الاضطرابات السلوكية والنفسية عند الطفل
:
هل يتصور أحد أن طفلا دون العاشرة ينتحر بسبب اكتئابه ؟ أو طفلا يصاب بالأرق فلا يغمض له جفن وتعذبه الهواجس والمخاوف أو تداهمه الأحلام المرعبة فيستيقظ فزعا مضطربا صارخا . أو طفلا يفقد تماما شهيته للطعام وينحل جسده ؟.
لا أحد يتصور أن الطفل يصاب بأحد الأمراض النفسية المعروفة . كالقلق والاكتئاب والوساوس والمخاوف أو بأحد الأمراض العقلية المعروفة كالفصام . لكن هذا يحدث ، ويعرفه جيدا طب نفس الأطفال .
مشكلة الطفل أنه لا يستطيع أن يعبر عن مكنونات نفسه ، وأحيانا تكون هذه هي مشكلة الكبار . الطفل لا يستطيع أن يقول أنا مكتئب .. أنا حزين ، أو أنا أريد التخلص من حياتي . كما أن الطفل لا يستطيع أن يوضح أو أن يفصح عن مشاعر القلق ، ولا يستطيع أن يصف ألمه النفسي . ولهذا فمعاناته النفسية تأخذ أشكالا أخرى في التعبير فقد يضطرب نومه أو طعامه ، وقد يصاب بالتبول أو التبرز اللاإرادي أو قد يتلعثم في الكلام ، أو تنتابه حركات لا إرادية في جسمه . لا يستطيع التحكم فيها . وقد يضطرب سلوك الطفل اضطرابا خطيرا فيكذب أو يسرق أو يهرب من المدرسة أو يهرب من البيت ويصبح عدوانيا .
الصداقة بداية العلاج
هذه الأعراض التي قد تظهر على الطفل تعني أن هذا الطفل غير سعيد . أنه بائس ، وأنه يحتاج إلى مساعدة متخصصة .
وفحص الطفل نفسيا أمر صعب ، ولهذا فقد نكتفي بملاحظته . وبالحديث معه بشكل عام . بسؤال والديه وإخوته ومدرسية . وبداية العلاج قد يكون لها قيمة فاعلية كبيرة إذا استطاع الطبيب أن ينشئ صداقة مع الطفل ليحبه وليثق به . ومعظم الأطفال يتجاوبون عاطفيا مع الطبيب إذا أعطاهم وقتا وكان صبورا ودودا . وإذا كان الطب النفسي يلعب دورا في علاج الأطفال فإن الدور الأساسي في التوجيه والعلاج إنما يكون للأسرة الأب والأم .
ويجب أن نتوجه للطبيب النفسي فورا إذا كان الطفل يتدهور أو يعاني بشدة ، التأجيل والتسويف أو التجاهل والإنكار تؤدي جميعا إلى تدهور حالة الطفل وحرمانه من الفرص الطبيعية لكي يهتم بدراسته ويسعد بطفولته .
المعاناة النفسية لدي الطفل تعوقه عن النمو الطبيعى والتفاعل الطبيعي ، وأول مأساة نواجهها مع هذا الطفل هي أنه يحس بالوحدة الشديدة ، فبقية الأطفال هجروه وانطلقوا لألعابهم وأفراحهم فهو يشعر بأنه طفل منبوذ ، وتكون الطامة الكبرى وأصل كل معاناة إنسانية حين يهمله والداه أو يقسوان عليه بسبب إهماله أو بسبب الأعراض التي أصابته . ولا شك أنه من الصعب على الأسرة أحيانا أن تدرك أن طفلها يعاني نفسيا أو أن لديه مرضا نفسيا ، ولهذا يظل الطفل يعاني مدة طويلة ، وتسوء حالته حتى تصبح أعراضه واضحة ولا يمكن السكوت عليها . وأكثر الأعراض التي تزعج الأسرة وتأتي بطفلها فورا للعيادة النفسية هي الأعراض المرتبطة باضطراب السلوك مثل السرقة والهروب من المدرسة أو حين يتعثر الطفل دراسيا .
أسباب المعاناة
وأعراض الاضطراب التي تظهر على الطفل هي صرخة لكي نتقدم وننقذه . والطفل عالمه محدود . أسرته . مدرسته . أصدقاؤه الذين يلعبون معه .. إذن فعلينا أن نبحث عن أسباب معاناة الطفل في حدود هذا الإطار .
بعض الأطفال يتعرضون لمعاملة قاسية جدا إلى حد العنف أي استعماله القوة للعقاب الجسدي والإهانة والتأنيب والتوبيخ . يضرب الطفل ضربا مؤلما ، ويشتم الطفل شتيمة جارحة ، وبذلك يتوقف نمو ثقته ، ويملؤه الخوف والتردد والخجل .
الطفل حساس جدا للخلافات العائلية ولا بد أنه سيأخذ جانبا ، أي سيأتي في صف الأب أو صف الأم . وتصاب نفس الطفل بأذي حينما يري أباه وهو يشتم أمه ويضربها .
