على الرغم من كبر حجم الاسرة، وبالرغم من الحالة المادية العادية، وكذلك مستوى التعليم البسيط إلا أن هذا لم يمنع الأب والأم من أن يقدما كل الحب والعناية وغرس الطموح فى ابنائهما الستة، إنها عائلة الاستاذ حلمي عازر الموظف بالسكة الحديد وزوجته ابنة العمدة ربة المنزل البسيطة أنجيل صليب يوسف، هذه الأسرة التي أنجبت ستة أبناء جميعهم أكملوا تعليمهم الجامعي وأغلبهم سعى الى استكمال تعليمهم العالي سواء خارج مصر أو داخلها، أب وأم زرعا في أبنائهما حب العلم والتعلم، وكذلك الطموح والأمانة في العمل وخدمة مجتمعهما. أحد أبناء هذه الأسرة هو المهندس هاني عازر الخبير العالمي في مجال انشاء وتشييد الأنفاق وهو يعمل الآن في ألمانيا ويعتمدون عليه في مشروعاتهم العملاقة بما يتمتع به من ابداع وعبقرية وأمانة في العمل .
أكثر ما لفت انتباهي وأنا أتتبع قصة حياة هذه الاسرة التي تناولتها أحد الصحف اليومية وهي تتحدث عن المهندس العبقري هاني عازر، تربيتها لابنائها ومعاملاتهم الرائعة لهم، فعن معاملة الأب والأم لهما يذكر الابن الأكبر المهندس جرجس "لم تكن والدتي متعلمة لكنها كانت تمتلك خبرة حياتية وحكمة اكتسبتها من متابعتها لجلسات أبيها العمدة في إحدى قرى طنطا، وكانت الأمثال الشعبية طريقتها المفضلة في شرح وجهة نظرها، فكانت تحفظ العديد منها إلا أن أكثر ما كانت تردده منها هو اعمل الخير وارميه البحر، بالاضافة الى كل ذلك كانت مدبرة منزل من الطراز الأول تلبي كل احتياجاتنا بشكل يتفوق على أمهر وزراء المالية، ويختتم المهندس جرجس عبارته بجملة في غاية الروعة وعميقة المغزى فيقول "ولكن في اعتقادي أن الحب الذي راعتنا به مع أبي سِرّ عبورهم بنا الرحلة بنجاح. كانا يحبان الحياة والناس والجيران المسلم والمسيحي."
من الواضح أن من أهم عناصر نجاح هذه الاسرة هو الحب، حبها للحياة والناس وحبها لابنائها، ذلك الحب الذي انعكس على تعاملهم مع مواقف الحياة المختلفة والذي انطبع أيضاً في عقول وقلوب الأبناء.
أما عن محبتهما للعلم وتشجيع أبنائهم عليه يقول المهندس جرجس "رغم بساطة حياتنا وانتمائنا لأسرة مستورة لا ميسورة إلا أن أبي كان محباً للعلم بشكلٍ فاق في بعض الأوقات قدرته المادية، ولكنه لم يتأخر عن تقديم كل ما لديه لنا لنكمل تعليمنا كما نحب، لم يقف في وجه رغبة أحد منا في يوم ما ويمنعنا عن مواصلة طريق الطموح وبالحب كان رفيقاً لنا طيلة حياته "وتستكمل الدكتورة فايزة الابنة التي تعمل طبيبة بفرنسا الحديث فتقول "الحقيقة كان أبى رائعاً ورغم الصورة التي اشتهرت عن الاب في تلك السنوات، إلا أنه كان هو وأمي أصدقائنا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، نحكي لهما كل شيء يحدث لنا ويمنحاننا النصيحة. ولا اذكر أنه عاقب أحدنا بالضرب في يوم من الايام، كان العقاب بالحرمان من شيء نحبه."
ما أروع أن نكون أصدقاء لابنائنا وأن نكون على علاقة حميمة معهم، لقد كانت هذه العلاقة الحميمة الضمان للمسيرة الناجحة التي سارها الأبناء الستة، لقد وفّر هذان الوالدان البيئة الصحية الأمنة والمناسبة التي تربى بها الأبناء أقوياء، محبين للحياة والناس، شاعرين بالأمان والثقة، طموحين في غدٍ أفضل، مبدعين في دراستهم وأعمالهم. هذا هو ما نحتاج أن نوفره لأبنائنا حتى يعيشوا محبين لأنفسهم وللناس وللحياة بكل ما فيها، وحتى يستخدمون مواهبهم ومهاراتهم التي حباهم بها الله سبحانه فيصبحون مبدعين ومؤثرين في مجتمعهم ومستمتعين بحياتهم.