مشاهد ثورة إسقاط مبارك تعود لميدان التحرير
مسجد صغير تحول إلى مستشفى ميداني وأكثر من 1500 إصابة
القاهرة: هيثم التابعي
قبل أسبوعين من الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية الشهر الحالي، تحولت أنظار ملايين المصريين إلى ميدان التحرير مسرح عمليات ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، الذي يشهد طيلة اليومين الأخيرين مواجهات عنيفة بين محتجين مصريين وقوات الأمن، أدت إلى سقوط جرحى قدرهم المستشفى الميداني في التحرير بما يزيد على ألف جريح.
وبعد 9 أشهر من الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، عادت نفس مشاهد ثورة يناير بحذافيرها إلى الميدان؛ مستشفى ميداني يستقبل المصابين، لافتات تدعو لإسقاط النظام لكنه هذه المرة نظام المجلس العسكري، شباب ثائر يطالب من وراء كمامات الغاز بالحرية والكرامة الإنسانية.
وعلى مقربة من الميدان، تحولت زاوية صغيرة للمصلين إلى مستشفى ميداني، جرى تقسيمه لأقسام وفقا لنوعية الإصابات مثل العظام والجراحة والاختناق، بحيث يجري توزيع المصابين عليهم وفقا لإصاباتهم.
ويقول يوسف شريف، طبيب امتياز ومتطوع في المستشفى، إن الإصابات تجاوزت حاجز ألف وخمسمائة، أغلبهم مصابون بالاختناق وبطلقات الخرطوش أو ضربوا بعصي الأمن، مضيفا: «هذه المشاهد حدثت قبل تسعة أشهر، وكأن الداخلية لم تغير من سياساتها القمعية».
ويتلقى المستشفى إمدادات طبية كثيرة عبر متبرعين أغلبهم من شباب الجامعات، من بينهم سارة محمد، 19 عاما، التي تبين أنها جاءت للميدان لإحضار بعض المستلزمات الطبية كالشاش والقطن وغيره. وأضافت سارة، التي تدرس هندسة الكومبيوتر: «المشكلة أن الثورة لم تكتمل.. واليوم أراها تشتعل من جديد».
وبينما كانت تبحث عن صديقتها المصابة وسط المصابين المستلقين أرضا، قالت منى منصور، شابة ثلاثينية، إن ما يحدث الآن سيطلق موجة الغضب الثانية، وقالت وهي تغالب دموعها: «لا نطلب سوى الحرية والديمقراطية، ومن حقنا أن تعاملنا الشرطة بآدمية».
وبين الفينة والأخرى، تتجدد المواجهات بين الشباب الثائر والشرطة في شارع محمد محمود وهو الطريق المؤدي إلى مقر وزارة الداخلية القريب من ميدان التحرير، وتحول الشارع الهادئ بالأساس والذي يوجد به مقر الجامعة الأميركية إلى أرض للمعركة بين الطرفين، بعد أن أطلقت الشرطة عشرات من القنابل المسيلة للدموع، وهو نفس المشهد الذي حدث ظهر «جمعة الغضب» 28 يناير الماضي.
وبدت أرضية المكان ساحة حرب حقيقية مع وجود عشرات من فوارغ القنابل المسيلة للدموع وآلاف من قطع الطوب الصغيرة المدببة، بعد أن كسر الشباب الأرصفة لاستخدامها للدفاع عن أنفسهم. وفيما كانت سحابة من الغازات المسيلة للدموع تسيطر على الأجواء وقف الكثير من الشباب المحتجين بالميدان يتناقشون حول تأثير الأحداث على إجراء الانتخابات، لينتهي حديثهم بالتأكيد: «من المستحيل عقد انتخابات في تلك الظروف». ويخشى مراقبون من قيام المجلس العسكري بإلغاء أو تأجيل الانتخابات بسبب الظروف الأمنية وهو ما قد يزيد من الاحتقان أكثر.
ويقول نادر أشرف، 22 عاما، طالب جامعي، يرتدي قناعا واقيا ضد الغازات المسيلة للدموع: «بعد تسعة أشهر لم يتغير شيء.. بعضنا مات وبعضنا استشهد.. لكن بلا أي فائدة». وأضاف أشرف، الذي شارك في ثورة 25 يناير، أنه سيظل بالميدان حتى يسلم المجلس العسكري السلطة لحكومة مدنية.
اللافت أن تكوين التجمعات الشبابية في الميدان يتطابق إلى حد كبير مع نفس التجمعات التي قادت ثورة 25 يناير من نفس التحرير، شباب وشابات غالبيتهم العظمى لا ينتمي لتيارات أو أحزاب سياسية، فيما اختفى أنصار الأحزاب والتيارات السياسية التي احتشدت في الميدان الجمعة الماضي، حيث عاد مشهد الفتيات غير المحجبات اللاتي يرتدين الجينز ليطغى على المشهد من جديد بعد يومين من احتشاد أنصار التيارات الإسلامية بملابسهم المميزة.
وبينما كانت تستقبل زميلا لها، قالت سالي عمرو، 26 عاما: «أشعر بأجواء 25 يناير من جديد، الأحزاب والتيارات السياسية لم ولن تعبر عنا.. إنهم يبيعون ثورتنا». وفيما يعتبر إعلانا عن مطالبهم، رفع المحتجون لافتة ضخمة تقول «الشعب يريد مجلس مدني رئاسي» استقرت في نفس المكان الذي رفعت فيه قبل تسعة أشهر لافتة الشعب يريد إسقاط النظام. ومن حولها تصاعدت هتافات الشباب ضد المجلس العسكري ووزارة الداخلية المصرية.
وقال محمد يحيى، وهو أب لطفلين: «الحقيقة أن ما حدث أن الثورة لم تنجح.. الظلم كما هو.. القمع كما هو..لا شيء تغير على الإطلاق».
بينا أضاف محمد عبد المنعم، 25 عاما، مهندس ديكور: «نظام مبارك لا يزال يحكمنا بنفس سياساته العقيمة». ثم أضاف ساخرا: «أننتظر بفارغ الصبر خطاب الرئيس مبارك بعد قليل، كما كان يحدث في ذلك الوقت».
الشرق الوسط