معرض ضخم للآثار المصرية القديمة في متحف جاكومار أندريه بباريس غروب الفراعنة من آخر ملوك سلالة رمسيس حتى كليوباترا

المستقبل - الثلاثاء 3 نيسان 2012 24

معرض ضخم للآثار المصرية القديمة في متحف جاكومار أندريه بباريس
غروب الفراعنة من آخر ملوك سلالة رمسيس حتى كليوباترا


إعداد وتقديم
يقظان التقي
هو
غروب الفراعنة منذ موت رمسيس الثاني الى أيام كليوباترا، آخر ملوك الأسرة
البلطمية في مصر، أو هو حضور الفراعنة بعد غروب شمسهم من جديد وتحت الأضواء
وفي المدينة الحديثة بكل عناصر جذبهم وحكاياتهم وأساطيرهم وثوراتهم
وسلالاتهم ومواهبهم في الهندسة والعمارة والموسيقى وصناعاتهم وملابسهم
ومعتقداتهم وأهراماتهم ورسومهم وأساطيرهم وألغازهم.
ملف شامل أعدته مجلة
"لوفيغارو" في إطار السلسلة أو خارج السلسلة وتخصصه للفراعنة وفي عدد خاص
من 114 صفحة بالصور والكلمات وفي ثلاثة فصول: "12 يوماً من حياة آخر
الفراعنة رمسيس"، "التحريات الشاملة والمعلومات والكرنولوجيا"، "أغاني
وأشعار الفراعنة". كنوز التاريخ الفرعوني يستعرضها الملف على هامش معرض ضخم
جداً يجمع 120 تحفة فنية مصرية من الألفية الأخيرة قبل عصرنا يحتضنها متحف
"جاكومار أندريه" في إظهار كل ذلك الفن التاريخي لمرحلة فقدت الكثير من
قوة حضورها في مرحلة انحسار سياسي لاحقاً.
120 عملاً عن مصر التاريخ
وملوك الفراعنة من رمسيس الثاني الى كليوباترا في عرض مؤثر جداً وبمعلومات
متدفقة من كل قطعة فنية تحتاج الى نفس طويل في المشاهدة التي يحتاجها
الأكاديمي والباحث ومصدراً معرفياً مهماً مرتبطاً بآخر فنون هذه الألفية
التي تبرز علاقة مصر بالفن وامتداداً الى تأويلات لها شغفها العالمي بمصر
وتاريخها مع رموز الحضارة المصرية القديمة، الى علاقة السياسة بالفن.
الملف
يسلّط الأضواء على كل التحف الفنية الموجودة في المعرض مع قصصها وهيئاتها
وككيانات بالغة الدلالة والأهمية من منظور تاريخي وفني وسياسي وديني عقائدي
قديم.
أخناتون والتوحيد
في الفصل الذي يتناول أخناتون وديانة
التوحيد تبرز شخصيات تاريخ مصر القديمة ومنهم أخناتون وزوجته نفرتيتي وابنه
توت عنخ آمون وقد استحوذ الثلاثي على خيال وفكر صنّاع التواريخ والفنون
والتأويل الديني الذي يشير الى ديانة واحدة وإله واحد، الى تلك المقاربات
الفنية الخيالية التي ما زالت مثاراً للدهشة في العالم، خصوصاً تلك الأقنعة
المصنوعة من الذهب والمرصعة بالمجوهرات.
عناصر كثيرة درامية لشدة جمالها وعناصر جذبها وإثارتها وحكاياتها ودعواتها في مكتبة أثرية عالمية وإنسانية كاملة.
وسواء
حتشبسوت أول فرعون مصري، أو كليوباترا، تحضر صورة المرأة المصرية كواحدة
أيضاً من كنوز التاريخ الإنساني الذي حكمته إمرأة في مصر القديمة.
"الاهتمام
بالكنوز المصرية يعكس الولع العالمي بهذا الجزء من التاريخ الإنساني ودور
الحضارة المصرية في إنارة هذا التاريخ بعمق الأثر الذي خلّفته الحضارة
المصرية القديمة على حضارات العالم وعلومه منذ فجر التاريخ ربطاً بين
الفراعنة والأنبياء الذين ظهروا قبل السيد المسيح ومنهم النبي إبراهيم الى
ربط الدين بالإيديولوجيا والأسطورة بين الواقع والخيال وبمضامين فنية
وسياسية معيّنة"، يقول ميشال دو جيفهير في مقدمته للعدد الخاص مع إشارته
الى تلك القدرة المستحيلة لتلك الشواهد التاريخية على المقاومة الثقافية
المتجذّرة في روح الشعب وكمفردات تعبيرية مهمة لتلك الاستمرارية السياسية
أو الهيمنة السياسية، الى ذلك السحر الخاص وما يشيعه الإحساس بعظمة الخلود
المتمثلة في الأهرامات والآثار المصرية القديمة والمومياء والشهرة
التاريخية لأسماء كثيرة في التاريخ الدرامي في الحياة والحكم والانتحار.
