سؤال وجواب
كان التلاميذ مجتمعين، معًا، إلى الربّ يعلّمهم. قال لهم أشياء عديدة. وكان آخرها حديثًا يجمع كلّ ما قاله إلى هدف واحد، حديثًا عن السهر المُنجّي (لوقا 12: 35- 40). وكان بطرس، كعادته، يُصغي. سمع جيّدًا. وحرّكه أن يسأل الربّ عمّا سمعه منه أخيرًا، ولا سيّما قوله: "كونوا مثل رجال ينتظرون رجوع سيّدهم من العرس، حتّى إذا جاء وقرع الباب يفتحون له من وقتهم. طوبى لأولئك الخَدَم الذين، إذا جاء سيّدهم، وجدهم ساهرين. الحقّ أقول لكم إنّه يشدّ وسطه ويُجلسهم للطعام، ويدور عليهم يخدمهم...". سأله عَمَّنْ يقصدهم في مثله. قال له: "يا ربّ، أَلَنا تضرب هذا المثل أم للناس جميعًا؟" (الآية الـ41(.
يا له من سؤال! كان الربّ يتكلّم على الأمانة بوضوح ظاهر. وأراد بطرس أن يستزيد وضوحًا. هذا، شرعيًّا، من مقتضيات السؤال في مسرى التعليم. أراد، وأراد الناس جميعًا أيضًا. فقوله: "أَلَنا أم للناس جميعًا؟" ليس فيه ما يعني أنّه يرى نفسه وجماعة الرسل يختلفون عن باقي الناس. فهذا استعلاء، لو كان سؤال بطرس يتضمّنه، لما كان الربّ قد أهمل الردّ عليه. لكنّه يسأل. يصوِّر قلقًا واعيًا يستحضر، إلى التلاميذ الآخرين، جميع الناس، مَنْ هم في زمنه، ويَعنينا أن نضيف: مَنْ هم في غير زمن أيضًا. لو كان بطرس حدَّ ما سمعه بنفسه ورفاقه، لكنّا أمام مشكلة عويصة. لكنّه ضمّنا إليهم. ضمّنا عن دراية. كسر كلّ يهوديّة مقيتة تُميّز بين الناس، وسأل. أراد أن يسمع. أراد، وأرادنا. أراد الربّ أن يتكلّم. ليس له آخر يلجأ إليه. هذا من دواعي الثقة. وهذا من دواعي المحبّة التي لا شيء يُبيِّنها، صحيحةً، كما أن نصغي إلى الربّ بنهمٍ يكشف أنّنا نؤمن بأنّه أُرسل إلى العالم، ليساعدنا على عمل كلّ ما يرضي أباه.
سأله، إذًا. بيَّن أنّه يحتاج إلى جواب. يبدو أنّ ما سـمعـه حيّـره، فسأل. "هـل ما قلتَهُ، يا ربّ، يخصّنا ويخصّ الناس جميعًا؟ قلْ لي. أنا لا أريد أن أقول لنفسي. أريد أن أسمع منك. أحبّك أن تتكلّم، لتوضح قلبي، لتخفّف قلقي. أنت، وحدك، القادر على أن تفعل". سأله، ففتح ما سمعه من فم معلّمه على أفاق يفترضها. فبطرس لا يفوته أنّ الربّ أتى من أجل خلاص العالم كلّه. ولكنّ سؤاله، الذي اشتممنا فيه حيرةً، يبحث فيه عن السبيل الذي يجعل الناس معنيّين بأمانةٍ رسمَ معلّمُهُ مقتضياتها. نسمعه في سؤاله يقول له: "أنا لا أعتقد أنّك تقصدنا وحدنا. فنحن معك. ومعك يمكننا أن نتعلّم الأمانة كلّها. أنا حسبي أنّك تقصد جميع الناس أيضًا. ولكن، قل لنا: ما هو السبيل الذي يجعل ما تقوله ممكنًا؟ كيف يمكن أن يحيا الناس جميعًا منتظرين سيّدهم، أي أنت، راجعًا من العرس؟ أنا، مثلك، هذه رغبتي. ولكن، كيف؟
سأله. اجترأ، وسأله. كان كلام المعلّم، على عادته، جريئًا، جريئًا في تبيان المحبّة وفي ما ترجوه المحبّة. وقابل بطرس الجرأة بالجرأة. فسؤاله، الذي قلنا إنّه يستحضر جميع الناس، يكشف لنا أنّ كلمة الله لا تحتمل أن تنتهي إلى مَنْ يسمعونها الآن فحسب. كلّ ما يلفظه يسوع يطلب خلاص الكلّ. ليست رفقة ابن الله أمرًا يخصّ بعضًا من دون غيرهم. ولا تحتمل كلمته أيّ ترفّع على الناس، أيًّا كانوا. بطرس يعرف أنّ كلّ تلميذ شأنه الراهن أن يقضّ مضجعه خلاص كلّ إنسان في الأرض. ولكنّ السؤال هو: "كيف؟ نحن هنا، فعلّمنا كيف؟". ليس في سؤال بطرس لعبٌ على الكلام، هروب من المطلوب، بل براءة كان الربّ يعرف أنّها تتضمّن تعهّدًا كاملاً للفهم وللخدمة. ولذلك أجابه.
