القديس الأنبا إشعياء الإسقيطي
لا نعرف كثيرًا عن حياته، لكن ما جاءنا عنه يكشف عن مدى سموّ حياته وقدراته الروحية والتعليمية حتى تسلم تدريب حياة الكثيرين من الرهبان في بدء حياتهم الرهبانية، وقد جاءت تعاليمه للرهبان المبتدئين حية ورائعة.
مع القديس أرسانيوس:
يبدو أنه كان مسئولاً عن حياة القديس أرسانيوس في بداية رهبنته، وإذ كان الأخير يأكل صنفين بقلاً وخلاً يكسر بهذا النظام الرهباني في عهده. وقد خجل أنبا إشعياء أن يحدثه في هذا الأمر، إذ يعلم حياته الأولى كمعلم لأولاد الملوك عاش في القصر مدللاً، لكنه إذ دخل تارة قلاية أحد الإخوة المجاورين للقديس أرسانيوس يدعى زينون، ووجده يبل الخبز الجاف في ماء به ملح ليأكله بسبب الحر الشديد، وجدها فرصة لا للتشهير بهذا الأخ وإنما لتعليم أرسانيوس. أخذ الأب إشعياء الوعاء الذي به الماء ووضعه أمام قلاية أنبا أرسانيوس وأمر فدقوا الجرس واجتمع الإخوة، عندئذ قال: "يا أخي، لقد تركت تنعمك وكل مالك وجئت إلى الإسقيط حبًا في الرب وخلاص نفسك، فكيف تريد الآن أن تتلذذ ذاتك بالأطعمة... إن كنت تريد أن تأكل مرقًا امضِ إلى مصر، لأنه لا يوجد في الإسقيط تنعم". وإذ سمع الأنبا أرسانيوس، قال لنفسه: "هذا الكلام موجه إليك يا أرساني".
"والعجيب أن ما فعله مع القديس أرسانيوس حدث معه شخصيًا في بداية رهبنته، إذ دخل عليه الأنبا أخيلاس في قلايته ووجده يأكل، وكان يبل الخبز الجاف أيضًا في إناء به ماء وملح، وإذ شعر بمجيء أنبا أخيلاس أخفى الإناء وراء "الحصيرة"... لكن الأنبا أخيلاس كشف الأمر، وإذ اعتذر أنبا إشعياء إنه كان يقطع سعف النخيل في الحر، وقد جفّ حلقه لذا كان يبل الخبز الجاف... فوبخه، قائلاً له: "أبا إشعياء يأكل مرقًا في الإسقيط، إن أردت أن تأكل مرقًا اذهب إلى مصر".
دروس في الجهاد:
قيل عنه أنه حمل وعاءً ومضى إلى البيدر ليقول لمالكه: "اعطني قمحًا"، فأجابه: "وهل حصدت يا أبتِ؟" قال: "لا"، فقال له صاحب البيدر: "كيف تريد إذن أن تحصد من حيث لم تزرع؟! "قال الأب: "إذن من لا يعمل لا يأخذ أجرة"... ثم تركه الشيخ ومضى.
إذ رأى الإخوة ذلك انحنوا أمامه، قائلين: "اخبرنا لماذا فعلت ذلك؟" أجاب الشيخ: "فعلت هذا مثالاً، من لا يعمل لا يتقبل من الله جزاء".
إرشاداته للمبتدئين:
ليس شيء ينفع المبتدئين مثل (احتمال) الإهانة، فالمبتديء الذي يحتمل الإهانة يكون شجرة ترتوي كل يوم.
كما أن الغصن الغضّ ينحني بسهولة، هكذا المبتدئون الذين يعيشون في الطاعة.
المبتديء الذي يتنقل من دير إلى دير يشبه حيوانًا يركض هنا وهناك بسبب ذبابة خيل.
