سير قديسين
الأنبا أغاثون
سيرته الرهبانية:
كان أغاثون القديس حكيما في معرفته حريصاً على إتمام الوصيا، بسيطا فى جسمه وكفئا فى كل الأمور في عمل اليدين وفي طعامه وفي ملبسه.
حكمته:
قيل عن القديس الكبير أنبا أغاثون:
ان أناساً مضوا اليه لما سمعوا بعظم افرازه وكثرة دعته. فأرادوا أن يجربوه فقالوا له: أأنت هو أغاثون الذي نسمع عنك أنك متعظم؟ فقال: نعم الأمر هو كذلك كما تقولون. فقالوا له: أأنت أغاثون المهذار المحتال؟ قال لهم: نعم أنا هو. قالوا له: أأنت أغاثون المهرطق؟ فأجاب: حاشا وكلا: أني لست مهرطقاً فسألوه قائلين: لماذا احتملت جميع ما قلنا لك ولم تحتمل هذه الكلمة؟ فأجابهم قائلاً: ان جميع ما تكلمتم به علي قد اعتبرته لنفسي ربحاً ومنفعة الا الهرطقة لأنها بُعد عن الله. وانا لا أشاء البُعد عنه. فلما سمعوا عجبوا من افرازه ومضوا منتفعين.
+ اعتاد أنبا يوسف أن يقول:
لما كنا جالسين مع أنبا بيمين ذكر أنبا أغاثون فقلنا له
أنه رجل حديث السن، فلماذا تدعوه أبا؟) قال أنبا بيمين
ان فمه هو الذي جعله يدعي أبا)
+ قال الشيوخ الذين كانوا في مصر لأنبا ايليا ان أغاثون كان رجلاً عظيماً فقال لهم الشيخ:
(من جهة حداثته، كان رجلاً عظيماً في جيله، لقد رأيت في الاسقيط شيخاً استطاع أن يحجز الشمس عن مسلكها في السماء مثل يشوع بن نون: (ولما سمعوا هذا تعجبوا ومجدوا الله).
صمته:
أخبروا عن الأنبا أغاثون: انه وضع في فمه حجرا ثلاث سنين حتي أتقن السكوت.
محبته:
+ قال: اني مارقدت قط وأنا حاقد علي انسان ولاتركت انسانا يرقد وهو حاقد علي حسب طاقتي.(أف26:4)، (رو8:12).
+ وقال أيضاً: إن أنا ربحت أخي فقد قربت قربانا.
+ قال أنبا يوسف: أن أخا جاء الي أنبا أغاثون فوجد معه مسلة خياطة (أبرة كبيرة) فأعجب الأخ بها لأنها جيدة. فما كان من الشيخ الا أنه لم يتركه يمضي الا بها.
+ مضي الأب أغاثون مرة ليبيع عمل يديه فوجد انساناً غريباً مطروحاً عليلاً وليس له من يهتم به. فحمله وأجر له بيتاً وأقام معه يخدمه ويعمل بيديه ويدفع أجرة المسكن وينفق علي العليل مدة أربعة أشهر حتي شفي. وبعد ذلك أنطلق الي البرية وكان يقول: كنت أشاء لو جدت رجلاً مجذوماً يأخذ جسدي ويعطيني جسده.
+ حدث مرة أن مضي الي المدينة ليبيع عمل يديه فوجد انساناً مجذوماً علي الطريق فقال له المجذوم: الي أين تذهب؟ قال له: الي المدينة. فقال له المجذوم: أصنع معي رحمة وخذني معك. فحمله واتي به الي المدينة. ثم قال له المجذوم. خذني الي حيث تبيع عمل يديك. فأخذه. ولما باع عمل يديه سأله المجذوم: بكم بعت؟ فقال: بكذا وكذا. فقال له المجذوم: اشتر لي شبكة. فاشتري له. ومضي وباع ثم عاد وقال له المجذوم: خذ لي كذا وكذا من الأطعمة فأخذ له. ولما أراد المضي الي قلايته قال له المجذوم: خذني الي الموضع الذي وجدتني فيه أولا. فحمله ورده اليه. فقال له الرجل:
(مبارك أنت من الرب الهنا الذي خلق السماء والأرض). فرفع أنبا أغاثون عينه فلم يراه لأنه كان ملاك الرب أرسل اليه ليجربه.
شعوره بالغربة وبعده عن الأخوة المنحلين:
+ قال ان كان أحد يحبني وأنا أحبه للغاية. وعلمت انه قد لحقتني نقيصة بسبب محبته فاني أقطعه مني وانقطع منه بالكلية.
