العربيَّات يقاتلن دفاعاً عن حقوقهن في الربيع العربي
الجريدة الكويتية
2011 الأربعاء 7 ديسمبر
ماثيو فون رور
بدا أن الربيع العربي يُنبئ بعهد جديد من تحرر المرأة في العالم العربي. إلا أن الإسلاميين يزدادون قوة في تونس ومصر، وكثرت تقارير مقلقة عن اعتداءات جنسية تُرتكب ضد متظاهرات في ميدان التحرير في القاهرة. لذلك، تخشى نساء كثيرات في المنطقة حرمانهن من حقوق تمتعن بها خلال عهد الحكام الدكتاتوريين.
«شبيغل» تحدثت عن هؤلاء النساء في مصر وتونس…
تبدو علياء ماجدة المهدي (20 سنة) صارمة في صورتها التي نشرتها على شبكة الإنترنت، إلا أنها لا ترتدي أي ملابس، في خطوة لم يسبق لها مثيل في العالم العربي. تجرأت هذه الشابة المصرية على الكشف عن جسمها في بلدها احتجاجاً، كما ذكرت، على ظلم المرأة والنزعة المحافظة في بلدها.
علياء طالبة في الجامعة الأميركية في القاهرة، كتبت في مدونتها: «قفوا أمام مرآة واحرقوا أجسادكم التي تحتقرونها لتخلصوها نهائياً من رغباتها». لا شك في أن خطوتها هذه شكلت صدمة في مصر وغيرها من البلدان العربية.
بعد إثارتها هذه الفضيحة قبل بضعة أسابيع، اضطرت المهدي إلى الاختباء خوفاً من كره المحافظين المتدينين، حتى إن المصريين العلمانيين حاولوا قطع أي علاقة لهم بها. فهم لا يريدون أن يرتبط اسمهم بما أقدمت عليه، خوفاً من أن يُصنَّفوا بالفاجرين وعديمي الأخلاق.
يعتبر الشباب المصري مستقبله مهدداً، بعدما عاد إلى ميدان التحرير ليتظاهر هذه المرة ضد الهيمنة العسكرية في البلد، كما لو أن ثورة يناير وفبراير لم تحدث مطلقاً. فلم تعد قدرة البلد على تبني الديمقراطية المحور الأهم، بل اتسع هذا الأخير ليشمل نوع المجتمع الذي ترغب فيه مصر، وما سيكون عليه وضع المرأة في هذا المجتمع.
كثرت في الأيام الأخيرة تقارير عن اعتداءات جنسية على النساء في ميدان التحرير، اعتداءات ارتكبتها قوى الأمن والمتظاهرون على حد سواء. فقد احتُجزت الصحافية المصرية- الأميركية منى الطحاوي، التي شاركت في الاحتجاجات في ميدان التحرير، وعيناها معصوبتان طوال ساعات، وتحرش بها رجال الشرطة وكسروا يدها وذراعها. كتبت على موقع Twitter: «تحسسوا جسمي وصدري… كلهم كلاب والمسؤولون عنهم كلاب».
غموض يلف دور المرأة
تعمّ الغرب حالة ارتباك. في شهرَي يناير وفبراير، بدا كثر متفائلين بشأن الانتفاضات في تونس ومصر، خصوصاً بشأن دور المرأة، فقد وقفت النساء إلى جانب الرجال في شارع الحبيب بورقيبة في تونس وفي ميدان التحرير في القاهرة. هكذا، نقلت هذه المشاركة صورة جديدة عن الشباب العربي والمرأة العربية، فأرسل مصورون كثر في القاهرة وتونس إلى مكاتب صحفهم صوراً عن نساء جذابات يشاركن في الثورة. بالتالي، رأى كثر في الغرب وجوه المتظاهرات الشابات، وسرّهم أن يعرفوا أن الناس في هذين البلدين لا يختلفون عنهم، كما كانوا يظنون سابقاً.
