تُبيِّن إحصائية لمنظمّة الصّحة العالميّة أنّ ما يقارب من 46 مليون امرأة تُجهِض سنويّاً، تتراوح أعمارهنّ بين سِنّ
15 إلى 44. هذا العدد يمثّل 22% من 210 ملايين حالة حَمل سنويّاً، أي ما يعادل 26 مليون إجهاض رسمي و20 مليون إجهاض غير رسمي. كما أكّدت هذه الإحصائية أنَّ قياس معدّل الإجهاض في الدُّول التي تمنع ممارسته من أصعب الأمور، وتدخل عوامل كثيرة غير مباشرة في الإحصائيّات لا تجعلها تبدو بالدِّقة المطلوبة.
في مصر على سبيل المثال تُجهِض 23 امرأة في ألف حالة حَمل حسب تقرير منظمّة الصّحة العالميّة. أمّا في أمريكا فنسبة الإجهاض 39 من الألف حالة حَمل. كما أظهرت التّقارير نُدرة الإجهاض بين المتزوّجات فهي تمثّل ثمانية حالات من الألف، إلاّ أنَّ الكارثة تتّضح عند غير المتزوّجات حيث تصل نسبتهنّ إلى 75حالة إجهاض من الألف حالة، بمعنى آخَر أنَّ 78% من النّساء اللاتي يُقدِمنَ على الإجهاض غير متزوِّجات.
لكن! ما هو الإجهاض؟ وماهي أنواعه؟:
تعريف: هو إلقاء الحَمل ناقص الخَلق أو ناقص المُدّة، سواء من المرأة أو من غيرها. أي بمعنى آخَر خروج الجنين من الرّحم قبل اكتمال نموّه في وقت لا يستطيع العيش خارج الرّحم، أي قبل بداية الشّهر السّادس، أو قبل 21 يوم من بدء الحَمل.
أنواع الإجهاض:
1. الإجهاض التّلقائي (Spontaneous abortion): ويُسمّى أيضاً إسقاط الحَمل، أي أنَّه إجهاض طبيعي يحدث تلقائيّاً بدون أيّ تدخّل خارجي. مُسبِّباته داخليّة محضة تتعلّق بأمراض تصيب الأُمّ الحامِل. وهو يحدث خلال الأشهر الثّلاثة الأولى من الحَمل. ولهذا النّوع حالات مختلفة مثل:
- الإجهاض المُهَدَّد (Threatened abortion): تكون كمية الدّمّ قليلة فيه وعنق الرَّحم مُغلَق في 20% من حالات الحَمل.
- الإجهاض المُحتَّم (Inevitable abortion): وفيه تتمزّق الأغشية ويتوسّع عنق الرَّحم.
- الإجهاض غير المُكتَمِل أو غير الكامل (Incomplete abortion): يكون فيه النّزيف ثقيلاً وبقايا من المشيمة موجودة في الرَّحم.
- الإجهاض الكامل (Complete abortion): يكون فيه عنق الرَّحم مُغلَقاً والدّم قليل وقد يتوقّف.
- الإجهاض الفائت أو المخفي (Missed abortion): وهو الذي يكون فيه الجنين مَيت لمدّة شهرين أو أكثر.
2. الإجهاض المُفتَعَل (Artificial) أو المُحرَّض (Induced): ويمكن أن نطلق عليه اسم الإجهاض الجنائي. يتمّ الإجهاض هنا بعد استخدام مُحرِّض لتفريغ رَحم الحامل من محتوياته باستعمال وسائل مختلفة، وأهميّته بالغة إذ قد تبدأ المرأة بعملية الإجهاض مستخدمة أيّ من الطُّرُق الشّائعة المذكورة أدناه، ثمّ تذهب إلى الطّبيب وكأنّ إجهاضها مُحتّم وتلقائي.
هذه الطُّرُق كثيرة ومنها: - حَمل شي ثقيل أو استعمال الدُّش المهبلي السّاخن والرّياضة العنيفة، وهذه كُلّها لا تُجهِض المرأة إلاّ إذا كان لديها استعداد للإجهاض لأسباب أُخرى.
- العقاقير الطّبيّة ولها أنواع متعدّدة، مثل مُنظِّمات الطَّمث التي تحتوي على هرمونات المبيض وبعضها يمكن تعاطيه لإنزال الدَّورة والحَمل في مراحله الأولى. وعقاقير أُخرى تعمل على انقباض عضلة الرَّحم مثل التّحاميل المهبليّة المُستَخدَمة لتحريض الولادة. هناك أيضاً الأدوية المُسهِلة التي تؤثّر على حركة الأمعاء. وأدوية أُخرى تُستعمَل لبعض أمراض المعدة، وتعمل على إثارة عضلات الرَّحم مُسبِّبة تقلُّص شديد بالرَّحم وتؤدّي إلى الإجهاض.
