نسمات باردة كانت هذا الصباح مع بداية فصل الشتاء، قد دفعت نفحات الصيف الحارة إلى خارج الحدود الملتهبة لمدينة الدورة الساخنة جنوب بغداد، ومنذ عامين على الأقل صنفت الدورة بأنها ضمن مثلث الموت وقاعدة لتنظي
م
القاعدة في بلاد الرافدين. ولم يتأخر عزيز بطرس في حمل فرشاته ليمسح ما كتب في السابق على جدار كنيسة مار يوحنا المعمدان الكلدانية الكاثوليكية من شعارات كان قد خطها مقاتلو القاعدة، تدعو الى كسر الصليب وقتل الشيعة، ولم يترك بطرس إلا جملة واحدة تقول "عاش الإسلام والمسلمين". وكانت كنيسة مار يوحنا المعمدان الواقعة في محلة 822 وسط الدورة، قد نهبت وأنزل عنها الصليب وكسرت الأيقونات، وأغلقت أبوابها أمام المريدين، ولم تسمع فيها تراتيل قداس الأحد من فترة ليست بالقليلة.
ولم يتأخر بطريرك الكلدان عمانوئيل دلي الذي نال درجة الكاردينال مؤخرًا عن إقامة الصلاة عقب سماعه انباء تؤكد أن مدينة الدورة الساخنة أصبحت باردة وآمنة وسالمة، وكانت صلاته الشهر الحالي مميزة فقد جمعت المسلمين من سنة وشيعة.
يقول عزيز بطرس راعي كنيسة مار يوحنا المعمدان "لقد ابلغنا مقاتلو القاعدة منذ العام الماضي بإنزال الصليب، وقد فعلنا ذلك، ولكنهم جاؤا بعد ذلك وكسروا تماثيل السيد المسيح وتمثال مريم العذراء، ولكننا الآن اصبحنا امنين وأعدنا ترميم الكنيسة وجلبنا تماثيل جديدة ورفعنا الصليب مجداد واقمنا القداس".
ويضيف بطرس "يعيش في الدورة وحدها ما يقرب على 1200 عائلة كلدانية فقط ولم يتبقى منهم سوى 100 عائلة فقد هاجر الجميع الى دول الجوار او اوروبا بعد ما شهدته مدينة الدورة من اعمال عنف وقتل واختطاف من قبل الارهابيين، والآن الوضع الامني اصبح اكثر أمنًا ويمكن للذين هاجروا العودة".
لكن بطرس عبر عن متاعب العائلات التي هاجرت "فقد نهبت بيوتهم وبعضها قد تهدم بفعل العمليات العسكرية والخدمات معدومة ولم يتحسن سوى الامن".
ويعتبر المسيحيون العراقيون من اقدم السكان في العراق مع اليهود، وقد استوطنوا في كافة الرقعة الجغرافية العراقية من الجنوب في مدنية البصرة الى الموصل شمال العراق وتضم بغداد العاصمة اكبر تجمع لهم، وليس لديهم دور بارز في السياسة والحكم في العراق وعرف عنهم النزاهة في العمل والامانة وهم محل ثقة اغلب العراقيين.
عزيز بطرس راعي كنيسة مار يوحنا المعمدان وقد تلقى المسيحيون ضربات عديدة وموجعة من الجماعات المسلحة في العراق، فقد تعرضت في شهر اب اغسطس الماضي اربع كنائس في بغداد والموصل الى تفجيرات، كما اختطف عدد منهم وتم تهجير البقية.
وقال الكاردينال دلي الاسبوع الحالي في حاضرة الفاتيكان " نحاول اقناع اولئك الذين تركوا العراق بالعودة والمساعدة في بناء البلاد، ويقدر معظم المسيحيين الكلدانيين الذين ما زالوا يعيشون في العراق بحوالى 600 الف شخص، مقارنة بـ1.2 مليون قبل الحرب".
ويسكن العراق اضافة الى الكلدان الكاثوليك الاشوريون الارثوذكس والسريان والارمن، وهؤلاء ايضًا كان لهم نصيب من اعمال العنف التي طالت الجميع دون استثناء.
وقد تكون خطة فرض القانون حسب ما تسميها الحكومة العراقية قد جاءت بنتائج ايجابية على المستوى الامني الذي تشهده بغداد بعد عمليات مشتركة قامت بها القوات الاميركية والقوات العراقية لمطاردة تنظيم القاعدة في مواقع نشاطه في المناطق الساخنة.
وكانت الدورة من ابرز تلك المواقع التي سيطر عليها تنظيم القاعدة وكانت مغلقة تمامًا لسيطرته قبل بدء العمليات العسكرية، وكانت شوارعها مهجورة، الا من مقاتلي القاعدة وساحاتها تحولت الى منصات اعدام، وقد تم الكشف عقب دخول القوات العسكرية الحكومية عن مقابر جماعية عديدة داخل حدائق البيوت كان تنظيم القاعدة قد اقامها للمدنيين العراقيين والموظفين الحكوميين وعناصر اجهزة الامن.
يقول عبد العزيز صاحب محل للمواد الغذائية بالقرب من كنيسة مار يوحنا المعمدان " ان الامن قد عاد بعد معارك عنيفة بين القوات العراقية والاميركية من جهة، والقاعدة من جهة اخرى، لكن حركة السوق ما زالت ضعيفة لأن اغلب السكان قد هاجروا كما ان الخدمات شحيحة".
ويضيف عبد العزيز "ان اغلب اصحاب المحلات التجارية من المسيحيين قد هاجروا الى سوريا والاردن، واتمنى ان يعودوا كما كانوا في السابق، وان يعود السلام مرة اخرى الى مدينة الدورة".
ويسعى اهالي الدورة الى تكوين مراكز اجتماعية شبيهة بصحوة الانبار من المدنيين تساهم برفد اجهزة الامن بمعلومات عن اي نشاط للجماعات المسلحة تستهدف امنهم وحياتهم.
وبرفع ايقونة السيد المسيح والسيدة مريم العذراء في كنيسة مار يوحنا المعمدان يعود السلام مرة اخرى الى مدينة الدورة التي خرجت من معادلة المناطق الساخنة وانهار ضلع من مثلث الموت جنوب بغداد.
منقول