تبددت نظرية أن الديمقراطية لا تُلائم العرب، فضلاً عن عبارات مستهلكة عن أن المرأة العربية كائن سلبي مقموع، فما كانت الانتفاضات في الدول العربية لتولد لولا مشاركة المرأة. كانت النساء من بين المتظاهرين الأوائل في دوار اللؤلؤة في البحرين. كذلك نُظمت تظاهرات نسائية في سورية، وشاركت النساء في الانتفاضة الليبية منذ البداية. ناهيك بفوز ناشطة يمنية بجائزة «نوبل للسلام» هذه السنة.
خوف من الخسارة
تُظهر هذه الوقائع لمَ خيّبت التقارير الإخبارية الأخيرة أمل أناس كثر. في تونس، حيث انطلق الربيع العربي، وحيث تتمتع النساء بحرية قلما نجد نظيرها في العالم العربي، تحوّل الإسلاميون عقب الانتخابات الأخيرة إلى حزب نافذ. كذلك نشهد راهناً الأمر عينه في مصر حيث لم تُعيَّن امرأة واحدة في المجلس الذي كُلّف بوضع الدستور الجديد.
في مصر، لم يكن الإسلاميون المسؤولين الوحيدين عن اعتداءات خطيرة تعرضت لها النساء في الفترة الأخيرة، بل يشمل المعتدون أعضاء من النظام القديم والجديد. في شهر مارس، ذكر بعض التقارير أن الجيش يُخضع المتظاهرات لاختبار للتأكد من عذريتهن، خطوة اعتبرتها كثيرات اغتصاباً.
أرغم الجنود هؤلاء المتظاهرات على خلع ملابسهن، وهم يهزأون بهن، وأعلن أحد الجنرالات لاحقاً أن هؤلاء ليسوا «مثل بناتكم أو ابنتي». فضلاً عن ذلك، تتعرض النساء أخيراً في ميدان التحرير لاعتداءات جنسية عنيفة. فهل حاربت النساء العربيات في سبيل الحرية لينتهي بهن المطاف إلى خسارة الحقوق التي كن ينعمن بها خلال عهد الحكام المستبدين؟
مشروع النخبة
ثمة طبقة من النساء المثقفات والعاملات تعيش في المدن في تونس ومصر. إلا أن ضمان حقوق المرأة كان مشروع النخبة. لكنه شكّل أيضاً في نظر حكام مستبدين، مثل الرئيسين السابقين زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، وسيلة إلى غاية محددة. فقد استغلوا دعم حقوق المرأة لجعل الغرب يظن أن أنظمتهم تطمح إلى التقدّم. لكن الواقع مختلف تماماً، فقد اعتبر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الصادر عن الأمم المتحدة وضع حقوق المرأة المزري في العالم العربي أحد الأسباب الثلاثة لبقاء هذا الجزء من العالم غير نامٍ.
المفارقة أن سوزان مبارك، زوجة الرئيس السابق حسني مبارك التي يمقتها المصريون، هي مَن دافعت عن حقوق المرأة وكافحت ختان الإناث المريع. صحيح أنها حققت بعض التقدم، إلا أن كثيراً من الإنجازات التي بلغتها في مجال حقوق المرأة باتت اليوم مرتبطة باسمها.
ولا عجب في أن يحظى نموذج إسلامي مناقض برواج كبير عقب الإطاحة بأنظمة حاولت أن تختبئ وراء قناع غربي علماني. في تونس خصوصاً، اعتادت النخبة العلمانية التصرف كما لو أنها أوروبية أكثر منها عربية، متبعة نمط حياة مماثلاً لما يشيع في القوة الاستعمارية السابقة فرنسا، فكان من الطبيعي أن نرى في ضواحي العاصمة تونس الفاخرة نساء يرتدين تنورة قصيرة، وكان أنصار حقوق المرأة يفخرون بذلك.
