الانتصار في صليب المسيح
اشترى الفلاح طائراً من السوق فرخاً صغيراً على أنه دجاجة من سلالة كبيرة الحجم. ومرّت الشهور والطائر يلتقط الحبوب مع الدجاج. وبعد زمان مر بالمكان أحد علماء الحيوان، وتعجب جداً إذ عرف أن هذا الطائر نسر، ولكن من المُذهل أنه يعيش مع الدجاج دون طيرا ويلتقط الحبوب. ولما أراد العالم أن يشتري النسر من الفلاح أجابه الفلاح بسخرية أنه فرخة وليس نسر. ولكن الخبير أصر على أن الطائر نسراً. وفي فجر اليوم التالي ربط العالم رجل الطائر الكبير بحبل وذهب به في صُحبة الفلاح إلى قمة الجبل، وأدار عيني الطائر نحو أول شعاع شمس وهبت الريح فقذف العالم بالطائر إلى أعلى بقوة، ولكن الطائر سقط على الجبل دون أن يحرك جناحيه. وسخر الفلاح قائلاً: ألم أقل أنها فرخة. ولكن مرة أخرى كرر العالم نفس الشيء، وفي الجو بدأ الطائر يحرك جناحاه الكبيرتان .. فإذ هو نسر .. نعم لقد تذّكر أنه نسر فحلق بقوة إلى أعلى حتى كاد أن يختفي عن أعينهما. إن هذا النسر قد فقد الثقة، وعاش كالدجاجة يعاني بما نسميه الشعور بالنقص أو صغر النفس.
صديقي .. صديقتي:
إن هذا النسر يذكرني بإسحق واتس الإنجليزي الجنسية الذي عاش حتى صار شاباً يبلغ من العمر 25 سنة وهو يتمنى الموت لنفسه رغم نجاحه الدراسي ونبوغه في الشعر،لأجل قصر قامته وقلة حجمه مما جعله يكره المرآة لأنها تذكره بجروح نقصه وصغر نفسه ولا سيما أن أصدقاؤه ظلوا ينادوه بالدكتور إسحق واتس الصغير .. آه "الصغير" ، كلمة كالسكين في داخله. وعندما حاول إسحق واتس أن يخرج من حزنه الدفين تقدم لخطبة اليزابيث سنجر الشقراء ذات العينين الزرقاويتين فرفضته باعتباره قزماً معتل الصحة وتزوجت براعي أغنام يكبره بثلاثة عشر عاماً فازداد الجُرح نزيفاً واعتلت صحته أكثر وخرجت مئات القصائد التي تُعبر عن التشاؤم واليأس .. حتى قارب الموت فدعاه أبوه ليحضر الكنيسة يوم الأحد؛ وكان المبشر يعظ عن الصليب الذي في دماه يُغمس خشب الأرز والزوفا والقرمز فيتلونوا باللون الأحمر (شريعة تطهير الأبرص لاويين 4:14) . بل أن هذه الأشياء الثلاثة لا تُغمس فقط في الدم فتموت عند الصليب بل ويجب أن تُحرق أيضاً كما في شريعة البقرة الحمراء (عدد 9:19) . وفهم إسحق واتس المعنى فالأرز صورة للكبرياء والزوفا صورة لصغر النفس والشعور بالنقص والقرمز صورة لكل شهوات وملذات العالم .. الكل يموت ويحترق في صليب المسيح .. وعند الصليب انفتحت عينا إسحق واتس الداخلية ورأى المصلوب .. وعند الصليب طرح الزوفا .. فاحترقت بل لقد تلاشى في الحال شعوره بأنه قزم .. وعرف أن الله رضي عنه في كمال المسيح وعمله، وأنه يستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويه (فيلبي 13:4) .. فهو نسر وليس فرخة. وفي طريقه إلى المنزل شعر الدكتور واتس لأول مرة في حياته بقوة المسيح (2 كورنثوس 9:12) وقبل أن يصل للبيت كان يكتب أول ترنيمة يقول مطلعها:
هيا انظروا مجد الحمل , فكل نقائصي احتمل , عندما قال قد كمُل , عظموه ففيه وحده الأمل.ومن هذا اليوم .. ترك النسر العيشة مع الدجاج، وأخذ يحلّق في أجواء السماويات فكتب 400 ترنيمة جُمعت في عام 1707 في كتاب "أغاني روحية" كلها ترانيم رائعة، ولكن لم ولن ينسى المؤمنون الترنيمة التي كتبها الدكتور واتس وتُرجمت إلى أغلب لغات العالم وترنم بها وأحبها الملايين عبر الثلاث قرون الماضية والتي يقول مطلعها:
حين أرى صليب من ,قضى فحاز الانتصار ربحي أرى خسارة,وكل مجد الكون عار
رقد الدكتور واتس في عام 1748م , حيث دفن جثمانه بجوار يوحنا بنيان, وجون وسلي
وقد أقيمت له الكثير من النُصب التذكارية في ميادين انجلترا. ولكن وبعد 140 عاماً من رقاده وفي صباح يوم أحد في ربيع 1888 كان الكاتب الملحد الكبير " ماتيو ارنولد " يزور شقيقه في مدينة ليفربول, وكانبالمبشر "دان مكلارين "يُقدم عظة عن " ظل الصليب " في نفس المدينة.
وكان " ماتيو ارنولد " من بين الحاضرين, الذين سمعوا تلك الكلمات في صليب المسيح بل في المسيح المصلوب فقط لنا السلام. وعندما رنمت الكنيسة الترنيمة الشهيرة (( حين أرى صليب )) كان ارنولد يجهش في توبة وبكاء وهو يطرح كل إلحاده وخطاياه عند الصليب .