جحا والخروف :
كان جحا يربّي خروفاً جميلاً، وكان يحبّه، فأراد أصحابه أن يحتالوا عليه من أجل
أن يذبح لهم الخروف ليأكلوا من لحمه، فجاءه أحدهم فقال له :
" ماذا ستفعل بخروفك يا جحا ؟ "، فقال جحا :
" أدّخره لمؤونة الشّتاء "، فقال له صاحبه : " هل أنت مجنون ؟
ألم تعلم بأنّ القيامة ستقوم غداً أو بعد غد ؟ ! هاته لنذبحه ونطعمك منه " .
فلم يعبأ جحا لكلام صاحبه، ولكنّ أصحابه أتوه واحداً تلو الآخر، يردّدون عليه نفس النّغمة،
حتى ضاق صدره، ووعدهم بأن يذبحه لهم في الغد، ويدعوهم لأكله في مأدبة فاخرة في البرّية.
وهكذا ذبح جحا الخروف، وأضرمت النّار، فأخذ جحا يشويه عليها،
وتركه أصحابه وذهبوا يلعبون ويتنزّهون بعيداً عنه، بعد أن تركوا ملابسهم
عنده ليحرسها لهم، فاستاء جحا من عملهم هذا، لأنّهم تركوه وحده دون أن يساعدوه،
فما كان من جحا إلا أن جمع ملابسهم، وألقاها في النّار فالتهمتها.
ولمّا عادوا إليه ووجدوا ثيابهم رماداً هجموا عليه، فلمّا رأى منهم هذا الهجوم قال لهم :
" ما الفائدة من هذه الثّياب إذا كانت القيامة ستقوم اليوم أوغداً لا محالة ؟ " .
جحا وحماره :
ماتت امرأة جحا فلم يأسف عليها كثيراً، وبعد مدّة مات حماره فظهرت عليه علامات الغمّ والحزن.
فقال له بعض أصدقائه : " عجباً لك، ماتت امرأتك من قبل ولم تحزن عليها هذا الحزن
الذي حزنته على موت الحمار! ". فأجابهم :
" عندما توفّيت امرأتي حضر الجيران، وقالوا لا تحزن، سنجد لك أحسن منها،
وعاهدوني على ذلك، ولكن عندما مات الحمار
لم يأت أحد يسلّيني بمثل هذه السّلوى، أفلا يجدر بي أن يشـتدّ حزني ! ؟ " .
أشعب والطّعام :
دعى أحد إخوان أشعب عليه ليأكل عنده، فقال :
" إنّي أخاف من ثقيل يأكل معنا فينغصّ لذّتنا ". فقال :
" ليس عندي إلا ما تحبّ"، فمضى معه، فبينما هما يأكلان، إذا بالباب يطرق .
فقال أشعب : " ما أرانا إلا صرنا لما نكره "، فقال صاحب المنزل :
" إنّه صديق لي، وفيه عشر خصال، إن كرهت منها واحدة لم آذن له "،
فقال أشعب : " هاتِ "، قال : " أوّلها أنّه لا يأكل ولا يشرب "، فقال :
" التّسع لك ودعه يدخل، فقد أمنّا منه ما نخافه ".
أشعب والسّمك :
بينما قوم جلوس عند رجل ثريّ يأكلون سمكاً، إذ استأذن عليهم أشعب، فقال أحدهم :
" إنّ من عادة أشعب الجلوس إلى أعظم الطّعام وأفضله، فخذوا كبار السّمك واجعلوها
في قصعة في ناحيته، لئلا يأكلها أشعب "،
ففعلوا ذلك، ثمّ أذنوا له بالدخول، وقالوا له :
" كيف تقول، وما رأيك في السّمك ؟ "،
فقال : " والله إنّي لأبغضه بغضاً شديداً، لأنّ أبي مات في البحر، وأكله السّمك، فقالوا :
" إذاً هيّا للأخذ بثأر أبيك ! "، فجلس إلى المائدة ومدّ يده إلى سمكة صغيرة
من التي أبقوها بعد إخفاء الكبار، ثمّ وضعها عند أذنه، وراح ينظر
إلى حيث القصعة التي فيها السّمك الكبير - حيث لاحظ بذكاء ما دبّر القوم له -
ثمّ قال : " أتدرون ما تقول هذه السّمكة ؟ "، قالوا :
" لا ندري ! "، قال : " إنّها تقول إنّها صغيرة لم تحضر موت أبي،
ولم تشارك في التهامه، ثمّ قالت : عليك بتلك الأسماك الكبيرة التي
في القصعة، فهي التي أدركت أباك وأكلته، فإنّ ثأرك عندها ! " .