على
الرغم من أن النساء يقمن بالرضاعة الطبيعية بشكل فطري منذ بداية الكون،
ومن آلاف الأبحاث التي تتناول فوائد الرضاعة الطبيعية، فإن الدراسات الطبية
عنها حول فائدتها للأم والطفل لن تنتهي.
ومن أحدث الدراسات دراسة حديثة نشرت في شهر أبريل (نيسان) الماضي،
أشارت إلى أنه كلما طالت فترة الرضاعة الطبيعية أكثر من 6 شهور بجانب تناول
أدوية مضادة لفيروس الإيدز، بجانب التغذية الجيدة يمكن أن يساهم في منع
انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل، وتزيد من فرص الطفل في النجاة. وإذا
توقفت الرضاعة قبل 6 شهور فإن احتمال الإصابة ومشكلات النمو، بل والوفاة،
تزيد.
وقد دفع تأكيد الكثير من الدراسات الحديثة على فوائد الرضاعة الطبيعية
للطفل والأم والمجتمع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال لتغير توصياتها
المتعلقة بالرضاعة الطبيعية السابقة بخصوص الفطام قبل 6 شهور، إذ أشارت إلى
أن الرضاعة الطبيعية المعتمدة على لبن الأم فقط يجب أن لا تقل بأي حال عن 6
شهور (إلا إذا كان هناك ضرورة طبية تمنع الأم من الرضاعة).
لبن الأم* ويحتوي لبن الأم على جميع الفيتامينات والمعادن والأملاح التي يحتاج
إليها الطفل، إضافة إلى فوائده في توفير المناعة والحماية من الأمراض للطفل
وللأم على حد سواء، ولهذا فإنه يتعدى كونه مجرد غذاء ضروري للنمو، كما
يكون الطفل أقل عرضة لحدوث التهابات الجهاز التنفسي والهضمي والتهابات
الأذن والالتهاب السحائي.
وأشارت دراسة كبيرة أجريت بواسطة المعهد الوطني للصحة البيئية بالولايات
المتحدة إلى أن الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية يكونون أقل عرضة نحو
20% من غيرهم للموت في الفترة من بلوغ الطفل 28 يوما وحتى عمر عام. ويرجع
الفضل في الدور الوقائي والمناعي للبن الأم في حماية الطفل في بداية حياته
لأنه يحتوي على نوع من البروتينات عبارة عن أجسام مناعية توفر الحماية
اللازمة للطفل، وهي «immunoglobulin A» أو اختصارا «IgA» الذي يوجد بكميات
كبيرة في اللبن الذي يتم إفرازه مباشرة بعد الولادة. وهذه البروتينات
المناعية فعالة في الدفاع عن الجسم ضد عدد من الميكروبات مثل «إي كولاي»
والسلمونيلا وغيرها.
ويحتوي لبن الأم أيضا على بروتين يسمى لاكتوفيرين، وهو مسؤول عن
الاحتفاظ بالحديد وفيتامين بي12، وهو الأمر الذي يمنع استفادة الميكروبات
الموجودة بالأمعاء بهذه العناصر المهمة للجسم، وخصوصا الحديد، وذلك دون أن
يؤثر على امتصاصهم.
وفضلا عن الدور الذي تلعبه الرضاعة الطبيعية في حماية الطفل أثناء
الرضاعة، فإن هناك دراسات تشير إلى أن لبن الأم يحمي الطفل من أنواع معينة
من السرطانات مثل اللوكيميا، وحتى وإن كانت الكيفية التي يحمي بها من
السرطان غير معروفة حتى الآن، ولكن يعتقد العلماء أن الحماية قد تكون بسبب
الأجسام المضادة الموجودة في اللبن.
وهناك دراسات تشير أيضا إلى أن الرضاعة الطبيعية تحمي الطفل لاحقا من
أمراض مثل السكري من النوع الأول والثاني، وكذلك ارتفاع الكولسترول وأيضا
ارتفاع ضغط الدم.
وتحمي الرضاعة الطبيعية الطفل من الحساسية من الغذاء، حيث إن لبن الأم
يكون الأنسب لمعدة الطفل ويسهل امتصاصه ويساعد في حماية الطفل من الإمساك،
وأيضا يحمي الطفل من أنواع أخرى من الحساسية، مثل حساسية الصدر أو حساسية
الجلد، خصوصا في الأطفال المهيئين لذلك جينيا.
توصيات طبية* وفي توصيات طبية للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، أشارت إلى أن
الرضاعة الطبيعية قد تكون وسيلة فعالة في حماية الطفل من الوزن الزائد
والسمنة، وذلك نتيجة لتحليل 17 دراسة تم نشرها في مجلة علم الأوبئة
الأميركية (American Journal of Epidemiology) التي تشير إلى وجود علاقة
بين الرضاعة الطبيعية والحماية من السمنة حينما يصبح الطفل مراهقا، وقد
يكون السبب في ذلك راجعا لاحتواء لبن الأم على كمية أقل من الأنسولين، ومن
المعروف أن الأنسولين يلعب دورا محفزا في تكوين الدهون، وكلما زادت فترة
الرضاعة وضحت هذه العلاقة.
ويساهم لبن الأم إما بشكل كامل وإما جزئي في تقليل احتمالية إصابة
الأطفال بما يعرف بـ«موت الطفل المفاجئ» (Sudden Infant Death Syndrome).
وفضلا عن حماية الطفل مما سبق من الأمراض فإن الرضاعة قد تفيد الأم في
حمايتها من الإصابة بحالة «اكتئاب ما بعد الولادة» الذي تتعرض له بعض
السيدات أحيانا، وكذلك تقلل من نزيف ما بعد الولادة وتساعد في عودة الرحم
إلى حجمه الطبيعي، وتقوم الرضاعة بدور حيوي في تقليل احتمالية إصابة الأم
بسرطان الثدي، خصوصا إذا تجاوزت فترة الرضاعة عاما كاملا.
الإيدز والرضاعة
* وتعتبر الدراسة الجديدة تأكيدا جديدا على أهمية طول فترة الرضاعة
خلافا لما كان متعارفا عليه من قبل من أنه يستحسن بالنسبة للأمهات المريضات
بمرض الإيدز تقليل فترة الرضاعة لتجنب الإصابة بالفيروس، حيث إن الرضاعة
الطبيعية تعتبر من إحدى الوسائل التي تنقل الفيروس.
وقد تم إجراء هذه الدراسة في مالاوي في الفترة من 2004 وحتى عام 2010
على 2369 من الأمهات المريضات بمرض الإيدز وأطفالهن، وجاءت النتائج الأولية
لتظهر أن انتقال المرض تضاءل بعد إعطاء أدوية مضادة للفيروس للأمهات
والأطفال (يتم استخدام أكثر من دواء للعلاج لتقوية التأثير)، ونتيجة لذلك
أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) توصيات بأن تتناول الأمهات المصابات
بالمرض وأطفالهن مضادات الفيروس بشكل وقائي.
وقسمت الدراسة العينة إلى 3 مجموعات، مجموعة تناولت فيها الأمهات علاجا
للإيدز، ومجموعة تناول فيها الرضع علاجا وقائيا من المرض، ومجموعة أخرى لم
تتناول أي علاج لتكون الفيصل بين المجموعتين (Control group). وركزت هذه
الدراسة بشكل أساسي على أهمية أن تتوقف الرضاعة مبكرا للوقاية، وقد قامت
الدراسة بفحص المجموعة التي لا تتناول أدوية بعد نحو 48 أسبوعا، ووجد أن
نسبة انتقال الفيروس تصل إلى 7%، بينما في المجموعات التي تناولت فيها
الأمهات والرضع الأدوية وصلت نسبة انتقال الفيروس إلى 4%.
وفي المقابل وجد الفريق أن الفطام المبكر قبل 28 أسبوعا قد يؤدي إلى
زيادة فرص انتقال المرض بعد أن أصيب نحو 30% من الرضع بالمرض، وأيضا يمكن
أن يرفع من احتمالية الإصابة بالملاريا أو السل أو الإسهال المزمن، وأيضا
مشكلات في النمو وربما الوفاة أيضا. وفي فترة المتابعة التي استمرت من 29
إلى 48 أسبوعا وفي مجموعة الأمهات اللاتي تناولن الأدوية كانت هناك حالة
وفاة واحدة مقابل 8 حالات وفيات من الأمهات اللاتي لا يتناولن العلاج، وهو
ما يؤكد أهمية أن تتناول الأمهات أدوية مضادة للفيروس، حيث إنه يزيد من فرص
النجاة حتى بالنسبة للأم المصابة حتى بعد انتهاء فترة الرضاعة الطبيعة،
مما يؤكد فائدة أن تطول الرضاعة الطبيعية أكثر من 28 أسبوعا مع أخذ العلاج
المضاد للفيروس بانتظام.