رَفْض الزواج
أكثر من مليوني فتاة ومليون شاب في مصر فوق سن الثلاثين لم يتزوجوا بعد. هذا الرقم يدعونا للتساؤل: لماذا أحجمَ كلّ هؤلاء عن الزواج؟ هل تطوَّر مفهوم الزواج ولم يعد ضرورة في الحياة؟ أم هو قناعة خاصة جداً لكلّ شخص، أم هو رفاهية لم تعد تناسب الجميع. وهل الإحجام عن الزواج ظاهرة صحيّة أم مَرَضيّة؟ وهل لها آثار سلبيّة على المدى البعيد؟. عندما توجَّهنا بهذه الأسئلة لبعض الفتيات والشباب لنتعرَّف على سِرّ إضرابهم عن الزواج، أَرجعَ البعض ذلك بسب خوفهم من الزواج ومسئولياته والبعض الآخر لبخله وحرصه على نقوده من الضَّياع في شراء شقّة وتجهيزها، والبعض الآخر منهنَّ خوفاً من المعامَلة السيّئة بعد الزواج لعقدة من الرجال من جرَّاء معاملة الأب للأم. واختلفت الأسباب، لكن ترى هل هناك آثار نفسيّة لتأخُّر سنّ الزواج. يجيب عن هذا السؤال الدكتور/ محمد شعلان أستاذ الأمراض النفسية والعصبية فيقول: رَفْض الزواج سواءً من جانب الإناث أو من جانب الرجال قد يُعتَبَر ظاهرة صحيّة و مرضيّة في آنٍ معاً، فَرَفْض الزواج يُعتَبَر صحيّاً إذا كان برغبةِ وإرادةِ الشاب أو الفتاة، أما في حالة رَفْض الزواج بسبب ظروف قهريّة كأن تكون اقتصادية مثلاً، فهنا لا يكون عدم الزواج بإرادة الشخص نفسه، وبالتالي يُعتَبَر حالة مرضيّة تؤدي إلى إحساس الشخص الذي لم يتزوج بعد بأنّه مرفوض وغير مرغوب به. وعن رؤية علم الاجتماع لارتفاع سنّ الزواج عند الشباب يقول د. ثروت اسحق أستاذ علم الاجتماع: إنّ ارتفاع سنّ الزواج وزيادة نسبة العنوسة لدى الفتيات والشبّان يرجع لعدة أسباب، منها المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها معظم دول العالم، كما توجد عوامل مرتبطة بالطموح الشخصي وتحقيق المكانة الاجتماعية، والخوف من مسؤوليات الزواج والمسؤوليات الوالدية، وكل هذا يؤخِّر سنّ الزواج.
· ما هي الآثار السلبيّة والإيجابيّة لتأخُّر سنّ الزواج؟
بالنسبة للآثار الإيجابيّة، نجد أن الفتى أو الفتاة يصبحان أكثر نضجاً وأكثر قدرةً على الاختيار السليم، لأن في العشرينات من العمر تتغلَّب العواطف المتعلِّقة بالشكل والجسم، أما في الثلاثينيات فيتغلَّب العقل. أما بالنسبة للآثار السلبية فنجد أنّها عند الذكور تختلف عنها عند الإناث، فالشاب الذي لا يستطيع تكوين أُسرة حتى سنّ الثلاثين وما بعده، قد يلجأ لطُرُق مختلفة تُعوِّضه عن النّقص الذي يشعر به، مثل إنضمامه "لشِلَّة أصدقاء" يتمكَّن من خلالها تحقيق أمور سلبيّة كمُعاكَسة الفتيات أو التحرُّش الجنسي بهنّ، وهذا تراه كثيراً في شِلَل الحارات في المجتمعات الشعبية. وأحياناً يؤدّي الأمر إلى اغتصاب الإناث أو إلى الاتجاه إلى الإدمان بسبب الشّعور بالنّقص والعجز عن تكوين أُسرة والاستقرار الجنسي في إطاره. أما الآثار السلبيّة لارتفاع سنّ الزواج عند الفتيات فعديدة، منها ظاهرة مُعاكَسة الفتيات للشباب حتى من خلال التليفونات، وهذا شكل من أشكال التحرُّش الجنسي اللفظي، أيضاً هناك فتاة تؤدّي بها العنوسة والشعور بأنها غير مرغوبة إلى مصادقة الشباب والخروج معهم لاستنزافهم مادياً، وأحياناً تصل الفتاة إلى اشتباكات عاطفيّة مع الشباب.
· إذا كانت الآثار السلبيّة لارتفاع سنّ الزواج بكلّ هذا السوء، فما هي الحلول الاجتماعية المقتَرَحة للحدّ من مشكلات العنوسة؟
الحلّ يَكمُنُ في ضرورة رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي ورفع نسبة الدّخل، وتشجيع الشباب على الإقدام على المشروعات الصغيرة الناجحة التي تُدِرُّ لهم دَخلاً مناسباً. كما يجب أيضاً على الهيئات الاجتماعية والنقابات المهنيّة والأندية أن يكون لها دور بإقامة حفلات ومعارض، وخَلق أنشطة اجتماعية للتعارف بين الشباب والفتيات، حتى لا يستسلموا لليأس لأنهم وصلوا لسنّ متأخِّرة دون أن يجدوا الطرف الآخر المناسب، مع التشجيع على التمسُّك بالقِيَم الأخلاقية والروحية، كالعَفاف وضبط النفس والهروب من الشَهَوات الشبابيّة. كما يَكمُنُ الحلّ في التّوجيه الاجتماعي للمجتمع ككلّ بضرورة التعاون والتكاتُف مع الفتاة أو الشاب المُقبِل على الزواج، وأن لا يكتفوا بالأُمنيات السعيدة لمن يفكِّر بالزواج، بل بأن يشِّجعوه بمساعدات مالية وعمليّة تعينه ليبدأ حياته، مع عدم التقيُّد بالمظاهر التي تُرهِق الشاب فيما يتعلق بالمَهْر وتأثيث منزل الزوجية وشكل الاحتفال بالزواج وغيرها من الأمور. فالبساطة مطلوبة والتعاون ضرورة حتميَّة.