+ وقيل عنه أيضاً: انه مكث زماناً يبني مع تلاميذه قلاية فلما تمت وجلسوا فيها ظهر له في الأسبوع الأول أمر ضايقه، فقال لتلاميذه: هيا بنا ننصرف من هنا، فانزعجوا جداً قائلين: حيث أنك كنت عازماً علي الانصراف فلماذا تعبنا في بناء القلاية؟ ألا يصبح من حق الناس الآن أن يشكوا قائلين: ان هؤلاء القوم لا ثبات لهم؟
فلما رآهم صغيري النفوس هكذا، قال لهم: ان شك قليلون منهم فكثيرون سوف ينتفعون ويقولون: (طوبي لأولئك الذين من أجل الرب انتقلوا واختبروا كل شيئ). فمن أراد منكم أن يتبعني فليجئ لأني قد اعتزمت نهائياً علي الانصراف فما كان منهم الا أن طرحوا أنفسهم علي الأرض طالبين اليه أن يأذن لهم بالمسير معه.
بساطته:
+ قيل عنه أنه لما كان ينتقل، ما كان يرافقه أحد سوي الجريدة التي كان يشق بها الخوص لاغير – ولما كان يعبر النهر كان يمسك المجداف بنفسه. واذا رافق أخا كان يهيئ بنفسه المائدة لأنه كان مملوءاً حلاوة ومحبة ونشاطاً.
تدقيقه في حياته (نقاوته):
قيل عنه أنه اذا تصرف في أمر وأخذ فكره يلومه كان يخاطب نفسه قائلاً: يا أغاثون، لا تغفل أنت هكذا مرة أخري.. وبذلك كان يسكن قلبه. وقال أيضاً: ان الراهب هو ذلك الانسان الذي لا يدع ضميره يلومه في أمر من الأمور.
أمانته:
+ أتاه أخ مرة يريد السكني معه وقد أحضر معه قليلاً من النطرون وجده في الطريق أثناء مجيئه. فلما رآه الشيخ قال له: من أين لك هذا النطرون؟ قال له الأخ: قد وجدته في الطريق وأنا سائر. فأجابه الشيخ قائلاً: ان كنت تشاء السكني مع أغاثون أمض الي حيث وجدته هناك وضعه.
+ وحدث مرة بينما كان سائراً مع تلاميذه أن وجد أحدهم جلبابا أخضر في الطريق. فقال له: يامعلم: هل تأذن لي أن آخذه؟ فنظر اليه الشيخ متأملاً وقال: هل تركته؟ فقالا: لا. فقال له الشيخ: وكيف تأخذ شيئاً ليس لك؟
قناعته:
قيل عن الأنبا أغاثون والأنبا آمون: أنهما لما كانا يبيعان عمل أيديهما كانا يقولان الثمن مرة واحدة. وما كان يعطي لهما يأخذانه بسكوت، كذلك اذا احتاجا لشئ يشتريانه كانا يقدمان المطلوب منهما بسكوت ولا يتكلمان.
عدم الأدانة:
+ كان من عادة أنبا أغاثون اذا رأى أمراً أو عملاً وأراد فكره أن يدين هذا العمل او يحكم عليه أن يخاطب نفسه قائلاً: (لا تفعل أنت هذا الأمر) وبهذه الطريقة كان يهدئ قلبه ويحفظ السكوت.
+ مرض دفعة أنبا أغاثون وأحد الشيوخ واذ كان كلاهما يرقدان في القلاية، كان أخ يقرأ لهما سفر التكوين، ولما وصل الي الموضع الذي قال فيه يعقوب لأولاده: "يوسف مفقود، وشمعون مفقود، وبنيامين تأخذونه..لكي تنزلوا شيبتي بحزن الي الهاوية" (تك 42: 36-38) أجاب الشيخ قائلاً: "أواه يا يعقوب. ألم يكفيك العشرة أولاد؟" قال أنبا أغاثون:"احفظ السكون أيها الشيخ، اذا كان الرب قد دعاه باراً، فمن ذا الذي يدينه؟".
تحفظه الي النهاية:
هذا القديس كان متحفظاً جداً اذ كان يقول: "بغير تحفظ كثير لا يقدر أحد أن يصل الي الفضيلة". وقيل عنه أنه لما كان عتيداً أن ينطلق الي الرب مكث ثلاثة أيام وعيناه مفتوحتان ولا يتحرك. فأقامه الأخوة وقالوا له: يا أبانا أنبا أغاثون: أين أنت؟! فقال: انا واقف أمام عرش القضاء الالهي! فقالوا له: أتفزع أنت أيضاً؟! فأجابهم قائلاً: "علي قدر طاقتي حفظت وصايا الله. ألا أنني انسان. من أين أعلم ان كان عملي أرضي الله؟" فقالوا له: ألست واثق بأن عملك مرضي عند الله؟ فقال الشيخ: "لن أثق دون أن ألقي الله لأن حكم الناس شئ وحكم الله شئ آخر". فطلبوا منه أن يكلمهم كلمة تنفعهم. فقال لهم: اصنعوا محبة. ولا تكلموني لأني مشغول في هذه الساعة. وللوقت تنيح. فأبصروا وجهه كمن يقبل حبيبه.