وقد تنبَّهت وزارة الصّحة وتنبّه الأطّباء إلى سهولة تداول بعض هذه العقاقير، فتمّ التّنبيه على عدم صرفها إلاّ بضوابط ووصفات رسميّة. ومن مضاعفات الإجهاض المُفتَعَل، حدوث صدمة عصبيّة يُسبِّبها دخول جسم غريب إلى عنق الرَّحم ونزف شديد، نتيجة تمزُّقات في جدار الرَّحم أو لعدم تفريغ محتوياته بشكل كامل وبطريقة سليمة، كما قد يحدث تلوُّث في المهبل والرَّحم وقناة فالوب نتيجة استعمال أدوات غير مُعقَّمَة.
3. الإجهاض العِلاجي المَشروع (Legal Therapeutic): هذا النّوع من الإجهاض مسموح به في حدود ضيّقة جدّاً. وهو إجهاض يلجأ إليه الطّبيب للحفاظ على حياة الأُمّ، عندما تصاب بحالات مرضيّه محدودة ومعروف استحالة علاجها مع استمرار الحَمل، وقد تؤدّي إلى وفاة الأُمّ لو استمرَّ حَملها. وهنا علينا الانتباه إلى أنَّ الحالات المرضيّة المَعنيّة باتت قليلة جدّاً وذلك بسبب تطوُّر الطّبّ العلاجي، فصار بإمكان الطّبّ علاج الكثير من الأمراض المُستعصِيَة التي كانت تؤدّي إلى وفاة المرأة الحامل، كأمراض القلب. ومع تقدُّم الطّبّ وتطوُّره صار بالإمكان إجراء عمليّات القلب للمرأة الحامل أثناء فترة حَملها، مثل جراحات القلب المفتوح وتوسيع الصّمّامات. عدا حالات معيّنة يصعب علاجها ومعروف بأنَّها تحمل معدّل وفيّات عالي بين الأُمّهات كارتفاع الضّغط الرِّئوي الأوّلي.
والآن، ما هي أسباب الإجهاض؟
هناك عوامل متعلِّقة بالأُمّ: كالالتهابات ومشاكل الغدد الصّمّاء، حدوث إصابة أو صدمة، متلازمة الأجسام المضادّة (Antiphospholipid syndrome)، تعارض فصيلة الدّمّ، بعض الأدوية أو المخدّرات والتّدخين.
أمّا العوامل المتعلِّقة بالجنين فهي: فشل من بطانة الرَّحم لقبول البيضة المُخصّبة، عيوب في نموّ الجنين لوجود شذوذ كروموزومي.
كذلك توجد عوامل متعلِّقة بالمشيمة: كزرع المشيمة في أماكن غير مناسبة في الرَّحم، الانفصال المُبكِر للمشيمة.
العلامات والأعراض:
إفرازات ورديّة لعدّة أيام أو نزيف مهبلي مع أو بدون وجود تشنّجات أو ألم في البطن.
الأمل والعلاج:
يمكن علاج الإجهاض المُهَدَّد (Threatened abortion)، وذلك بأن تُنصَح المرأة الحامل بالرّاحة وتعطى مُثبِّتات للحَمل (هرمون البروجسترون). أمّا بالنِّسبة إلى الإجهاض المُحَتَّم (Inevitable abortion) والإجهاض غير المُكتَمِل أو غير الكامِل (Incomplete abortion)، فالحلّ الوحيد هو توسيع عنق الرَّحم و تنظيفه من محتوياته.
أمّا في الإجهاض الكامِل (Complete abortion)، عادةً ما تطمئِنّ المرأة بعد التأكُّد من خروج كُلّ محتويات الحَمل. أخيراً في الإجهاض الفائت أو المخفي (Missed abortion)، قد يتمّ الانتظار حتى يسقُط الحَمل دون تدخُّل لمدّة معيّنة ثم يُوسّع عنق الرَّحم ويُنظَّف من محتواه.
تعليق على كُلّ ما سبق: إنّ المعرفة بالإحصائيّات السّابقة وبأسباب الإجهاض وأنواعه، تدعو الإنسان للتّوقّف مليّاً عند الأمور التّالية:
1. ينبغي عدم الموافقة على فكرة أنَّ التّشوُّهات الخَلقيّة لدى الجنين تُبيح إجهاضه. لأنّ الموافقة تعني أنّه بالإمكان قتل الطّفل السّليم (بعد ولادته) إذا تعرَّضَ لحادثٍ ما، سبّب له تَشوُّهاً جسديّاً أو عاهةً أو إعاقةً "كالعمى أو الصَّمَم أو بَتر الأعضاء"، وذلك لكي يُرحَم من العذاب؟
2. رفض التّأييد لفكرة إجهاض الجنين في حال كانت أُمّه مُغتَصَبة أو جاء بسِفاح الأقارب. فالتّخلّص من الجنين ليس هو الحلّ الأمثل لإيقاف عمليّات الاغتصاب ولمنع حدوث سِفاح المحارم أو الزّنى. لأنّ الإجهاض في هذه الحالة يصبح حَلاًّ سهلاً للتّخلُّص من نتائج الخطيّة، ويُعّدُّ تستُّراً على فِعل الرّذيلة. بينما الحلّ الأمثل يكون بالقضاء على الخطيةّ والزِّنا من جذورهما، فلا يجوز أن يُصحّح الخطأ بخطإٍ أكبر وأفظع، هذا المبدأ غير سليم ومرفوض من قِبَل المجتمعات.
3. أمّا لمُؤيِّدي الإجهاض في حال سيُؤثِّر الحَمل على صحّة الأُمّ نَفْسها الجسديّة والعقليّة، فإنّ للأطِّباء الكلمة الأخيرة والفاصِلة في هذا الأمر.
الكتاب المقدس والإجهاض :
يُشدِّد الكتاب المُقدّس ويُعلِّق على مكانة الإنسان، وعلى حماية حياته في كُلّ مراحل نموِّه، وعلى ضرورة تسديد مُتطلَّباته واحتياجاته. فيعلِّم أنّ حياة الإنسان بغضِّ النَّظر عن عمره أو شكله ثمينةٌ جدّاً، وهذا ما أدركه النّبي داود وذكره في المزمور 8: 4 - 6 . وهذا يَنطبق على المرأة الحامِل كما على الجنين، لذلك تستحقّ الحياة أن تكون محفوظة ومَحمِيّة، لذلك يطالبنا الله بحِفظ حياة الأبرياء والدِّفاع عنها.
إنّ حياة الجنين تبدأ فوراً بعد التّلقيح، ولها خِطّة إلهيّة وُضِعَت قبل أن تُخلَق، كما يتوضّح لنا ذلك في سِفر إرميا 1: 4 - 5 . كما أنّ الله يؤكِّد منذ البدء موقفه الإيجابي من نحو الإنسان، مزمور 22: 11 .
لقد خَلَق الله هذا الطِّفل غير المولود بَعْد، على صورته ومثاله كما في المزمور 139: 13 - 16 . لذلك يُطالبنا الله بالاعتناء والاهتمام بكُلّ إنسان خَلَقه، وهذا ينطبق على كُلّ مراحل التّطوُّر والاحتياجات.
الحرام والحلال عند الله:
في فِكر الله، لا يوجد طفل يمكن أن يُعتَبَر "إبن حرام" (جاء عن طريق الزِّنا أو السِّفاح). ولا وجود لطفل أتى رُغماً عن والدَيه (كما يعتقد بعض الأهل بأنّ مجيء أحد أبناءهم هو "غلطة"). لذلك حتّى ولَو اعتُبِر هذا الطّفل غير مرغوب به من قِبَل النّاس، فليس هذا ما مهمّاً بل الأهمّ هو رأي الله. فكُلّ طفل هو مرغوب به من قِبَل الله لأنّه خَالقه وهو من أراد له أن يكون في الحياة. فهو لَم يولَد رُغماً عن الإرادة الإلهيّة، بل بموافقة سماويّة. لذلك هو ليس "إبن حرام" أو سِفاح أو زنى، بل هو مقبول ومحبوب عند الله.
لو أخطأتَ أُطلُب غفران الله:
عزيزتي في حال أَجهضتِ نَفْسك أو في حال حرّضكِ زوجكِ على إجهاض نَفْسك، ولَم تكونا تعرفان حقيقة كَون أنَّ الإجهاض خطيّة في نَظَر الله، أُطلُبا الغُفران منه وهو سيسامحكما. فقط عليكما الاعتراف بهذا كما يعلّمنا الرسول يوحنّا في رسالة يوحنّا الأولى 1: 9 . ولا تعودا لفِعل ذلك مرّة أُخرى. الله إله مَحبّة وهو موجود لكُلّ من يطلبه من كُلّ القلب.