أدوار متساوية عموماًَ
تتمتع المرأة في تونس بحقوق مماثلة كما الرجل في المجالات كافة تقريباً. يمكن للمرأة أن تطلّق زوجها، ويُحظر تعدد الزوجات، فضلاً عن أن الإجهاض شرعي. وتظهر تأثيرات هذه السياسة في رقمين: تزوجت نصف النساء في البلد فبل سن العشرين عام 1960. إلا أن عدد النساء اللواتي تزوجن بين سن الخامسة عشرة والتاسعة عشرة تراجع إلى 3% فقط عام 2004. يُعزى وضع المرأة الجيد هذا إلى الحبيب بورقيبة، المؤسس العلماني للجمهورية التونسية، الذي يُعتبر غالباً نظيراً تونسياً للرئيس التركي الأول، مصطفى كمال أتاتورك. لكن هذه الظاهرة تقتصر إلى حد كبير على المدن، فعلى غرار تركيا تبنت تونس العلمانية لأن هذه كانت رغبة النخب. لكن المناطق الداخلية من البلد ظلت متمسكة بتحفظها.
من الخطأ الاعتقاد بأن العالم العربي سيصبح أكثر ميلاً إلى الغرب بعد الثورة. على العكس، بدأ السكان في مناطق كثيرة يعودون إلى قيمهم الخاصة. في شهر يناير الماضي، كان من النادر أن ترى امرأة ترتدي الحجاب في شوارع العاصمة تونس، لكن بحلول يوليو صارت نصف النساء تقريباً محجبات. اختارت كثيرات منهن ارتداء الحجاب لأسباب دينية، في حين اعتبرته أخريات جزءاً من هويتهن المكتشفة حديثاً. قبل الثورات، كان الانتماء العربي أشبه بوصمة عار، إلا أننا نُلاحظ في تونس، منذ الإطاحة ببن علي، إحساساً وطنياً جديداً وافتخاراً بالهوية العربية.
نهضة المحافظين
في مصر، قلما غامرت النساء في السنوات الأخيرة بالنزول إلى الشارع من دون حجاب، ويُعتبر ذلك إشارة إلى مجتمع محافظ بعيد كل البعد عن أوروبا، بخلاف تونس.
إلا أن المحجبات نزلن إلى الشارع للتظاهر ضد بريطانيا في عام 1919، وبعد إمساك جمال عبد الناصر بزمام السلطة عام 1954، عاشت البلاد نهضة اجتماعية شُجّعت خلالها المرأة على المشاركة في الحياة المهنية. لكن الحركات المحافظة عادت إلى الواجهة بقوة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ما دفع بالمرأة إلى الرجوع إلى أدوارها التقليدية.
ينظر ناشطون كثر في مجال الدفاع عن حقوق المرأة بقلق إلى العراق، حيث أساءت الإطاحة بالطاغية العلماني إلى المرأة، وحيث توقفت أربع من كل خمس تلميذات وطالبات عن متابعة تعليمهن بعد تلك الفترة.
نموذج جديد
ظهرت امرأة مشعة جذابة أمام الصحافيين الغربيين لتتحدث باسم الرابحين عشية فوز الإسلاميين في الانتخابات في تونس. أكدت أن ما من امرأة ستُرغم على ارتداء الحجاب في هذا البلد. كانت متبرجة، وقد لفت شعرها بحجاب ملوَّن. بدت ذكية وواثقة من نفسها، وعندما سُئلت عما يعنيه فوز الإسلاميين للمرأة، أجابت أنها لا ترى أي تعارض بين الإسلام وحقوق المرأة.
تُدعى هذه المرأة سمية الغنوشي، ابنة رشيد الغنوشي، قائد حزب النهضة الإسلامي والرجل الأوسع نفوذاً في البلد راهناً. ترعرت الغنوشي في لندن، حيث عاش والدها في المنفى طوال 20 سنة، وعملت صحافية في «الغارديان» وعدد من المطبوعات الأخرى. كذلك تنشط هذه الشابة المسلمة المستقلة في المعترك السياسي وتدعم حركة والدها، شأنها في ذلك شأن أختها انتصار، التي تمتهن المحاماة في لندن.
لا تتلاءم صورة بنات الغنوشي الأربع مع مفاهيم الغرب عن المرأة العربية المظلومة، فهل يشكلن النموذج الذي يُفترض بالنساء الإسلاميات تبنيه؟
لا تُعتبر الشقيقات الغنوشي، اللواتي تحولن إلى مثال يحتذي به بعض الشابات التونسيات، الدليل الوحيد على أن المرأة يمكن أن تكون مسلمة، محجبة، وقوية. فطوال سنوات، روّجت مذيعات المحطات الفضائية في الخليج العربي لنموذج الجمال الأنثوي «المحتشم» في مخلتف أنحاء العالم العربي.
