1. مقدمة
الثالوث الأقدس هي العقيدة الأولى والأساسية في المسيحية. بحسب هذه العقيدة مع أن الله هو الإله الوحيد والواحد فهو ذو ثلاثة أقانيم (أشخاص) في جوهر واحد. لقد اتسمت قوانين الإيمان المسيحية لمختلف الكنائس عبر التاريخ بسمة ثالوثية. وقد عبرّت هذه القوانين عن ما كانت تؤمن به الكنيسة منذ عهد الرسل وما كانت تمارسه في ليتورجيتها خاصة في سري المعمودية والإفخارستيا.
2. الثالوث الأقدس في العهد الجديد
مع أن كلمة "ثالوث" غير متواجدة في الكتاب المقدس إلا أن وجود الأقانيم الإلهية وعلاقتها بعضها ببعض واضح تماماً من خلال نصوص العهد الجديد. فمنذ أولى أحداثه أي بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم نجد عمل الثالوث الأقدس واضحاً: "إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ الـمَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى" (لوقا 1/ 35). ومن ثم في عماد يسوع في نهر الأردن: "وبَينَما هو خارِجٌ مِنَ الماء رأَى السَّمَواتِ تَنشَقّ، والرُّوحَ يَنزِلُ علَيه كَأَنَّهُ حَمامةَ. وانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّمَواتِ يقول: «أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضيت»" (مرقس 1/ 10 ـ 11). وإذا ما قرأنا الإنجيل نلاحظ كيف أن يسوع ينطلق مبشراً بملكوت الله لأنه مرسل الآب وممسوح بالروح القدس. وفي أهم اللحظات أي على الصليب نجده يسلم الروح بين يدي الآب (لوقا 23/ 46). وتشير خاتمة إنجيل متى إلى رسالة الرسل ذات الطابع الثالوثي: "اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس" (متى 28/ 19).
هكذا يظهر من نصوص العهد الجديد بأن يسوع الناصري له علاقة خاصة وفريدة بالله، فقد عاش كل أيامه في محبة الآب وطاعته. كما أن قيامته من بين الأموات هي الدليل الذي أعطاه الآب عن قبولهِ لطاعة يسوع في موتهِ على الصليب ولهذا فقد رفعهُ وأعلنهُ رباً ومسيحاً (روما 1/ 3 ـ 4).
3. تطور عقيدة الثالوث في تاريخ المسيحية
ظهرت كلمة ثالوث نحو عام 180 م في الكتاب الدفاعي لثيوفيلوس الأنطاكي. بعد ذلك استُعمِلت هذه الكلمة من قِبل آباء الكنيسة، الذين أوضحوا معناها ودافعوا عنه ضد الهرطقات. نذكر منهم على سبيل المثال: أثناسيوس الإسكندري، باسيليوس القيصري وهيلاريوس أسقف بواتيه.
لقد كانت المجامع المسكونية بين القرنين الثاني والرابع الحَكَم في هذا الأمر، إذ أوضحت الإيمان القويم الذي تسلّمته الكنيسة من المسيح عن طريق الرسل، ونبذت الهرطقات الثالوثية التي كانت ترفض وجود الأقانيم الثلاثة أو مساواتها ومنها الصابليّة والآريوسية.