الطفل يغار مثل الكبار ، تحرقه آلام الغيرة ، وأكبر مصيبة تهدد الطفل مجيء وليد جديد ، إنها صدمة ينهار بعدها كثيرة من الأطفال ، والطفل يتاضيق إلى حد الحزن حين يرى طفلا آخر وقد حظي بإمكانات أعلى من إمكانات ، أي يمتلك أشياء لا يمتلكها أحد سواه .
شخصية الأم والأب
الأب الذي يعود آخر الليل مخمورا ويزعج أفراد الأسرة النائمين .
حين يفقد الطفل احترامه لأبيه عندما يكتشف أن أباه يكذب أو أن أباه رجل غير شريف .
الأم المسيطرة التي تلغي تماما شخصية الأب في البيت .
الأب الذي يمحو تماما شخصية الأم ويلغي دورها وأهميتها .
الصراع بين الأب والأم للسيطرة على الطفل ، ولذا فكل منهما يناقض أوامر الآخر أو توجيهات الآخر للطفل . ويقع الطفل في مفترق صعب ، ويحتار ، ويعجز عن الاختيار ، وهذا يعرضه لأصعب الأمراض العقلية .
إهمال الطفل وتركه للشغالة أو المربية .
انشغال الأم الزائد باهتماماتها الخاصة والتي عادة ما تكون خارج البيت .
هجرة الأب داخليا أو خارجيا وافتقاد الطفل له كمثل أعلى وكقدوة وحصانة وكمعلم ومرب .
التخويف من أشياء وهمية ، كالعفاريت والحيوانات المفترسة من خلال الحكايات البالية الضارة .
الكراهية بين الأب والأم المعلنة أو الخفية التي يشمل هواؤها السام كل أفراد الأسرة .
عدم وجود حوار بين أفراد الأسرة .
عدم وجود خطة واعية ذكية لتنمية شخصية الطفل وتنمية قدراته العقلية .
إدمان أحد الوالدين ( عادة الأب ) للمخدرات .
انغماس أحد الوالدين ( عادة الأب ) في ملذاته مضحيا بكرامة وسمعة أسرته .
وجود عاهة عند الطفل تعرضه لسخرية بقية الأطفال ، كشلل الأطفال أو ضعف السمع أو ضعف البصر أو أي تشويه في جسده .
تواضع قدرات الطفل الذكائية مقارنة بزملائه في الفصل ، مما يجعله يشعر بالنقص والخجل وخاصة إذا تعرض لضغط زائد من مدرسة .
وكذلك وجود اختلافات واضحة شكلية وعقلية بين الطفل وإخوته وأخواته ، وخاصة إذا كان تميز أخيه أو أخته عليه موضع إعجاب الأسرة ومحور حديثهم الدائم .
سوء المعاملة والإساءة
سوء معاملة المدرس أو المدرسة وإحساس الطفل أنه مضطهد في المدرسة .
سوء أخلاق المدرس أو المدرسة حيث يصبحان نموذجا سيئا ( المدرس الذي يدخن أو يكذب ، والمدرسة التي تضغط على التلميذ من أجل الدروس الخصوصية ) الإساءة للطفل في المدرسة وتوجيه ألفاظ نابية أو مهينة لكرامته وتجريحه أو السخرية منه لعيب في شكله أو في قدرته .
إرهاق الطفل بالواجبات الدراسية فوق قدرته ، وعدم السماح له بالتوقيت الكافي للعب والمرح .
أصدقاء السوء من الأطفال الآخرين مما يكسب الطفل عادات وسلوكيات سيئة أخطرها التدخين أو المخدرات أو الهروب من المدرسة أو الهروب من البيت .
البخل الشديد والتقتير على الأبناء وحرمانهم من الأشياء التي يحبونها ، مع توافر الإمكانات المناسبة للأسرة التي تسمح بحياة طيبة وسهلة .
الإغداق الزائد وتلبية كل طلبات الطفل والمصروف الكبير الذي لا يتلاءم مع عمر الطفل ، وما يصاحب ذلك من تدليل زائد يفقد الأسرة بعد ذلك القدرة على توجيه الطفل وتربيته .
تربية الطفل بعيدا عن أمه وخاصة في السنوات الأولى .
تعرض الطفل للإصابات المتكررة وخاصة في رأسه ، وسوء التغذية وأي حميات قد تصل إلى المخ وتؤثر عليه . كثير من اضطرابات الطفل السلوكية سببها إصابة عضوية في المخ وخاصة إذا تعرض لها الطفل في السنوات الأولى . وفي هذه الحالة يصبح فحص الطفل عضويا فحصا دقيقا وإجراء رسم للمخ واختبارات الذكاء والقدرات ضروريا لتحديد مدي إصابة المخ ومسئوليته عن الأعراض النفسية والسلوكية . تعرض الأم لبعض أنواع الحميات في أثناء الحمل أو تناولها عقاقير ضارة بالجنين في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل ، أو التدخين في أثناء الحمل . كل ذلك يؤثر على قدرات الجنين العقلية . ألأم غير السعيدة في أثناء فترة الحمل