حضارة
المصريين القدامى أو حضارة وادي النيل امتدت على طول نهر النيل من 3000
سنة ق.م الى 30 سنة قبل الميلاد، أطول حضارة في العالم القديم ولها كل
مقومات الحضارة لها لغتها وعباداتها وعاداتها وتنظيمها لحياتها وإدارة شؤون
الحكم ومفهومها للحياة والموت والكون والاقتصاد والتجارة والكتابات والقصص
والأساطير الى الشعر والغناء والحكمة في الأهرامات الضخمة كالمعابد
والمقابر.
كل ذلك تظهره التماثيل والمخطوطات والرسومات والنقوشات والصور
الملوّنة ولا سيما الكتابة الهيروغليفية لكتابة تصويرية برموزها الكبيرة،
الى ما ابتدعوه في الحساب والهندسة والطب وعلم الفلك وإلى عبادتهم ودعوتهم
الى التوحيد الإلهي التي ظهرت على يد الملك أخناتون وهو أول من ابتدع عقيدة
الحياة الآخرة. وقد بنوا المقابر المزيّنة والمزخرفة وقاموا بتأثيثها
ليعيشوا فيها عيشة أبدية.
عصور الفرعونية
التحف المعروضة تتبع عصور
الدولة الفرعونية عصر الدولة الأول وقبله عصر الأسر. وكان عدد سكان مصر
قبله لا يتجاوز مئات الآلاف وأثناء عصر المملكة القديمة (2575 2134ق.م)
بلغ عدد سكان مصر 3 ملايين نسمة وفي العصر الهليني بلغ 7 ملايين نسمة
وبعدها دخلت مصر العصر الروماني وكانوا يجاورون النهر كمجتمع زراعي وكانت
"منف" و"طيبة" مركزين هامين عندما كانت كل منهما عاصمة.
بدأت الحضارة في
مصر منذ ما قبل التاريخ بنحو مئة ألف سنة وانتقلت من العصر الزراعي الى
عصر الملاحة البحرية والصناعات الحرفية وفي عصر الدولة الوسطى (2160
1580ق.م) اهتم ملوك الدولة الوسطى بالمشروعات الأكثر نفعاً للشعب كالزراعة
والصناعات اليدوية والهندسة في الأقصر والفيوم وعين شمس. كما ازدهر الفن
والأدب. وفي هذا العصر شهدت مصر غزو الهكسوس لها الى أن طردهم منها الملك
أحمس خارج حدود مصر الشرقية.
لقد حاز ملوك وملكات الأسرة الثانية عشرة
شهرة عالمية في ميادين السياسة والحرب والثقافة والحضارة والدين.. "أحمس"
بطل التحرير، "أمنحوتب الأول" أصدر قانوناً يمنع السخرة ويحقق العدالة
بالأجور، "تحتمس" الثاني غاية في الأناقة، "تحتمس الثالث" عسكري عبقري،
"تحتمس الرابع" الديبلوماسي الأول الذي اهتم بالمعاهدات الدولية والتدوين،
"أمنحوتب الثالث" أغنى ملك في العالم القديم وفتح المدارس للتعليم،
و"أخناتون" أول الموحدين وأول ملك في تاريخ الإنسانية نادى بالوحدانية،
و"توت غنخ آمون" حاز شهرة عالمية. ومن أشهر الملكات "نفرتاري" زوجة أحمس
الأول والملكة "تي" بنت الشعب زوجة أمنحوتب الثالث وأم أخناتون، والملكة
نفرتيتي زوجة أخناتون، والملكة حتشبسوت التي حكمت مصر قرابة عشرين عاماً.
وبلغت مصر في عهدها أعلى قمة في الحضارة والعمارة والتجارة الدولية ومن
منجزاتها معبد "الدير البحري" على الشاطئ الغربي للنيل في مواجهة الأقصر
وهو معبدٌ فريدٌ في تصميمه وليس له مثيل بين معابد العالم القديم كلها.
الشعر
تؤكد
الآثار المعروضة براعة المصريين في الكتابة والشعر ولن ينسى أحد فضل
المصريين على الإنسانية في اختراع الكتابة التي سماها الإغريق "الخط
الهيروغليفي" أو الأبجدية الهيروغليفية من 24 حرفاً، الى براعة المصريين
القدامى في تناولهم العقائد الدينية ونظرياتهم عن الحياة الأخرى وأسرار
الكون والأساطير والآلهة والصلوات والأناشيد كما في "نصوص الأهرامات"
و"كتاب الموتى" وقصص الأعياد والاحتفالات والتقاليد والتواريخ والأحداث.
