يرمز المجوس إلى البحث الدائم عن الحقيقة، عبر كلّ رموز الطبيعة التي تقود إلى الله، وهل من حقيقة أكبر من حقيقة المسيح الذي هو " الطريق والحقّ والحياة" ( يو 14: 6 )؟
والمجوس، هم أصحاب المنطق، أصحاب العلم السلطان والجاه، ولم يكن شيء ينقصهم سوى الله الذي أتوا يبحثون عنه؛ ورغم كلّ الغنى المحيط بهم، كانوا يشعرون بأنّهم فقراء. لكنّ الله لا يترك خائفيه، بل يكلّمهم كلاّ على طريقته: فخاطب الرعاة بالملائكة، والمجوس بالنجوم التي كانوا يراقبونها.
وبالرغم من سعة علمهم ومعرفتهم كانوا يفتّشون عن الله. وتركوا بلادهم والجاه الذي كانوا فيه من أجله، وتبعوا النجم ليدلّهم أين هو المسيح. وتحدّوا هيرودس: " أين المولود ملك اليهود؟ فإنا قد رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجد له" ( متى2:2). وركعوا أمام الحقيقة حيث وجدوها، فهم إذن شهودٌ، حتى لو كلّفهم ذلك حياتهم. فرجعوا من طريق أخرى إلى بلادهم ( متى 2: 12 )، وبشّروا بالله.
فهم يرمزون إذن، إلى الآتين من البعيد من العالم الوثنيّ ليفتّشوا عن النجم الموجود عندنا: أي عن الحقيقة. وهم الأمم الذين يأتون من المشارق والمغارب ليجلسوا في أحضان إبراهيم، في حين يُطرح بنو الملكوت خارجاً ( متى 8: 11 )؛ وأصبحوا أيضاً بإيمانهم، أبناءً لإبراهيم بحسب الجسد.
إنهم يرمزون إلى المتخلّين عن كلّ شيء من أجل الحصول على الله. وبالرغم من أنّهم كانوا مرتاحين في بيوتهم وبلادهم، فقد انطلقوا في المجهول، في رحلة تعرّضهم لشتّى أنواع التعب والمشاكل. فالبحث عن الربّ يكلّف جهداً وتعباً. لقد فضّلوا عار المسيح على غناهم وبحبوحتهم وجاههم، وركعوا أمام طفل المذود بدافع الإكرام والحبّ، غير مهتمّين للمظهر الذي تجسّد فيه الله. إذ لم يتجسّد كملك بل كطفل في مذود : إنّهم كانوا يفتّشون عن الجوهر.
فحيث يكون الفرح إذن، هناك تكون المغارة. وحيث تكون العذراء والتواضع، هناك يكون الميلاد. وحيث يكون ميلادٌ، توجد طاعة الله. وحيث تكون طاعة الله، هناك عيونٌ شاخصة نحو السماء. وحيث هناك عيون شاخصة نحو السماء، هناك أناس يفتّشون ن الحقيقة، وينسون الأرض ليرتفعوا نحو الله.
فارتفعوا إذن، إلى حيث المسيح، الذي قبل أن يجلس عن يمين الجلال في الأعالي، قَبِل أن يولد في مذود، ليدخل منه إلى قلب كلّ إنسان.