كلّنا يوافق على أنَّ الصّداقة أمر جميل لكنَّه صعب التّحقيق، لذلك عندما يجد الإنسان صديقاً له، فإنّه يكون قد حقّق هدفاً مهمّاً
في حياته. ومن أجمل الصّداقات، صداقة الأُمّ لابنتها. ومن أجمل العلاقات، رفقة الأب لابنه. الاثنان، الصّداقة والرِّفقة أمران مهمّان للأولاد.
أهميّة الصّداقة:
صداقتك لابنتك سيجعلها ترى فيك الملجأ والقدوة والمشيرة التي تطمئنّ إليها، وتسمع منها الاستشارة الصّحيحة والرّأي الصّالح والمعونة، دون إدانة أو لَوم. فإنْ اقترب منها زميل لمصادقتها تكونين أنتِ أول من تذهب إليه، لأخذ رأيه والحديث معه بكلّ صراحة تماماً مثلما تُخبِر زميلاتها، وذلك لكونِها اتّخذتك صديقه أساسيّة لها.
أمّا تحكُّمك بحياتها، فسيُريها فيكِ صورة الإنسان الرّاغب في استغلالها والمُسيطِر عليها والمُتحكِّم والمُتلاعِب بها، ممّا يجعلها نفورة غير راغبة بصداقتك.
متى تبدأ الصّداقة؟
تبدأ صداقتك مع ابنتك مذ كانت جنيناً صغيراً في بطنك. العلوم الحديثة تقول بأنَّ الطفل منذ اليوم الأول لتكوينه يشعر بانفعالات والدته، يدرك حين تغضب أو تحزن أو تفرح، يشعر بها وتكون له ردود فعل قويّة مع انفعالاتها ومشاعرها. فإنْ كنتِ امراة عصبيّة سريعة الغضب، سينشأ طفلك مثلك، بسبب إحساسه بك وتفاعله مع ما يحدث معك.
جسور الصّداقة:
رغم الظّروف الصّعبة التي يمكن أن تمُرِّي بها، يمكنك اختيار التزام الهدوء والتّعامل مع الأحداث بسَكينة. خاصّة إن كنتِ حاملاً، لا تشاركي صغيرك بأحزانك وقلقك وخوفك وغضبك، بل بمدى حُبّك له ومدى لهفتك لرؤيته، حدِّثيه عن ذلك وهو في بطنك، وهو بدوره سيسمعك وسيستمتع بحديثك وستتكوّن لديه ذات الانفعالات والأشواق لرؤيتك.
خلال مناقشاتك مع والده، اختارا أن تكونا هادئَين، وتحدّثا عنه معاً مُظهِرين مدى حُبّكما له واشتياقكما لرؤيته. قصّي عليه قصصاً من حياتك اليوميّة، وأخبريه بما تشعرين، وأسمعيه الموسيقى التي تفضِّلينها. كل هذا سيتركك في حالة من التّواصُل الدّائم معه لِحِين ولادته، كما وسيُنمّي لدى طفلك حسّ الانتماء فيتطبّع بطباعك، وسيشعر بدفئ الأُسرة والتّرابُط القوي معك ومع والده. وإن كان لديه أُخوة أكبر منه، يمكنهم هم أيضاً مخاطبته بمحبّة وإخباره عن فرحهم بمجيئه إلى هذه الحياة. فحين تبنين بين أولادكِ الحُبّ منذ نعومة أظفارهم، هذا سيبني جسور صداقة بينهم عندما يكبرون
أمر يمكن حدوثه:
قد تعتقدين بأنَّ إنشاء صداقة قويّة مع ابنتك أمر صعب الحدوث، نظراً لاختلاف ثقافتيكما وجيلَيكما وفكريكما، فَما تربَّيت عليه أنتِ بالأمس يختلف عمّا تربّى عليه طفلك اليوم. لذا لكي تبدأي صداقة مع ابنتك:
1. أنتِ تحتاجين إلى التّواصُل معها وتفهُّم فكرها. بمعنى آخر عليك متابعة ما يحدث من مُتغيِّرات سريعة في في حياتها، في اللغة والفكر ومنطق التّعامل مع الآخرين، فجيل اليوم يعيش في زمن سريع الوتيرة وهو يتواصل مع التّكنولوجيا بشكل يومي، كعالم الإنترنت ولديه أصدقاء افتراضيّين- غير موجودين أو محدودين بمكان- عبر الإنترنت.
2. اختاري لغة الحوار حين تسأليها عن أمور حياتها وعمّا فعَلَته في يومها. لا توجِّهي لها سؤالاً مباشراً مثل: "ما الذي فعلته اليوم؟" أو "أين ذهبتِ أنتِ وصديقاتكِ؟". بل اسأليها عن أخبارها بطريقة غير مباشرة عبر فتح حوار شيِّق معها، كأن تحدِّثيها أنتِ أولاً عمّا فعلتِيهِ في يومكِ، ثم دعيها تُبادلك الحوار. قدِّمي لها ما يثير شهيّتها لمناقشتك والاستمرار معك في الحديث، ومن ثم يمكنها الرّدّ عليك، حينها تكوني قادرة على معرفة أخبارها مع تركك لها مساحة من الحريّة.
