ماذا عن اليوم الأخير..
في اليوم الأخير يحضر جميع الناس أمام الديّان، فيدعو الأبرار للقيام عن اليمين والأشرار عن يساره. ويشبّه الأبرار بالخراف لوداعتها لأنّها لا تؤذي أحدًا، ولصبرها وتحمّلها أذيّة الآخرين بدون مقاومة. ويشبّه الأشرار بالجداء التي تتّصف برذائل عدّة منها التقلّب والانفعال والعُجب والكبرياء والميل إلى المشاكسة والمقاتلة. ويقارن القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم بين مجيء المسيح الأوّل عبر تجسّده ومجيئه الثاني في يوم الدينونة قائلاً: "ظهر المسيح في مجيئه الأوّل متواضعًا، لكنّه يظهر في مجيئه الثاني ظهورًا مختلفًا، إذ يوبّخ ويستوي على كرسيّ مجده".
يدعو المسيح أوّلاً الذين عملوا الصالحات بـالقول "يـا مبـارَكي أبـي"، ثـمّ يزجر الذين عملوا السيّئات بقوله "يا ملاعين". والمسيح توجّه للصالحين أوّلاً لأنّه يفضّل الصلاح ويكرّه الشرّ، ولو كان المسيح يسرّه فعلاً معاقبة الخطأة لما سلّم نفسه من أجلهم. لكنّ المسيح عندما توجّه إلى الذين كانوا عن اليسار بالقول "اذهبوا عنّي يا ملاعين" لم يكن يلعنهم، على حدّ قول الذهبيّ الفم، بل لأنّ أفعالهم قد لعنتهم. وثمّة أمر هامّ وهو أنّ الله قد أعدّ الملكوت للأبرار منذ إنشاء العالم، أمّا النار الأبديّة فقد أعدّها "لإبليس وملائكته". وهذا يعني أنّ الله يريد أن يخلص جميع الناس لذلك أعدّ لهم الملكوت. لكن مَن لا يرغب من الناس بالخلاص يكون قد اختار الابتعاد عن الله والارتماء بأحضان الشيطان، فمأواه إذًا النار الأبديّة المعدّة "لإبليس وملائكته".
وأمثال عدّة للربّ يسوع عن الدينونة. منها ما قاله الربّ عن الساعة: "أمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد، لا ملائكة السموات ولا الابن، إلاّ الآب وحده" (متّى 36:24). يقول القدّيس الذهبيّ الفم إنّ المسيح قال هذا ليُظهر أنّه سيعود فجأةً في وقت لا يتوقّعه أحد، إذ يكون الكثيرون متنعّمين بالرخاء. ويستشهد ببولس الرسول الذي يقول: "حين يقول الناس: سلامٌ وأمان، يأخذهم الهلاك بغتةً كما يفاجئ المخاض المرأة الحامل" (تسالونيكي الأولى 3:5). تجدر الإشارة إلى أنّ الرسول هنا لا يقول إنّه سيكون سلام وأمان، بل يشير إلى كون الناس حين يغوصون في ملذّاتهم يتوهّمون أنّهم يحيون في سلام وأمان، بينما السلام والأمان الحقيقيّان يكونان في العيش بحسب كلمة الله.
ثمّ يتابع الإنجيل مقارنًا الساعة بما حدث أيّام طوفان نوح، فيقول: "وكما حدث في أيّام نوح فكذلك يحدث عند مجيء ابن الانسان. كان الناس في تلك الأيّام التي سبقت الطوفان يأكلون ويشربون ويتزاوجون، إلى يوم دخل نوح الفُلك. ولم يشعروا حتّى جاء الطوفان فأغرقهم كلّهم. وهكذا يحدث عند مجيء ابن الإنسان" (متّى 37:24-38). و لا بدّ لنا أن نتذكّر أنّ الربّ يسوع لم يحرّم الأكل والشرب والزواج، بل شاء أن نفعل روحيًّا ما نفعله جسديًّا، كي يصبح جسدنا جسدًا لسكنى الله فيه. هنا أراد المسيح أن يقول إنّ انغماس الناس بالاستهلاك وانشغالهم بــشهـواتـهم ونـسيانـهم العمـل من أجل خلاصهم سيجعل خاتمتهم كخاتمة معاصري نوح.
متى تأتي الساعة؟ يجيب المسيح بالقول إنّها ستأتي بغتة: "اسهروا، لأنكم لا تعرفون أيّ يوم يجيء ربُّكم. واعلموا أنّ ربّ البيت، لو عرف في أيّة ساعة من الليل يجيء اللصّ، لسهر وما تركه ينقب بيته. فكونوا أنتم أيضًا على استعداد، لأنّ ابن الإنسان يأتي في ساعة لا تفكّرون فيها" (متّى 42:24-44). يقول القدّيس هيلاريون أسقف بواتييه مفسّرًا هذا النصّ: "يريد المسيح أن يعلّمنا أنّ لجهلنا موعد عودته منافع، يحثّنا على السهر للعمل بوصاياه. علينا أن ننشغل بالصلاة الدائمة لنتدارك تسلّل السارق. لذلك يحسن بنا أن نكون مستعدّين. جهلنا موعد مجيء المسيح يجب أن يحثّنا على التيقّظ، إذ ننتظر مجيئه بتلهّف..
امين