اعاقة المحبة
يحمل كلّ إنسان في قلبه الحبّ، ويرغب في إيصاله وتبادله مع الآخرين لكي يحصل بالمقابل على حبّ يُغني حياته ومشاعره، وقد جبل الله فينا الحاجة إلى المحبة عندما بادر هو بمحبّتنا وتأسيس علاقة معنا أساسها الحبّ وليس الخوف. لكن في كثير من الأحيان لا ننجح في توصيل مشاعر الحبّ إلى الآخرين، وهذا بسبب بعض المعوّقات مثل:
الخوف: وهو العقبة الأساسية، ويؤدّي إلى حساسية زائدة من أن نقوم بشيء قد يؤذي مشاعرنا أو يصيبنا بخيبة الأمل، أو من أن يعتقد الناس الذين نحبهم بأننا لحوحون أو منافقون، وأننا نرغمهم على تبادل المجاملات، فكيف نتغلب على هذا الشعور؟ إنها الطريقة نفسها في التغلّب على خوفنا من ركوب السفينة، وذلك باتخاذ القرار الحاسم والمبادرة بشجاعة في إظهار المحبة دائماً دون الخوف من الأمور الوهميّة.
الانشغال: هل لاحظتِ عدد المرات التي لم تولي فيها الناس اهتماماً أو عدد الفرص الضائعة في التعبير عن حبّك وتقديرك؟ يتسارع العالم حولنا، وكلنا نقع تحت ضغوطات الحياة لنبقى في المقدّمة دائماً، ولتوفير مقوّمات الحياة التي أصبحت باهظة الثمن، ولم نعد نجد وقتاً لنمضيه مع العائلة والأصدقاء. أما الحلّ فبسيط لكنه ليس سهلاً: ذكّري نفسك كلّ يوم بأنّ الناس هم على سلّم أولوياتك. حاولي أن تتواصلي معهم بابتسامة أو ثناء أو كلمة عطف، وبذلك فإنّ العمل سيصبح أسهل وأقلّ عناء. علاوة على ذلك ستكسبين حبّ الناس وهذه الابتسامات والثناء وكلمات العطف ستُرَدّ إليك في الحال، والأكثر من ذلك شعورك بالرضا لأنك جعلتِ حياة شخص ما أفضل. إنّ هذا أهمّ إنجاز في حياتك!
الأنانية: جميعنا نتّفق على المبدأ الذي يقول: "إنّ السعادة هي أن تُعطي لا أن تأخذ"، ولكن يبقى القول أسهل بكثير من العمل، وعلينا أن نتذكّر دائماً أنّ الله لا يطلب منا فوق ما نستطيع تجاه الآخرين، بل بالعكس فقد أعطانا أن نتّكل عليه وعلى مساعدته لنا، وهنا يظهر إيماننا به وامتثالنا لأوامره رغم كلّ مغريات الحياة التي من حولنا، وعندما نفعل ذلك سوف نجني نتائج لا حصر لها يهبنا إياها الله لأننا أولينا الآخرين اهتمامنا دون أنانية. قد لا تكون النتائج مادية أو آنيّة لكنّ التعويض سيكون كبيراً عندما يكون العطاء استثماراً وليس تضحية.
الاستياء: وهو من أهمّ الأسباب التي تخلق الحواجز بين الناس. إنه يبدأ عادة بأمور صغيرة، كأن يفعل شخص ما شيئاً يؤلمنا أو يؤذينا فنبادله بالمثل ويكون هذا حجر الأساس، وقد يتكرّر الأمر مرات عديدة فيرتفع الحاجز شيئاً فشيئاً، ويمنعنا من رؤية الآخر، وأسوأ ما في الأمر هو أن نحاول تبرير أخطائنا كأن نقول: "حسناً أنا لا أتّصف بالكمال، ربما أكون أخطأتُ ولكنّ خطأه كان أكبر"، وبالحقيقة فإنّ شعورنا بالاستياء يعني الخسارة دائماً، إنه يفصلنا عن الآخر ويهدم العلاقات فيما بيننا، والحلّ هو في المسامحة السريعة وهدم الحواجز والبداية من جديد.
لقد أوصانا الله في كلمته أن نُظهر المحبة نحو الآخرين بطريقة عمليّة، وألا نقع فريسة لغوايات إبليس الذي يحبّ المخاصمة، وتؤكّد لنا كلمة الله أن لا خوف في المحبة بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، فلماذا الخوف؟ وكلّ من جرّب عمل المحبة يشهد أنها تنتصر دائماً في النهاية ولا يمكن أن تفشل أبدًا