التحرر
لا تحتاج المرأة الواثقة بنفسها إلى أن تتبع النموذج الذي يرسمه الغرب للمرأة عموماً. قبل سنوات، حدد باحثون في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي» في واشنطن حركة يمكن وصفها بالانعتاق الإسلامي داخل منظمات مثل الأخوات المسلمات المصريات. فحتى هذه المجموعة من النساء المسلمات المحافظات تشمل جيلاً جديداً من ناشطات واثقات بأنفسهن، متعلمات، يطالبن بحقوقهن ويصررن على التعبير عن رأيهن داخل المنظمة.
رأينا عدداً منهن في طليعة المتظاهرين الشتاء الماضي، وها هن اليوم واقفات إلى جانب المتظاهرات، ليواجهن معاً أحد أعند خصوم المرأة المصرية، ألا وهو الجيش. خلال الثورة في ميدان التحرير، ذاقت شابات مصريات كثيرات طعم المساواة بين الجنسين للمرة الأولى. فقد تظاهرن إلى جانب الرجال، وأدّين دوراً على القدر ذاته من الأهمية في الإطاحة بمبارك، فضلاً عن أن تلك الفترة لم تشهد أي اعتداءات جنسية.
منذ ذلك الحين، سعت قوى الأمن والمجلس العسكري المصري، لا الإسلاميون، إلى إعادة المرأة إلى سابق عهدها بواسطة العنف. في الوقت عينه، تنامى نفوذ السلفيين المتشددين في مصر.
يريد السلفيون أن تبقى المرأة في المنزل مكتفية بدور الزوجة والأم والشقيقة. يبدو هذا الأمر واضحاً في صور حملة حزب النور السلفي التي تتضمن سبعة مرشحين ملتحين، وما من صورة لمرشحة الحزب الثامنة، بل استبدل رسمها بوردة.
لكن السلفيين لا يشكلون الأكثرية في مصر، ويتبنى الإخوان المسلمون، مجموعة إسلامية يُتوقع فوزها في الانتخابات المصرية، موقفاً عملياً من المرأة. صحيح أنهم محافظون، إلا أنهم ليسوا متزمتين في نظرتهم إلى المرأة.
أخبار مقلقة
في تونس، يدّعي الإسلاميون بقيادة رشيد الغنوشي أنهم يدعمون المرأة أكثر من أي بلد آخر. ففي حملتهم الانتخابية، شددوا على أنهم لن يسعوا إلى سلب المرأة أياً من حقوقها، وأنهم لا يريدون تعدد الزوجات أو فرض الحجاب على النساء، ويعتبرون حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا نموذجهم.
لكن بعض المحافظين ازداد جرأة بعد فوزه في الانتخابات، وكثرت الأخبار المقلقة من تونس العاصمة. فتذكر نساء أنهن انتقدن علناً بسبب طريقة لبسهن، وفي الجامعات منع الطلابُ المحاضِرات من دخول قاعة المحاضَرات لأنهن يرتدين ثياباً يعتبرها أولئك غير محتشمة.
لكن يجب ألا نتوقع أن يتبدّل موقف المرأة القوي في تونس قريباً. فموقفها راسخ، خصوصاً في المدن. أما في مصر، فلن تضطر المرأة إلى الدفاع عن حقوقها في وجه الإسلاميين فحسب، بل أيضاً في وجه عدد من الرجال المتعصبين الذين ينتمون إلى مختلف الأطياف العقائدية.
بعد الاعتداءات الأخيرة على النساء في ميدان التحرير، كتبت الناشطة الشابة لارا الجبالي على موقع Twitter: «قد أبدو متعصبة لحقوق المرأة، خصوصاً اليوم، لكني سئمت المجتمع الذكوري الذي أعيش فيه. لا شك في أن مصر مكان سيئ لتعيش المرأة فيه».
ايلاف