ربما يكون العنوان صادم لبعض المتعصبين دينيا. لكن بعد القليل من التأني اعتقد انهم سوف يعكسون اتجاهاتهم الفكرية لتتحول ناحية التعاون مع أقباط بلاد المهجر والاستفادة من خبراتهم وخصوصا بعدما يعرفون حقيقة حبهم النقي ووطنيتهم الخالصة لبلدهم وارض اجدادهم مصر.
بداية يجب التذكرة بأن القبطي حفيد الفراعنة هو إنسان فنان بطبعه يحب الحياة الراقية ويعشق الفنون والجمال ويسعى في إثرها فهو لا يتواني في أن يشيد الحضارات كما شيدها اجداده على ضفاف وادي النيل وهو بارع علميا وأدبيا كما برع اجداده في جميع العلوم وأذهلوا العالم بحضارة لا تستطيع التكنولوجيا المعاصرة من فك شفرتها والتي يختزنها هو في جيناته وموروثاته الثقافية.
يحبون مصر ربما اكثر من الذين لم يهاجروا ويتركوا ديارهم. والسبب في ذلك بديهي.
ومن المؤكد أيضا أن الأقباط قد هاجروا إلى بلاد العالم الواسعة طلبا للسلام النفسي والمستوى الاقتصادي الذي يلبي طموحاتهم الكبيرة بعدما انقض ظهورهم التعرض لظواهر الكراهية والتمييز والحرمان من الوظائف القيادية والتكفير والاستخفاف بمعتقداتهم ورموزهم الدينية ومقدساتهم كما ولم يتحملوا نير فتاوى الجهل والخزعبلات التي تعيق التقدم الحضاري
د. إميل شكرالله
و عندما خرجوا خارج دائرة الوطن استطاعوا أن يروا بوضوح كل مشاكل الوطن بوضوح أكثر مما يعيشون بالداخل لأن من يعيش داخل الدائرة لا يمكنه رؤية كل الاتجاهات اللهم إلا إذا خرج منها. فالأقباط في بلاد المهجر ومن فرط حبهم لمصر أرضا وشعبا هاجروا لكي يرجعوا محملين بالخيرات لمصر من أفكار التقدم والرقي والعيش الكريم والحريات التي عاشوها في بلاد المهجر. بيد أن الواقع المصري بتعقيداته الدينية والفقهية والسياسية والاجتماعية لم يمكنهم من تحقيق حلمهم.
ولعلكم تذكرون أن آخر حادثة تؤكد هذا الطرح هو ما تعرض له مركز العلامة الدكتور مجدي يعقوب فخر مصر والمصريين وما تعرض له هو شخصيا من البعض من هجوم وتجريحات غير مبررة إلا في مخيلتهم المريضة فقط لأنه أراد أن ينهض بمصر من الناحية الطبية وساهم من حسابه الخاص وعرقه وجهده في إنشاء مجمع صحي عالي المستوى لخدمة المرضى والفقراء من أبناء وطنه.
ولم يستثنى من هذه الظاهرة البغيضة أيضا كثيرين من المسلمين الشرفاء من بلاد المهجر والذين تعرضوا لمهانات كثيرة وسباب وشتائم وتخوينات بالعمالة مثل العالم أحمد زويل والدكتور البرادعي من اصحاب جوائز نوبل العالمية وغيرهم وذلك بسبب انهم يفكرون بطريقة مختلفة عن تيارات فقه معاداة الحضارة الحديثة، ولأن لهم رؤية واضحة ثابتة مؤيدة بالخبرات العالمية والقدرات الذاتية للنهوض بمصر نهضة حقيقية غير زائفة وهو ما يناهضه بكل قوة اصحاب اجندات التخلف والشعوذة الفكرية والتخبط السياسي والمصابون بفيروسات هجين من السياسة النفعية مع التفسيرات الفقهية الخاصة بهم دون غيرهم.
إن أقباط بلاد المهجر والذين يقدرون بالملايين ويعيشون في معظم بلاد وقارات العالم هم القوة القادمة بعزم كبير لا محالة. ولعلنا لم ننسى دروس الميكانيكا عن عزم القوة فكلما كبرت المسافة بين القوة ونقطة تأثيرها كلما ازداد عزمها. وهل ينكر أحد أن منهم أعضاء في المجالس النيابية والمحليات ومراكز صنع القرار، ولهم من الثروات المالية ما يفوق ميزانيات بعض الدول العربية. كما أن العالم يحترمهم ويقدرهم لمواقفهم الحضارية وإسهاماتهم في تقدم العلوم والفنون في بلاد المهجر. يمكنكم التعرف على أسماء كثيرة من الأطباء والمهندسين ورجال الاقتصاد والمال وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات، أسماء عالية وهامات مرتفعة في كل دول العالم بدون استثناء. ومن ينسى العالم الدكتور سمير نجيب بانوب الذي امتدحه الرئيس الأمريكي اوباما قائلا " بسببك أصبح لدينا تأمين صحي". ومن لا يفتخر بالدكتور مهندس هانى عازر الذي كرمته ألمانيا ومنحته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أرفع جائزة فى الهندسة المعمارية لتصميمه أكبر محطة أنفاق فى أوربا، وغيرهم. فتحية لهم خالصة وتقديرا لهم عاليا فهم سفراء مصر في الخارج والذين تتشرف بهم مصر وطنا وشعبا.
إن عدم التعامل مع أقباط بلاد المهجر بالاحترام الواجب ومحاولة التشهير بهم بالكذب والافتراءات سيجلب على البلاد المزيد من العداء الداخلي والخارجي، ما يعني المزيد من التخلف. كما أن ردود الفعل العنترية تجاههم ستزيدهم إصرارا على موقفهم الداعم لنهضة مصر نهضة بالحقيقة وتجعلهم يبحثون عن توحيد صفوفهم ليكونوا كيانا واحدا قويا يجمع كل المنظمات القبطية العالمية ومعها كل المنظمات الحقوقية لأقليات الشرق الأوسط ومعهم أفواجا كثيرة جدا جدا من الأقباط المسلمين المعتدلين وهم الأكثرية. أولئك الذين لهم نفس الآمال والطموحات نحو مصر أفضل وتجمعهم معهم محبة حقيقة لمصر ورغبة أكيدة للارتقاء بها على كافة الأصعدة.
على الدولة المصرية أن تجلس معهم وتناقشهم في افكارهم وآراءهم بالمنطق والحجة وليس بتصرفات بصبغة الكراهية والعداء حتى تكسبهم في اتجاه تنمية مصر دستوريا وثقافيا وعلميا واقتصاديا. أما إذا استمر الحال في التشهير بهم فسوف "تزيد الطينة بله" كما يقولون بالعامية المصرية وتتأزم الأمور اكثر وسيزدادون في القوة والعدد وها هي أبواب الهجرة قد فتحت على مصراعيها فينضم اليهم الملايين ويتحولون إلى لوبي قبطي عالمي يجمع كل المخلصين لمصر من المسيحيين والمسلمين. هذا اللوبي من الممكن أن يحرك الساكن الصامت ويفجر الراكد الهامد. حمى الله مصر شعبا وأرضا وألف بين قلوب أبناءها في الداخل والخارج.