سمع سؤال تلميذه، وأجابه (الآيات 41- 48). روى لهم مثل "الوكيل الأمين". أجاب بقصّة لها وجهان. وجه الخادم الأمين الذي ينصرف إلى عمله في الخدمة واعيًا أنّ سيّده، حاضرًا، يراه دائمًا. ووجه الكسول الذي له موعد مع العقاب، أي وجه المغتصب موقع الخادم الذي يشوّه حياته بتصوّره أنّ ربّه، غيرَ حاضرٍ، سيتأخّر في مجيئه. وفي هذا، يكمن الجواب الحقيقيّ عمّا سأله بطرس. فالربّ يريدنا جميعًا أن نكون أمناء. ولكنّ هذا مسراه الحقيقيّ أن يعتبر كلّ إنسان أنّ ما يريده الربّ يعنيه هو، أي يفترض أن يسعى كلّ تلميذ إلى أن يكون أمينًا في حضور معلّمه كما في غيابه. جوابه، إذا صغناه ردًّا على سؤال بطرس، فيجب أن يعني هذا: "ما قلتُهُ عن الأمانة، كلُّ إنسان مسؤول عنه. وإن كنتُ أخاطبكم أنتم الآن، فافهم، يا بطرس، أنّكم جميعًا مطالبون بالطاعة وبالخدمة. أنا مشيئتي أنّ أخلّص الإنسان بالإنسان. لا يكفيني أن تكون ورفاقك معي. أحبّكم أن تكونوا معي. ولكنّ هذا، على محبّتي له، لا يكفيني. أريدك أن تُحوّل سؤالك إلى برنامج عمل. ما قلتُهُ، قلتُهُ لكم وللناس جميعًا. أنت تعرف أنّني اخترتكم، لتصيدوا الناس. يجب ألاّ تنسى ما قلتُهُ لكم في بحر الجليل. هؤلاء الناس، الذين استحضرتَهم في سؤالك، مسؤوليّتك أمامي. هم لا يمكن أن يكونوا أُمناء، إن لم يتعلّموا الأمانة. وسبيل هذا العلم لا يكون لفظًا فحسب، بل بالمسلك دائمًا. فثق بأنّكم، إن أحسنتم أن تتشبّهوا بالوكيل الأمين، أي إن نزلتم إلى الناس وأحببتموهم وأوفيتم خدمتهم في وقتها، فسأهيّئ لكم عرسًا في ملكوتي. اذكروا، دائمًا، أنّ مَنْ أُودع، مثلكم، كثيرًا يُطالَب بأكثر منه. اذكروا، أي اتّكلوا عليَّ، واجتهدوا".
"أَلَنا أم للناس جميعًا؟"، سؤال رمانا فيه بطرس على الربّ الذي دعانا إلى خدمته، لنخدم العالم بأمانةٍ تقول إنّه حاضر فينا حقًّا، ليقود الناسَ، جميع الناس، إلى فرح عرسه.