كما أحب المصريون الموسيقى "آلة الهارب" واستخدموا العناصر الزخرفية بدقة
فنية عالية جداً وتشكيلية جميلة لعناصر الطبيعة من نبات البردى والنخيل
وزهر اللوتس والأحجار الكريمة وزينة الكحل والأساور والعقود والخواتم
والقلائد والحنّة. الى الأقمشة من الكتّان الناعم والأقمشة الحريرية
المستوردة من بلاد سوريا القديمة.
المعروضات يستدل منها على عقيدة
الفراعنة المصريين الرسمية والشعبية التي تذهب ما بين حدي التوحيد والشرك
والهوى وملكهم أمنحوتب الرابع (1375ق.م) اعتلى عرش حضارة موروثة منذ مئات
الأعوام مع بنية مجتمع مغلقة محافظة على تقاليدها الدينية، إلا أن أمنحوتب
الرابع لم يقبل هذا الدين الرسمي فقتل! كان إلهه العظيم "آتون" على شكل
شمس، نقله بعدها أخناتون بعيداً عن كهنة الآلهة الى منطقة العمارنة. كان
اسم آمون يمنح لأعظم وثن في العقيدة الشركية المصرية(...) حتى أخناتون قتل
مسموماً بأيدي الكهنة، وهكذا قيل أن المصريين يصنعون آلهتهم ثم يقتلونهم
تحت تأثير البقاء تحت حكم الكهنة.
رمسيس الثاني أتى الى الحكم واعتلى
عرش مصر في أطول فترة حكم شهدها تاريخ مصر، وهو الذي استعبد بني إسرائيل
وقاتل موسى (كما تقول الأسطورة). وفي عهده وجدت مخطوطات في الحساب والهندسة
والكسور والجمع والطب والجراحة والعلاج الصيدلاني وطب الأسنان، وكتب الأدب
والنصوص الدينية والدوائر الحجرية التي كانت تستخدم لمراقبة النجوم
وحركاتها واتخذت الآلهة أشكالاً بشرية أو حيوانية أو خليطاً منها. وكان
الفنانون المصريون يجسدون الصور الشخصية بملامحها التعبيرية متجاوزين جدران
الزمن والفراغ للتعبير عن الخلود وفكرة الحياة الأخرى، في النحت والرسم
والأبعاد الثنائية على جدران المعابد والمقابر وأكفان الموتى وورق البردى
وفي الرسومات الهيروغليفية.
وكان المصريون سادة فنون الأعمال الحجرية
والمعدنية وصنع الزجاج العادي والملون وقد استفاد الإغريق من قدماء
المصريين في هذه الأعمال واشتغلوا على عقيدة قدماء المصريين، على الشمس
ممثلة في عقيدة رع وحورس وآتون وحنبري. والقمر من عقيدة توت وخونسو والأرض
من عقيدة حيسيب، أي كل عناصر الطبيعة الأربعة، الماء والهواء والنار
والتراب.
الكثير من الغموض يحيط بألغاز تترك أثراً وآخر في مشاهدي
الحضارة المصرية والباحثين والهائمين بحكايات مرتبطة بالكهنة والفراعنة
والقدامى وبتلك النقوش من مثل تلك العبارة على ضريح توت غنخ آمون: "سيذبح
الموت بجناحيه كل من يحاول أن يبدد أمن وسلام مرقد الفراعنة"!
كيف وصلت
إلينا تلك المواد الأثرية بعد ثلاثة وخمسين قرناً سالمة كاملة؟ وكيف تروي
حكايات وحكايات من لعنة الفراعنة وتحديداً توت غنخ آمون لمن يزعج رقدته
المقدسة!؟ المفارقة أن مصر ومنذ 250 ألف سنة ق.ب وفي عصور ما قبل التاريخ
كانت موئلاً للإنسان البدائي الذي كان يصيد الحيوانات حيث كانت المنطقة في
أقصى الجنوب عند النوبة غنية بالحشائش وهي الآن شبه صحراء.
تاريخ يعكس
معالم من تاريخ مصر لثلاثين أسرة حتى دخول الإسكندر الأكبر مصر، وهو تاريخ
يحظى باهتمام كبير عالمي وبحاثة يعمدون الى اكتشاف ثغرات عن فترات حكم
العديد من حكام مصر منذ توحيد مصر عام 3200ق.م وحتى دخول الرومان مصر،
علماً أن المعرض يغطي مرحلة محددة بين حكم رمسيس وكليوباترا.

