الشباب والدين
سفر الجامعة 12
قد يخال البعض أن الشباب والدين لا يتفقان. فهم يظنون أن أيام الشباب وهي أيام الانطلاق والتحرر والنمو والاكتشاف تصطدم بالدين وبأوامره الكثيرة وبنواهيه المتعدّدة فيتعرقل سير الشباب في الحياة. ولكن هذه فلسفة خاطئة لا تستند على أي واقع وهي المسؤولة عن دفع العديدين من الشبان والشابات إلى الانحراف عن الطريق المستقيم والسير في درب الهلاك والدمار!
وفي الفصل الأخير من سِفر الجامعة - ذلك السفر الذي كتبه سليمان الحكيم بوحي الله – يبدأ الكاتب بالقول:
"فاذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشر.."
لماذا يأتي الله إليك في شبابك ويواجهك بمطاليبه؟ لماذا يأمرك الله بأن تذكره في أيام شبابك؟ أمن المعقول أن يُطلب من شاب في مستهل حياته بأن يصبح متديناً ومتعبّداً لله؟ نعم، إن مطلب الله لهو الأمر الوحيد المعقول وكل رأي بشري مخالف له هو ضار بمستقبل الشباب. أليس من الأصعب أن تُجابه بهذا الأمر قرب نهاية حياتك على الأرض؟! هل تعدُّ ذلك أمراً طبيعياً إن جاء إليك خالقك في أواخر حياتك قائلاً: اذكر الآن خالقك في أيام شيخوختك؟ ألا تقر أيها الشاب بأن الأمر الطبيعي هو بالأحرى أن تسمع صوت الله خالقك وهو يقول لك بواسطة كتابه المقدس: اذكر خالقك في أيام شبابك؟ نحن لا نقول أنه من المستحيل للإنسان بأن يعود إلى خالقه في الشيخوخة إلا إن ذلك الأمر لا يشكل القاعدة المنصوص عليها في الكتاب بل الشواذ. فنحن كلّما تقّدمنا في سنينا أصبح التغيير أمراً أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً. ما أكثر الذين تقدّموا في سنيهم وهم يخالون أن جميع أمور الحياة معروفة لديهم بينما يكونون على الغالب قد نسوا أو تناسوا الله الخالق تمجّد اسمه! فاذكر إذاً خالقك الآن في أيام شبابك عندما يكون القيام بذلك أمراً سهلاً نسبياً.
وعلينا أن نلاحظ أن عهد الشباب هو عهدٌ خطرٌ للغاية إذ أنه في هذه الفترة من الحياة يسهل نسيان الخالق بشكل غريب. وأكثر الذين نسوا الله وابتعدوا عنه تعالى إنما ارتكبوا هذه الخطية الفادحة في مقتبل عمرهم. والشيطان يعلم ذلك علم اليقين وهو يأتي إلى الشبان والشابات بمختلف التجارب القوية والمغرية ليسقطهم فيها. إنه أخصائي في موضوع إيقاع الشبان في حبائله الملتوية. وعدو الإنسان يُظهر طريق الدمار والهلاك بأحسن مظهر ويطليه بأزهى الألوان ويمهده بالمغريات الشديدة وغايته الوحيدة هي هي لا تتغير: إسقاط الشبان والشابات في خطية نسيان الله.
يود إبعاد جميع الناس عن شريعة الله كالقانون الوحيد للحياة. وأما الذين يسقطون في حبائل الشيطان الرجيم فإنهم لا يرون خطورة حالتهم إلا عندما يصلون إلى نهاية الطريق وإذ يعلمون أنهم كانوا قد خُدعوا منذ البداية. أفليس من المستحسن إذاً أن نقبل تعاليم سليمان الحكيم ونذكر خالقنا في أيام شبابنا قبل أن نكون قد بذّرنا أيامنا في عبودية الشيطان؟! أيها الشبان والشابات اهربوا من إبليس ولا تسمحوا له بأن يُدّمر صرح حياتكم ومستقبلكم!
اليوم هو الوقت المناسب المقبول لتقرير المصير! عليكم الآن أن تختاروا أحد الطريقين: طريق الله الذي يؤدي إلى النعيم والحياة الأبدية أو طريق الشيطان الذي ينتهي في الجحيم والموت الأبدي. ما أكثر الذين يُحبون التوقف على مفترق الطرق وعدم السير في الطريق المؤدي إلى الحياة! لكنه يجدر بنا جميعاً أن نتذكر أننا لا نقدر أن نتوقف طويلاً في موقف عدم الاختيار إذ لا بد لنا إنْ عاجلاً أو آجلاً أنْ نسير بصورة مستديمة في أحد الطريقين طريق الله أو طريق إبليس. إن أيام الشباب تمر بسرعة كبيرة جداً وكل من يسلك في الطريق الذي يعبّده له الشيطان سيجد من الصعب جداً أن يتراجع عليه. وأما الذي يسلك طريق الله ويذكره منذ أيام شبابه فإنه لن ينساه مطلقاً وأما الذي ينسى خالقه في شبابه فمن النادر أن يذكره في أيام شيخوخته!