الحكومة المصرية تواجه مهمة صعبة في اقناع البلاد باصلاحات صندوق النقد
رويترز 29/02/2012
ستحتاج الحكومة الانتقالية في مصر الى استجماع كل مهاراتها لاقناع البلاد بتطبيق اجراءات تقشف بعد عام من الاضطرابات السياسية والاقتصادية وفقا للتفاصيل التي تكشفت بشأن الاتفاق المزمع مع صندوق النقد الدولي.
وتريد مصر ابرام اتفاق مع صندوق النقد للحصول على 3.2 مليار دولار لتفادي أزمة تلوح نذرها في الافق. لكن الصندوق يريد من مصر في المقابل أن تخفض العجز في الميزانية.
وقال مسؤول مصري يتابع المحادثات عن كثب "يتضمن اتفاق صندوق النقد شروطا من المتوقع أن تنفذها مصر لتحصل على الاموال. أحد هذه الشروط خفض عجز الميزانية."
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لانه غير مخول بالحديث للاعلام "تلك الشروط لها تبعات سياسية" ولهذا قال مسؤولون في السابق ان شروط صندوق النقد تؤثر على سيادة مصر.
وطلب صندوق النقد من مصر اعداد خطة للاصلاح الاقتصادي تتضمن معايير وأهدافا واقناع القوى السياسية المصرية بها والحصول على تعهدات بمساعدات من مانحين اخرين.
وستأتي الاقتراحات المرتبطة بذلك من الحكومة المصرية غير المنتخبة في الوقت الذي تقود فيه البلاد خلال عملية كتابة الدستور الجديد واجراء الانتخابات الرئاسية قبل نهاية يونيو حزيران.
وأعلنت الحكومة هذا الشهر أنها وافقت على خطة تستغرق 18 شهرا هي نفس مدة برنامج صندوق النقد وأنها ستوقع اتفاقا في مارس اذار. لكن حتى الان لم تطرح الحكومة الخطة للنقاش العام كما وعدت وقال صندوق النقد بشكل مقتضب ان المحادثات لا تزال جارية.
ولم تنشر الا تفاصيل قليلة عن اجراءات التقشف التي تتضمنها الخطة لكن تقريرا نقل عن وزير المالية ممتاز السعيد في العاشر من فبراير شباط قوله ان الاجراءات تتضمن تغيير ضريبة المبيعات البالغة عشرة بالمئة الى ضريبة للقيمة المضافة وتوجيه دعم الطاقة الى الفئات الاشد احتياجا.
ولم يكن فرض ضرائب جديدة أو خفض الدعم الحكومي أمرا سهلا في يوم من الايام وقد حاولت الحكومة منذ فترة طويلة تطبيق اجراءات مماثلة لكنها لم تنجح. وفرضت ضريبة المبيعات في اطار برنامج سابق لصندوق النقد عام 1991 كخطوة أولى نحو ضريبة القيمة المضافة وحاول يوسف بطرس غالي وزير المالية انذاك انجاز التحول الى ضريبة القيمة المضافة على مدى أعوامه السبعة في المنصب.
وحاول بطرس غالي أيضا التصدي لدعم الطاقة الذي يلتهم حصة متزايدة من ميزانية الدولة مع نمو الاستهلاك.
وحاول في نهاية 2010 تطبيق نظام لترشيد الدعم لاسطوانات البوتاجاز (غاز البترول المسال) التي تستخدمها المنازل لاغراض الطهي. ويشكل دعم الطاقة ولاسيما الديزل وغاز البترول المسال والوقود الذي تستخدمه الصناعة نحو 20 بالمئة من الميزانية.
وكانت الشكوى من الظروف الاقتصادية أحد العوامل التي فجرت الثورة المصرية ولا تزال البلاد تشهد بشكل يومي اضرابات لعاملين يطالبون بزيادة الاجور وتحسين تعاقداتهم بعد مرور عام.
وقال رضا اغا الخبير الاقتصادي لدى رويال بنك اوف سكوتلند "كيف ستخفض الدعم في الوقت الذي يشكو فيه الناس من التضخم والبطالة وعدم المساواة.. ستكون هذه مسألة صعبة من الناحية السياسية."
وقد طالب صندوق النقد الدولي بأن يحظى أي اتفاق بتأييد سياسي واسع داخل مصر لاسيما من جماعة الاخوان المسلمين التي فازت بنحو نصف مقاعد البرلمان الجديد. وحتى الان يرفض الاخوان ابرام اتفاق الا كملاذ أخير لكن محللين يقولون ان الجماعة قد لا تجد خيارا سوى الموافقة.
ومن بين الاسئلة المهمة هل تمتلك مصر الموارد اللازمة لتجتاز الانتخابات الرئاسية قبل أن تحدث أزمة مالية.
وتنفق مصر ملياري دولار شهريا من احتياطياتها الاجنبية منذ أكتوبر تشرين الاول لدعم عملتها. وبلغت الاحتياطيات 16 مليار دولار أي أقل من نصف مستواها قبل الثورة. وتتضمن هذه الاحتياطيات سبائك ذهبية بقيمة أربعة مليارات دولار ستجد الحكومة حرجا شديدا في استخدامها.
وقال سعيد الهرش الخبير الاقتصادي لدى كابيتال ايكونوميكس "اذا استمروا بالوتيرة الحالية فستنفد كل احتياطياتهم تقريبا بحلول ذلك الوقت. وحينئذ سيكونون عند نقطة فارقة وهو ما يعني أننا قد نشهد انخفاضا غير محكوم في قيمة العملة."
وأضاف أن هذا سيرفع التضخم ويدفع الحكومة لرفع أسعار الفائدة لدعم العملة وسيخفض قيم الاصول ويرفع تكاليف الاقتراض في الاقتصاد الضعيف أصلا.
وحتى اذا توفر التأييد الداخلي للخطة فقد قال صندوق النقد انه يتعين على مصر أن تحصل على أموال من مقرضين أجانب لسد العجز الذي تقدره الحكومة بنحو 11 مليار دولار على مدى فترة البرنامج البالغة 18 شهرا وهو ما يعني أنها ستحتاج للحصول على نحو ثمانية مليارات دولار من مانحين غير صندوق النقد.
وطلبت مصر من البنك الدولي مليار دولار ومن الاتحاد الاوروبي 660 مليون دولار ومن البنك الافريقي للتنمية 500 مليون دولار ومن صندوق النقد العربي 500 مليون دولار أخرى.
ويبدو أن مصر تعول على مساعدة من الدول الخليجية للحصول على المبلغ الباقي لكن تقريرا نقل عن وزير المالية الاسبوع الماضي قوله ان مصير تلك المساعدة غير واضح. وكانت السعودية قد تعهدت العام الماضي بثلاثة مليارات دولار لدعم الميزانية.
وقال رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري ان دول الخليج تريد أن تبرم مصر اتفاقا مع صندوق النقد قبل أن تقرضها. ويقول محللون ان تلك الدول قد لا تشعر بالارتياح لارسال تلك الاموال حتى ترى طبيعة الحكومة التي تتشكل في يوليو تموز.
وعلى سبيل الاحتياط تدرس مصر وسائل أخرى لتمويل عجز الميزانية من بينها بيع شهادات ايداع وأراض للمصريين في الخارج واصدار صكوك اسلامية.
لكن محللين يقولون ان العديد من هذه الاجراءات غير متكرر ولا يخفض عجز الميزانية في الاجل الطويل.