطان افكارهم بثقافة هذا العالم القائمة على شهوة الجسد والعين والتي احيانا تذهب الى أبعاد لا أخلاقية تفقد فيها الفتيات أعز ما تملك " الصيت الحسن " تحت مسمى الحب لا تحصى , والتي تفقد معها احترامها لنفسها وتشعر بحتقارها لذاتها والذي يدفعها نحو الرذيلة وادمان الكحول والمخدرات لكي تسكن به الالم الذي
تشعر به . و أما الذين يبعيون إيمانهم بالمسيح وبعائلاتهم نتجية لعلاقة حب مع طرف لا يتوافق معهم روحيا لم تعد جديدة

.فماذا نقصد بالانضباط العاطفي ؟؟؟
الانضباط العاطفي هو قدرة الانسان بان يقول لمشاعره "لا" عندما تريد ان تاخذه في طريق خاطئ يتعارض مع مبادئه وافكاره.
الانضباط العاطفي هو قدرة الانسان ان يجعل عواطفه مقاده الى حيث يريد هو لا الى حيث تريد هي .

واسمحوا لي ان اقدم مثالين من العهد الجديد والقديم تشرحان هذا المبدا باكثر ايضاحا.

الاول ايجابي ومن انجيل لوقا والاصحاح التاسع
وذلك حينما قطع هيردوس رأس يوحنا المعمدان وقدمه على طبق لراقصة اثارت هيردوس الملك برقصها , فحلف امام الحضور انها مهما طلب حتى ولو كان نصف المملكة فانه سيعطيه لها "تخيلوا ملك يضحي بملكه ونصف مملكته لأجل راقصة اثارت عواطفه غير المنضبطه" وهذا ما كانت تعرفه هيروديا مسبقا فطلبت من ابنتها ان تطلب رأس يوحنا المعمدان لان يوحنا كان يعتبر علاقتها بهيردوس هي زنى وكان يصرخ في كل اليهودية بأنه لا يجوز ان تأخذ زوجة اخيك امرأة لك.ولما جاء الرسل وأخبروه بما حدث أخذهم وانصرف منفردا إلى موضع خلاء لمدينة تسمى بيت صيدا فلم يكن المعمدان شخصا عاديا بالنسبة للمسيح فقد كان قريب ورفيق خدمة وصديق العريس والذي جاء بروح ايليا لكي يعد الطريق امامه كما جاء في نبوة ملاخي "هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم. لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن "فانصرف المسيح الى مكان خلاء لينفرد بنفسه وبالتلاميذ لكن الغريب بالامر ان الجموع لما علموا انه هناك تبعوه .
هنا كان المسيح ممكن ان يستسلم لمشاعر الحزن والالم لفراق يوحنا ويقول للجموع "ارحموني.اريد ان اكون لوحدي ولا اريد ان ارى احد تماما كما نفعل نحن حين نستسلم لمشاعر الحزن "ولكنن نجد المسيح يخضع مشاعره لارادته ويحولها الى قوة ايجابية اتجاه الاخرين فيتحنن عليهم ويقبلهم ويكلمهم عن ملكوت الله، والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم بل ويصنع معجزة اشباع الخمسة الاف رجل ما عدا النساء والاطفال وهي المعجزة الوحيدة التي ذكرت في الاناجيل الاربعه جميعها.لقد حول المسيح مشاعره من ان تكون رد فعل على ما فعله هيردوس بالمعمدان الى فعل رحمه وشفاء وتحرير نفوس بالجموع وهذا منتهى الانضباط العاطفي.

والثاني سلبي ومن سفر القضاة
والذي يحكي لنا عن شمشون والذي كان قاضياً لبني إسرائيل قضى مدة عشرين سنة ( قض 13: 2-24 ). وكان معروفاً بقوته العجيبة التي حلّت عليه بقوة الروح القدس ولكن هذا القاضي العظيم كان يعاني من عدم الانضباط العاطفي فأحب فتاة من غير شعب الله الذين يعبدون الاوثان برغم علمه كقاضي ان ذلك يخالف شريعة كما جاء في سفر ( خر 34: 16 وتث 7: 3 )،وبرغم رفض والديه لهذه العلاقة الخاطئه " فقال له أبوه وأمه: أليس في بنات إخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى أنك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف ؟ فقال شمشون لأبيه: إياها خذ لي لأنها حسنت في عيني ".ولأنه اي شركة للمؤمن مع غير المؤمن وللمسيح مع بلعيال , احتالت علية دليلة بعلاقة حب مرفوضة من الرب لكي يكشفت لها عن سر قوته العظيمة، قائلة "فقالت له : كيف تقول أحبك، وقلبك ليس معي ؟ هوذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة ولما كانت تضايقه بكلامها كل يوم وألحت عليه، ضاقت نفسه إلى الموت " ونتجية لحب أعمى غير منضبط أخبرها بسر قوته لكي تذله رغم ان كان يعرف انها افشت سره لاعدائه اكثر من مرة لكي يقبضوا عليه وعرفت أنه كان في شعره، لأنه كان نذير الرب من بطن أمه ( قض 16: 17 ). فأتى الفلسطينيون عليه وهو نائم، وجزوا شعره، وأوثقوه بسلاسل من نحاس، وقلعوا عينيه، ثم أخذوه إلى غزّة ووضعوه في السجن. وإذ كانوا قد أسروا عدوهم القوي، اجتمع أقطاب الفلسطينيون للفرح. وطلبوا شمشون ليسخروا منه. وكان في وسط البيت عمودان كبيران. فقاده صبي إلى ما بينهما، وكان قد اجتمع في البيت جمهور من شرفاء الفلسطينيين، ووقف على السطح نحو 3000، ليروا شمشون يلعب. فطلب شمشون أذناً بأن يستند على العمودين، وانحنى بكل قوته، فزعزعهما. وسقط البيت عليه وعلى من فيه، فماتوا جميعاً.
وهذه هي النتجية الحتمية للعلاقات العاطفية غير المنضبطة التي تقود الى الذل والهون والسخرية.
احبائي
هل تملك مشاعرك وتقودها الى حيث تريد فيصدق فيك قول الكتاب "مالك روحه خيرا من مالك مدينة".ام انت شخص مقاد بعواطفك فتجني الخيبه والمرارة كشمشون.