3. عندما تبدأ بإخبارك ما يحصل معها أَنصِتي إليها لكن دون فضول أو إكثار من الأسئلة، دعي لها حريّة اختيار إخبارك بما تريده. لأنّ ضغطك عليها لمعرفة المزيد وكثرة فضولك، قد يجعلانها تختار سرد قصص غير حقيقيّة عليك وبالتّالي ستكذب فقط في محاولة لإرضائك وإرضاء فضولك. مع أنّك بحُبّ أكثر وجهد أقلّ يمكنك معرفة أخبار ابنتك دون إشعارها بأنَّها تُستَجوَب أو يُحقَّق معها.
4. لا تُظهري قسوة وتشديد ولا تحاولي التّحكُّم في حياتها الشّخصيّة. كما سبق وأسلفتُ أعطيها قدراً من الحريّة غير المشروطة مع مراقبة غير مباشرة.
5. أَشعريها دائماً بأنَّها محبوبة في كلّ الأحوال وبكونها سيّدة نفسها، لأنَّها ذات شخصيّة قويّة لها الحقّ في اتّخاذ قراراتها بنفسها. إبدأي معها من خلال ملابسها ومكياجها، كلّ هذا سيُكوِّن لها معالم وأبعاد شخصيّتها وأفكارها.
6. قدِّمي لها توجيهاً غير مباشر من خلال إبداء رأي صغير أو اقتراح، وليس أمراً ناهي المفعول. وأرشديها عند اختيار أصدقائها بأسلوب غير صريح، كأن تحدِّثيها على سبيل المثال عن أصدقائكِ أنتِ وعن الكيفيّة التي اخترتِهِم بها وعمّا وجدتِ فيهم من قِيَم.
7. شاركيها ببعض خبراتك السّلبيّة، فيما لو وَاجهت هي الأُخرى خبرة سلبيّة. فإن فشلت علاقتها بإحدى صديقاتها أخبريها بأنَّ الحياة لم ولن تنتهي عند هذا الأمر، وأنَّ هذا لا يمنع إعطاء فرصة جديدة لاختيار أصدقاء جُدُد. يمكنك حينها أن تقدِّمي لها بعض النّصائح المتعلِّقة باختيار الأصدقاء، لكن دون أن تُجبريها على العمل بنصائحك مهما كانت أهميّتها.
8. لا توجِّهي لها نقداً مباشراً أمام أصدقائها، ولا تحاولي كشف أسرارها وفضحها أمام الآخرين، فمحاولتك لإبراز عيوبها أمام النّاس لإحراجها، لن يساعدك بل سيُنفِرها منك. كذلك لا تنتقدي أصدقاءها أمامها حتّى وإن كان منهم من هو غير صالح للصّداقة، وإلا فستُعاندك وتستمرّ في هذه الصّداقة، والأفضل تركها تختبر سوء هذا الصّديق أو الصّديقة من خلال ترك مساحة لها والمُراقبة من بعيد، والتّدخُّل عندما تدعوا الحاجة.
9. الخبرات السّيّئة كالخبرات الجيّدة ستبنيها وتغيِّر حياتها، فلا تقلقي إن واجَهَتها. واحرصي دائماً على التّعرُّف إلى أصدقاءها من البنات والأولاد، وقدِّمي لهم دعوة لزيارتها في المنزل في المناسبات كعيد ميلادها أو حفل تخرِّجها. فتعاملك مع هؤلاء الشّباب وتعرُّفك عليهم سيُطلِعك على اهتماماتهم وأفكارهم، وبالتّالي سيُعطيك صورة واضحة عمّا تفكِّر به ابنتك.
10. عندما تقدِّمي لها المشورة، إسأليها عن رأيها أولاً وشجّعيها على ما فيه من إيجابيّات، وإنْ كان جيّداً شجِّعيها على الأخذ به، ثم قدِّمي لها رأيك الخاص ونصيحتك المبنيّة على خبراتك واختباراتك السّابقة التي سوف تقصّينها عليها.
11. شاركيها ببعض الدّعابات والقصص الشّيّقة عن طفولتك ومغامراتك. وأخبريها عن هواياتك المفضَّلة. وهكذا عبر مراحل حياتها من الطّفولة إلى المراهقة إلى الشّباب يمكنك تزويدها بقصصك.
12. حدِّثيها عن علاقتك بوالدَيك وإخوتك.
13. حدِّيثها عن معنى كَونها فتاة، وعن أهميّة هذا الدَّور في الحياة. أخبريها عن جسدها والمُتغيِّرات التي ستحدث له وهيّئيها لكلّ ما ستواجهه كأنثى، وعن الاختلافات الجسديّة بين الرَّجُل والمرأة. دعيها تسمع منك ما يجب أن تسمعه، بدلاً من أن تعرف تلك المعلومات من أصدقائها، فتأخذ أفكاراً مغلوطة ومعلومات خاطئة.
14. اتَّخذي منها رفيقاً في خروجك ودخولك. استشيريها في أمور الحياة والأُسرة وأحوالها، هذا سيشعرها بارتباطها ببيتها وبالعائلة وبكِ.
في الختام أترك معك نصيحة الرسول بولس التي قدمها إلى أهل أفسس في رسالته إليهم في الإصحاح السادس والآية الرابعة:" وأنتم أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره"