من هو الإنسان.. ؟
سنحاول الإجابة على هذا السؤال في ضوء العلوم الإنسانية أولاً ، ثم في ضوء الإيمان المسيحي ثانياً .
العلوم الإنسانية وخاصة علم النفس تقول لنا : الإنسان كائن منقسم لا يمكن توحيده على الإطلاق ، فهناك انقسام بين الرجل والمرأة ، وانقسام بين الفرد والمجتمع ، وانقسام داخل الفرد الواحد بين الوعي واللاّوعي . فاللاّوعي الإنساني مهما حاولنا امتلاكه يبقى خارج سلطة الإنسان ويتحكم في غالبية تصرفاته ؛ الإنسان وليد الماضي القابع في لاوعينا . إن هذا اللاّوعي يقودنا ويتحكم في تصرفاتنا دون وعي منّا ، هذا ما عبّر عنه بشكل رائع القديس بولس عندما قال : " إن الخير الذي أريده لا أفعله ، والشر الذي لا أريده إيّاه أفعل " .
الإنسان في نظر العلوم الإنسانية ، مدعو إلى الأنسنة ، وهو لا يمكنه أن يتقدم في إنسانيته ، لا يمكنه أن يصبح إنساناً إلاّ من خلال القانون ، فالقانون وُضع لكي يسمح للإنسان أن يصبح إنساناً ، لكي " يتماهى " مع التصورات والصور التي يقدمها له المجتمع عن ماهيته ؛ فالطفل ، على سبيل المثال ، لكي يصبح إنساناً عليه أولاً أن يصبح إما رجلاً وإما امرأة ، عليه أن يتماهى مع التصور والصور التي يقدمها له المجتمع من خلال والديه عن كل من الرجل والمرأة . وعليه فالقانون وُضِع من أجل الفرد وليس ضده ، وضع لكي يفتح أبواب المستقبل أمام الإنسان .
والكتاب المقدس إذ يعرض علينا الوصايا العشر ( القانون ) فلكي يفتح المجال أمام الإنسان ليختار الطرق التي يريدها من أجل أن يتقدم في مسيرته الإنسانية والروحية ، فالقانون يسمح للإنسان أن يميّز بين الوسيلة والهدف في الحياة . ( جُعل السبت للإنسان ، لا الإنسان للسبت ) . تكشف لنا العلوم الإنسانية أن الإنسان ، ليس حراً بطبيعته، إنما هو مدعو إلى الحرية ليصبح إنساناً . إنه في الحقيقة عبد لأمور كثيرة ، الرغبة في التسلط ، المال ، الجنس، عبوديته للآخر 000 كل هذه العبوديات تقود ، في نهاية الأمر ، إلى عبودية أساسية هي عبودية الذات ( الأنانية ) . فعندما يكون الإنسان عبداً لأي أمر كان فلأن هذا الأمر ينبع من ذاته وبالتالي لا يكون حرّاً أمام عدم تلبيته هذا الأمر . الإنسان في الحقيقة ، عبد لذاته . والحرية الحقيقية التي نحن مدعوون إليها كبشر وكمسيحيين خاصة هي الحرية تجاه الذات . هذه الحرية هي مسيرة لا تنتهي يعيشها الإنسان ويناضل من أجلها طوال حياته ، وهي التي تعطي المعنى لحياته . هذه الحرية تتم بمقدار ما أخرج من ذاتي للقاء الآخر ، أو بمعنى ثانٍ ، هذه الحرية تكمن في أن أجعل الآخر محور حياتي بدلاً من أن أكون أنا محوراً لذاتي ، لأن هذه الحالة الأخيرة تعني ، بكل بساطة ، الموت .