هل نبقى في الظلامبعد انت اتى الرب الينا بنفسه
هناك أسباب كثيرة يتفنّن علماء اللاهوت في طرحها، ويُؤكدون بأن المحور الرئيسي الذي جعل الله يترك السماء وينزل الى الأرض بشخص إبنه الحبيب يسوع المسيح، هو من أجل خلاص البشر الذين وصلت خطاياهم الى الحد الغير مسموح بهِ، وكذلك من أجل انقاذ خليقتهِ من الهلاك وتحريرها من أمراضها، ومن ثم قيادة أولئك البشر لتشكيل كنيسة واحدة جامعة وليس عدة كنائس كما سنرى ذلك.
قبل الخوض في تفاصيل وأسباب نزول الله الى الأرض علينا أن نسأل أنفسنا الأسئلة التالية:
1- هل نحن أحرار من الخطيئة ونعبد ابن الله المتجسد فعلاً وحقيقةً، أم نحن خدَمْ للخطيئة؟ فإذا نؤمن بالتجسد والصليب، علينا قطع كل علاقة مع الأعمال التي تقودنا الى الأسباب التي جعلت الله ينزل الى الأرض ويُصحّح مسيرتنا. فهل نحن مؤمنون في الأقوال والأفعال؟
2- الولادة الثانية تُحتّم علينا الأختيار بين الرب وغيره. فأيهُما نختار؟ فإذا نختار الرب علينا تطبيق إرشاداته وتعاليمه حرفياً بدون لف ودوران أو بحسب مقتضيات الحاجة، فماذا نعمل لتحقيق ذلك؟ وإذا كان الرب سيدنا ومُخلّصنا، فلماذا نتغنى بأمور زائلة مسحها الرب بدمهِ على الصليب؟
يُمكن تلخيص أسباب تجسّد الله بالنقاط التالية:
1- بعد أن إبتعد الأنسان كثيراً عن الله في كثرة خطاياه وأعماله السيئة في كسر القوانين السماوية، قرر تصحيح العلاقة والتدخل من أجل إعادة الأنسان اليه حتى ينقذه من الضياع النهائي والظلام. أنواع الخطايا معروفة وكثيرة، منها مثلاً: عدم التكلم بصراحة والوقوف مع المُقصّر بالضد من الحق، أن عدم التكلم بصدق وعدم انتقاد الخاطئ يُعتبر خطيئة يرتكبها المؤمن الصحيح. وكلّ شخص لا يُفرّق بين الباطل والحق فإنه يخطأ لأن تصرفه يُشجّع الخاطئ في الأبتعاد عن الله والمحبة ويقود الى الفوضى وتزايد الأنتكاسات. يقول الرسول بولس أن ثمرة الخطيئة هي الموت أي الهلاك. كل شعب يجني ثمار أعمالهِ إن كانت للبر أو للخراب. فهل يسمح الله بهلاك ما خلقه؟ الجواب كلا، وواضح ذلك من الأنجيل كما في متى 18 : 11 " فأبن الأنسان جاء ليُخلّص الهالكين". نحن الآن مُرضى بسبب أخطائنا وتصرفاتنا ونحتاج الى العون حتى لا نغرق في بحر الظلمات. أن الله أرسل ابنه ولم يرسل ملاك أو نبي للتباحث والتساوم مع البشر وإنما ليظهر الأبن شخصية الله نفسهُ غير المرئية لقيادة الشعب، حيث كما كان الآب قبل الخلق هكذا كان الأبن قبل الخلق وبهِما تم تطهير مسار البشرية نحو الأستقامة والأصلاح بقوّة الروح القدس.
2- يقول الأنجيلي مرقس في 10 : 45 بأن "أبن الأنسان جاء لا ليخدمهُ الناس، بل ليخدِمهُم ويفدي بحياته كثيراً منهم". علينا أن نؤمن بأن الله قدّم إبنه فداءً لكي نتحرر من عبودية الخطيئة وطريقة الفداء هي مثل الضريبة المادية التي يعطيها الآن البعض لتحرير الشخص من الخاطفين لأجل إطلاق سراحه من الأسر، وهي عندما نقارنها، فإنها تكون بنفس المعنى الذي جاء بهِ الرب ليطلق سراح الكثيرين، ولكن الفدية كانت أكبر، لا بالنقود وإنما بالدم والموت على الصليب. أعطى الرب نفسه ومات وقام ليجعلنا أحرار. مِما يؤسف له الآن بأن البعض من إخوتنا يرغبون في العودة الى ما قبل العمل الفدائي الذي تجسّد به الرب. أي أن البعض لا يزال أسيراً مُقيداً في التفكير فيما قبل المسيح وكأن الرب لم يأتِ! إنه من العجب أن يقوم البعض في تمجيد الأمبراطوريات والملوك الذين كانوا السبب الرئيسي في نشر الخطايا والرذيلة والتجديف والأغتصاب وأعمال الدعارة والقتل بالسيف لكل من كان يؤمن بالله ولا يسجد للصنم أو الملك أو الأمبراطور. لقد أصبحت آنذاك الغالبية من البشر أولاد الشيطان، وزيادة الخطيئة بكل تفاصيلها أدّت الى أن يتدخل الله من أجل الأنقاذ. فهل يتدخل الله الآن لأنقاذ البشرية ومنهم أبناء شعبنا لكي يتجاوزوا الأفكار الخاطئة والألتصاق بالرب المُنقذ فقط؟ هل نتعّظ لنترك الظلام أم لا؟ هل يرغب البعض أن نعود الى العبودية ونصبح من جديد أولاد الشياطين ولا نُفكّر بتحرير الشعب من الأفكار الجاهلية؟
3- بالتجسد، تم وضع الحجرالأول لبناء الكنيسة وذلك عندما قال الى القديس بطرس أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وبعدها أعطى بطرس كل السلطات ليأمر وينهي ويُحلّل ويُحرّم وفي نفس الوقت يدعو الجميع الى الوحدة والرأي الواحد والتماسك بكنيسة واحدة لا بعدّة كنائس، ومن هذا نستطيع القول بأن التوجيهات تشمل كل الشعب بمختلف طوائفه، فلو كان ايماننا صائباً وغير مُشوّشاً عندها يقول البطريرك الأول الى الثاني أنا أتنازل وأقر بعمل الوحدة ولا بديل عن الوحدة لأن الرب الذي جاء الى التغيير هو الذي يأمرنا بذلك. فهل نفهم الدرس؟ صليب الرب أصبح خطاً فاصلاً بين مَنْ هو مع الله ومَنْ هو ضدّه. هل لدينا الآن صخرة واحدة أم عدة صخور تتناطح بينها؟ ومَن هو السبب؟ لنفهم أن الله يُوجهنا بأن تكون لنا كنيسة واحدة مبنية على الصخرة التي وضعها وأسّسها هو وليس أكثر من ذلك.