الديمقراطية والنهي عن المنكر
ايلاف - منذ 3 دقيقة
عدة حوادث اعتداء وحرق نفذها إسلاميون متطرفون في تونس، يعتقدون أنهم بسقوط نظام بن علي أصبحوا أكثر حرية في التعبير عن غضبهم مما يعتبرونه منكرات دينية. وكذلك الذين يعتقدون أنهم يعيشون حرية حقيقية بسقوط نظام بن علي الذي كان يمنعهم من إطلاق محطات تلفزيون وإصدار صحف وبث أفلام، ضمن سياسة التضييق على الحريات.
سقطت دولة بن علي البوليسية وهذه النتيجة، محطة تبث أفلاما تنكأ فتنة دينية، ومشاهدون لا يقدمون شكواهم لقسم البوليس، بل يضرمون النار بأنفسهم في بيت خصمهم، وتونس على موعد بعد أسبوع مع أول انتخابات تشريعية.
في مجتمع يحبو للخروج من عهد قديم، بدأ تمرينه على التعبير والتصويت، من الطبيعي أن يغني للحرية كل على طريقته.
التحدي أمام متعهدي المرحلة الانتقالية، وهم العسكر هنا وفي مصر، حفظ الأمن ومنع مد اليد وفرض مبدأ الاحتكام للقضاء. فبعد الكبت الطويل الذي ميز الحكم البوليسي لزمن بن علي، يبدو غريبا أن تشتبك الفئات التي كانت مقموعة مع بعضها، وليس أن تشتبك مع خصومها من بقايا النظام السابق. ونحن هنا نشهد كيف هب الجميع ينتقدون متطرفي السلفية، بمن فيهم أتباع حزب النهضة الإسلامي، وهم على حق، لكن عليهم ألا ينسوا أنهم من بدأ مفهوم الملاحقة والتضييق على الآخرين. الجميع متحمس لصياغة المجتمع بالطريقة التي يريدها هو، كما كان يفعل بن علي من قبل، بما يناقض مفهوم الحرية والديمقراطية.
الحماس المتقد لممارسة الحرية لا يعكس ممارسة الديمقراطية، فالمسؤولون في النظام التونسي الجديد يشتكون من ضعف إقبال الناس على تسجيل أسمائهم في كشوفات الناخبين. وحتى منتصف أغسطس (آب) الماضي لم يسجل سوى نصف التونسيين أسماءهم. والمشكلة أن نظام الانتخاب المعتمد في تونس فيه من التعقيد ما اضطرني إلى الاستعانة بصديق تونسي حتى يشرحه لي، وبقي معقدا. والغريب أن قلة إقبال المواطنين على تسجيل أسمائهم يقابله تزاحم على تأسيس الأحزاب، فهناك مائة وعشرون حزبا يقابلها عشرة آلاف مرشح. فهل هي فوضى، أم حماس المبتدئين، أم حاجة المجتمع؟ في الولايات المتحدة خمسون حزبا تقريبا، بما فيها الحزب الشيوعي والحزب النازي، وفعليا لا ينتخب أغلبية الشعب هناك سوى حزبين. وفي فرنسا نحو عشرين حزبا بينها اثنان ينتسبان للتروتسكية الشيوعية المتطرفة. وفي بريطانيا أم الديمقراطية المعاصرة، لا يتجاوز عددها ستة عشر حزبا، بما فيها القومي العنصري، وشين فين الانفصالي.
طبعا، لا أستطيع أن أنكر على التونسيين أن يؤسسوا من الأحزاب ما يريدون التعبير من خلاله، لكن من المفيد التوضيح أن عدد الأحزاب المسجلة في تونس، بسكانها العشرة ملايين نسمة، يفوق ما في فرنسا وبريطانيا وأميركا مجتمعة!
وأستعير ما قاله السياسي المخضرم منصف المرزوقي: «الناس هنا يعتقدون أن الثورة هي كبسة زر تنقلك من الظلمة إلى النور، لكن الأمر ليس بهذه البساطة»، فعلا الأمر ليس بهذه البساطة، فالديكتاتورية متطلباتها أهون من الديمقراطية، لأنها تعبر عن رغبة فرد أو فريق واحد فقط.