الشمس
عالم
ربط نفسه وحياته وعبادته وطقوسه بالشمس (رع) وقد تخيلوها على قارب وتسبح
في الفضاء، والشمس عندما تغيب في الأفق ويحل الظلام تنزل الى العالم
السفلي. الغرب من خلال إقامته المعارض يحاول الإحاطة بغروب الشمس تلك، غروب
الفراعنة واستكشاف أفق وآخر، قمر وآخر في وجوه تلك المرحلة، وتلك الحضارة
التي تقدس الأنثى، إمرأة منحنية كالسماء على الأرض (الرجل) تمشي على أطراف
أصابع يديها وقدميها.

كليوباترا
صورة كليوباترا السابعة معروضة
على عملة تروي قصة الملكة التي ألهمت الشعراء وكتّاب القصص والسيناريست في
العديد من الأفلام السينمائية ومسرحية (أنطونيو وكليوباترا) لوليم شكسبير
ومسرحية "كل شيء من أجل الحب" لجون ورايدن ومسرحية "قيصر وكليوباترا" لجورج
برنارد شو وشعر في انتحار كيلوباترا لأحمد شوقي، واحدة من آخر البطالمة في
مصر، متفوقة في الذكاء والطموح والحيوية بفم رقيق وعينين صافيتين.
كيلوباترا التي حكمت مصر عشرين عاماً (من 51 الى 30ق.م) إحدى البارزات من
التاريخ المصري القديم كما نفرتيتي. هي المرأة عنوان الجمال حد الانتحار.
أما
رمسيس الثاني، فهو ثالث فراعنة الأسرة التاسعة عشرة، حكم مصر لمدة 66
عاماً، ملك شبه أسطوري. واعتلى العرش العام 1279ق.م. أشهر زوجاته نفرتاري
ومن ضمن زوجاته الأخريات إيزيس. وبلغ عدد أبنائه نحو 90 إبنة وابناً ويقترن
اسمه بظهور النجم الذي يحدد قدوم فيضان نهر النيل والرخاء والبهحة وبنى
العديد من المعابد والقصور والمسلات والتماثيل أكثر من أي حاكم سبقه.
إنه
ملك ملوك الأسرة البلطمية في مصر، يبرز قوة ومجد لكل الأسرة من رمسيس الى
كليوباترا التي اهتمت بتطوير مملكتها في مواجهة قوة روما المتزايدة.
وبنهاية حكمها انتهى عصر البطالمة من مصر. واسمها يوناني الأصل يعني الآلهة
المحبة لأبيها واسمها هذا حملته قبلها ست أميرات من البطالمة في مصر، إلا
أن إحداهن لم يكتب لها ما كتب لكليوباترا السابعة من شهرة ومجد.
تحية
للفنان الذي رسم ونحت 870 831 ق.م فن الثيولوجيا في مقاومة كل التحديات،
الفنان الذي أعطى مصر شيئاً كبيراً وهائلاً من قوتها وكان جزءاً من ثورة
ملوكها في الدلتا وجزءاً من مشاريعها الإصلاحية والعمرانية. ثم تحية للفكر
الشرقي (570 526ق.م) مع أماسيس على رأس تلك الحرب الحضارية بين اليونان
والمصريين. والحرب المصرية الفارسية (525 522) وذلك الموت الكلي على ضفاف
النيل (360 341ق.م) حيث وجد المصريون منذ العام 404ق.م حريتهم مع الفرعون
نيكتاينيو الثاني ومع الملك بتوليمبية الثاني الذي أصبح ملكاً على الأرضين
وعلى الثقافتين المصرية واليونانية (282 246ق.م). إنها رؤية فنية قبل أن
تكون سياسية وتاريخية في ملف مثير عن مصر غير التقليدية وغير الجامدة كما
يشير المؤرخ أوليفييه بيردو فيما يشبه الاستعادة لألفية كاملة من الإنتاج
الفني ومعاينة لهويات منتجة بإبداعية هائلة في تلك المرحلة والتحف الفنية
كمثل العصر الذهبي المصري الذي بقي على مدار السنين عنصراً مقاوماً إزاء
وجه الانحسار السياسي لدور مصر التاريخي والشواهد الملكية تبدو في عصرنا
اليوم مثالية أكثر منها واقعية لعظمة فنها وإبداعاتها.. هذه الصوفية الفنية
التي وراءها كانت سياسة حرة، حكمت مصر وتركت كل تلك الآثار الخالدة التي
ما تزال تصنع آلهتها الى الآن!
(عن "لوفيغارو")