قال أيضًا إنه إذ كان الإخوة مجتمعين يأكلون في الكنيسة (المبنى الملحق بها) وجبة محبة وكانوا يتكلمون فيما بينهم، انتقدهم كاهن البلسم (الفرما)، قائلاً: "اصمتوا يا إخوة، فقد رأيت أخًا يأكل معكم ويشرب مثلكم، وصلاته ترتفع إلى حضرة الله مثل النار.
الصلاة:
أحب الصلاة في كل حين ليضيء قلبك بأسرار الله.
لا تتوانى في صلوات السواعي (الأجبية)، لئلا تقع في أيدي أعدائك. اجهد نفسك في تلاوة المزامير، فإن ذلك يحفظك من خطية الدنس.
الجهاد:
إن كنت في شيء من تعب الرهبانية ورأيت الشياطين قد انهزموا منك وانغلبوا في القتال فلا تطمئن، بل كن على حذر منهم... واعلم أنهم يهيئون لك قتالاً أشر من الأول...
الصوم يذل الجسد، والسهر ينقي العقل، أما كثرة النوم ففيه خسارة العقل وجفاف العينين وغلاظة القلب.
حب التعب والمشقة في كل شيء لتخفف عنك أوجاعك.
الكسل يجلب علينا الأعداء، ابغض الكسل كيلا تحزن.
مصادقة العظماء:
إن مضيت إلى رؤساء (عظماء) العالم مريدًا مصادقتهم فليس فيك خوف الله. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ وأقوال الآباء).
إن شئت أن تكون معروفًا عند الله، فلا تُعرف الناس بنفسك، لأن المرتبط بأمور العالم إذا سمع الحق يرذل قائله.
العفة وحفظ الحواس:
احفظ قلبك وعينيك فلن يصيبك بأس جميع أيام حياتك.
إذا تحدث أناس بأفكار لم تبلغها ولم تُحارب بها فامتنع عن سماع كلامهم هذا، لئلا تجلب على نفسك ذلك القتال.
احذر من فتح فمك بالضحك، فإن الضحك يوضح عدم وجود خوف الله.
إياك أن تتمادى في ذكر خطاياك السابقة، والتلذذ بها، لئلا تنتابك الأتعاب، وإن قوتلت بزنا في أحلام الليل، فاحفظ فكرك من تذكرها بالنهار، ولا تذكر أيضًا تلك الأجساد التي أبصرتها أثناء نومك، لئلا تتدنس بلذتها وتجلب على نفسك حزنًا.
ليكن فكرك منشغلاً بالله، وهو يحفظك. ابغض كلام العالم ليفرح قلبك بالله.
التوبة:
إن قال لي إنسان: "إني أريد أن أتوب عن خطاياي"، وهو لا يزال يفعل شيئًا منها فهو كاذب.
إن أخطأت في أمر ما فلا تستح وتكذب، بل اسرع وقر بذنبك واستغفر، فيغفر لك.
طوبى لمن اهتم من أجل جراحاته لتُشفى، وعرف خطاياه، وطلب من أجلها الغفران.
المحبة:
لتكن محبًا للمؤمنين لتحل عليك رحمة الله. لتكن محبًا للقديسين لتغار بأعمالهم الصالحة.
لنكن محبين لجميع الناس لنخلص من الغيرة، لنكن متصالحين مع كل أحد لنخلص من الغيرة...
عدم الإدانة:
إذا أبصرت إنسانًا قد أخطأ فلا تحتقره ولا تزدري به، لئلا تقع في أيدي أعدائك...
إذا سمعت أخًا يدين آخر فلا تستح منه أو توافقه لئلا يغضب الله، بل قل بتواضع: "اغفر لي يا أخي فإني إنسان شقي، وهذه الأمور التي تذكرها أنا منغمس فيها ولست أحتمل ذكرها".
من لا يدين أحدًا فقد استحق الراحة، إذا انشغلت عن خطاياك وقعت في خطايا أخيك.
إن قلت أن فلانًا صالحًا وفلانًا شرير خربت نفسك.
"انظروا إلى نهاية سيرتهم؛ فتمثلوا بإيمانهم" (عب7:13)