مصر والجزائر بين التيارات الإسلامية.. والجيش
أفضل للجيش أن يعلن عن نواياه اليوم بدلا من أن يترك الأمور تتطور لتأتي بالإسلام السياسي أو السلفيين لحكم مصر. لنا عبرة في سيناريو الدم في الجزائر.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: أحمد أبودوح
كلنا قد شعر بالقلق يوم الجمعة قبل الماضية عندما رأى المليونية السلفية وهي ترفع شعاراتها الدينية في ميدان التحرير.. والبعض شعر بالغربة كذلك حينما شاهد العلم السعودي يرفرف في قلب القاهرة.
ما حدث هو ترجمة ضمنية لموقف الجيش من المظاهرات والإعتصامات التي قام بها الثوار، فقد فضل المجلس العسكري أن يرفع الكارت الأصفر في وجوههم عبر هذه المليونية، قبل أن يطردهم خارج ملعب التحرير نهائيا كما حدث فيما بعد.
من الممكن أن يكون المجلس العسكري قد أصابه بعض الضجر من "عيال التحرير"، ومن المتوقع أيضا في سبيل تجنب هذا الإزعاج أن يخوفهم بالراجل أبو رجل مسلوخة القادم من صربيا، أو يهددهم بعصا التخوين والعمالة، إلا أن المجلس تجاوز كل هذا وفضل أن يدخل نفق المساومات والموائمات وموازين القوى المظلم.
المرحلة الحالية بطبيعتها لا تحتمل عقد أية صفقات مع السلطة الحاكمة، ونحن على يقين أيضا أن المجلس العسكري لا توجد لديه أية أجندات أو تحالفات مع أي من القوى السياسية.. ولكن ما يقوم به المجلس من إفساح للمجال أمام بعض التيارات الدينية لكي تشكل مقاومة معنوية أو حائط صد إستراتيجي ضد قوى الثورة أخطر بكثير، لأن من يمثلون أقصى اليمين – الراديكالية – داخل هذه التيارات يحملون ببساطة فلسفة براجماتية بحتة في نظرتهم إلى المجتمع المحيط بهم، ويترسخ بداخلهم إعتقاد بأن مصلحة الجماعة أو التيار الذي ينتمون إليه هي المصلحة العليا التي تأتي بعدها مصلحة الوطن.
فكيف مثلا نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تسعى إلى التكتل مع بعض الأحزاب والقوي السياسية لتشكل "تحالفا وطنيا" للتنسيق فيما بينهم بخصوص الإنتخابات البرلمانية المقبلة، وعندما يأتي الحديث عن مبادئ حاكمة للدستور والتي تؤمن بها جميع هذه القوى، تنبري الجماعة بالرفض القاطع الرادع المانع في إزدواجية واضحة تدعو إلى التعجب.
وهنا يأتي توافق التركيب الفكري والتنظيمي لكلا من الجيش والتيارات الدينية ليلعب دورا هاما في التقارب فيما بينهم، فهذا التقارب في الأيديولوجية المحافظة جعل هذه الجماعات تتبنى القرارات الصادرة من المجلس العسكري وتهلل لها.. رغم علمها المسبق أن المجلس العسكري لن يحيد عن خيار مدنية الدولة.
فالشعارات التي رفعتها الجماعات السلفية في ميدان التحرير، كانت هي نفس الشعارات التي أدت إلى إنقلاب الجيش على الشرعية في الجزائر عام 1991 وقيامه بإجبار رئيس الجمهورية على التنحي، وإلغاء الإنتخابات البرلمانية التي فاز فيها "الحزب الإسلامي الأصولي" بعد أن هدد هذا الحزب وتوعد كل من يخالفه الرأي بالإقصاء، ووضحت حينها منذ البداية نية الحزب الذي ينتمي إلى المرجعية السلفية تحويل الجزائر إلى إمارة إسلامية.
هذا التجاهل للشرعية الذي قام به الجيش عندما ألغى نتيجة الإنتخابات كان سببا في مقتل أكثر من 60 الف جزائري في 5 سنوات أعقبت الانتخابات نتيجة للتفجيرات الإرهابية التي قامت بها الجماعات التابعة لهذا الحزب ومازالت تنفذها حتى الآن. فهل من المتصور أن المجلس العسكري لا يعلم أنه قد بدأ بالفعل السير في هذا الطريق المسدود؟!.
دعك من الإخوان المسلمين الآن، ماذا سوف يحدث إذا فازت الأحزاب السلفية بنسبة لا بأس بها من المقاعد في الإنتخابات البرلمانية المقبلة؟ هل سوف يتدخل الجيش للحفاظ على مدنية الدولة؟ وإذا كان الجيش ينوي التدخل، فهل سوف يكون هذا التدخل في صورة انقلاب كما حدث في الجزائر؟ أم أنه سوف يتدخل منذ بداية العملية الإنتخابية لمنع فصيل من الفصائل من الوصول إلى البرلمان، ومن ثم الاشتراك في تشكيل الحكومة المقبلة؟!
هذه أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات ملحة من المجلس العسكري نظرا لدقة المرحلة التي نمر بها. فمن الواضح أن المجلس العسكري بدأ يلعب على حبلين، وبدأ يعلن عن بعض نواياه ويخفي البعض الأخر، وخصوصا أنه لم يعلن عن الموعد الذي ستقام فيه الانتخابات الرئاسية حتى الآن.
فهل هذا التفاهم وتقليص المسافات بين المجلس العسكري والجماعات السلفية أو الدينية بصفة عامة هي إرهاصات لتطورات مفاجأة سوف نشهدها في المرحلة المقبلة؟! أم أنه لا يتعدي أن يكون إستخداما لهذه الجماعات من قبل المجلس العسكري لتخويف الثوار من العودة مجددا إلى التظاهرات والإعتصامات، وبعدها سوف يبيع لهم الأونطة؟!.. أم نحن في نهاية المطاف سوف نكون أول من يشربها؟!
أحمد أبودوح