افراهاط الحكيم ( 270 م – 346 م)
يعد القديس (افراهاط او فرهاد ) احد اقدم اباء كنيستنا الشرقية يقال انه ولد في نينوى التي كانت وقتئذ تحت الحكم الفارسي
ويلقب بالحكيم نظرا لعمق فكره وغزارة علمه اتخذ لنفسه اسم ( يعقوب ) عندما رسم وخدم رسالته الاسقفية مدة غير قصيرة
في ايام ( فافا الجاثيليق ) والطوباوي مار شمعون بر صباعي . وكان معاصر لافرام الكاتب السرياني وقد مثل مدينته نصيبين
في مؤتمر نيقية وعاش حتى شهد نشوب الحرب بين الرومان والفرس ويقال انه انقذ مدينته نصيبين من الفرس بصلاته.
ولادته:
لاتوجد معلومات دقيقة يعتمد عليها في تحديد مكان وتاريخ ولادته نجد بعض المؤرخين يحددون تارخ ولادته في نهاية
القرن الثالث او بداية القرن الرابع واخرين بعد ازاسط القرن الثالث وهناك من يحدده في سنة ( 270 م) ذو اصل
يهودي نسبة الى الخلفية اليهودية الكتابية والتربوية التى ينبئ عنها اسلوبه المدراشي ليش وثنيا مرتدا كما كان ساندا
في اعتقاد بعضهم ويعتبر افراهاط احد المنتمين الى جماعة ابناء العهد (بعُصَ نَصظَا )كان احد كبار اقطابهم
( الطبيب او المعلم الحكيم ) ومن هنا لقب بالحكيم وعاش في ايام الشاه الفارسي( شابور الثاني 309 م – 379 م )
الذي راح ضحيته (مار شمعون بر صباعي) و ( مار ميلس ) و ( وشاهدوست ) وغيرهم من اعلام المسيحية مع جموع
غفيرة من المؤمنين .
مؤلفاته:
ان الادب السرياني مدين للحكيم ( افراهاط ) بما تركه لنا من كتب تحتوي على موضوعات فكرية ودينية
وقد قال كا من ( عبد يشوع الصوباوي ) في جدوله وابن العبري ( في تاريخ مختصر الدول ) وضع افراهاط
عدة كتب في تعزيز مذهب النصارى ودحض مذهب المجوس فكتابه (لاسرَ صَلاَا ) ومعناها ( البيانات ) بعد اول
كتاب ديني وصل الينا من اجدادنا الكلدان النصارى وكان لمؤلفه المام كبير بالكتب المقدسة وما جاء عنها في
التقليدين اليهودي والمسيحي ويقسم الكتاب الى قسمين: القسم الاول الفه سنة ( 337 م ) ويشتمل على عشرة
مقالات في في الايمان والمحبة والصوم والصلاة والحروب والرهبان والتأبين والقيامة والتواضع والرعاة .
والقسم الثاني : كتب سنة ( 344 م– 345 م) وهو يحوي ثلاثة عشرة مقالة في التطهير والفصح والسبت والتقنيع
وتميز الاكل والامم والمسيح والبتولية وضد اليهود وفي الصدقة والاضطهادات والموت.
ان المخطوطتيين اللتين اكتشفهما ( كيورتن ) تنسبان الى افراهاط ( 23 ) موعظة اما العلماء فاحتاروا في تحديد
صحة اسنادهما فمنهم من انكر صحة نسبة المقالة ( 14 ) الى افراهاط واخرون قالوا انها له . وبعضهم الاخر انكر
صحة اسناد الاخيرة ( 23 ) وهناك رأي يؤيد صحة المقالة ( 23 ) وينسبها الى افراهاط والرابعة عشر ليست له
اما نحن فلانجد اي اشكال في المسألة فالبيانات ( 22 ) كتبها على الاحرف الابجدية اما المقالة (23 ) فيذكر انه كتبها
في سنة (345 م ) كما ورد في الخاتمة . فالبيانات والارشادات او الرسائل او المقالات هذه كتبت على نمط رسائل
موجهة الى شخص اسمه ( غريغور ) طلب منه في المقدمة ان يزوده ببعض الارشادات في الامور الدينية ربما بعد
هذا برهانآ على ان افراهاط كان اسقفا فكل مقالة او بينة تبدأ كما قلنا بحرف من الحروف الابجدية يحدد محلها في
المجموعة اما المقالة الثالثة والعشرون المسماة ( بحبة العنب ) او ( العنيقيد ) تلميحآ الى ما ورد في سفر اشعياء النبي
( 8:65) فهي التي اعطت للاباء من ادم الى المسيح .
وقد اورد افراهاط تاريخ كتابته حيث يقول كتبت هذه المقالات الاثنين والعشرون وعلى شكل بناء هرمي العشر الاولى
الفتها سنة ( 648 م ) للملك( اسكندر بن فيليبس المقدوني 336 م – 337 م ) اما الاثنتا عشرة الاخرى فقد حررتها
في سنة ( 655م ) للملك اليوناني ( 343 م – 344 م ) اما المقالة (23 ) العنونة ( بخصلة العنب ) (شرٌشهلاَا)
فيذكر انه كتبها في لااب سنة ( 345م ) كما ورد في الخاتمة
وقد اكد المؤلفون القدماء صحة نسبة هذا الكتاب الى افراهاط فقد ذكر ( جرجس ) اسقف القبائل العربية في خطاب الى صديق
له سنة ( 714 ) انه علم ان مؤلف هذه المواعظ هو حكيم فارسي غير انه لم لم يخطر بباله انه افراهاط بينما كان الكتاب المتؤخرون ادق بيانا فابن العبري يغرف ان الؤلف هو فرهاد ( افراهاط ) ( وعبد يشوع النصيبيني )يذكر الصبغة القديمة للاسم افراهاط وكذلك اورده ( الياس النصيبيني ) مؤرخ القرن الحادي عشر في تاريخه وتعد هذه الميمر (ظٍا ظـوٍا)
كما كان يسميها كاتبها صورة للعقائد المسيحية والنظام الكنسي في الدولة الساسانية في عصره كما توضح لنا اختلاف الاراء في علم ما وراء الطبيعة في اوائل القرن الرابع الميلادي .
اسلوبه :
يعتبر اسلوب افراهاط نموذجيآ للادب السرياني بما يتضمنه من كلمات وجمل صافية بعيدة عن المفردات الدخيلة ولو
ان هناك من يخالف هذا الرأي فانتشاؤه صحيح الديباجة وسهل الاسلوب غير متأنق طويل النفس الى حد الاملال .
ولكننا نقول ان كان كلامه صافيا ومتحررآ من التأثيرات اليونانية ودليلا امينا على قوانين صناعة النحو ومرجع الكلام
الارامي الاكثر قدما الا انه لم يتمتع بالحلاوة التي وجدت في كتابات بقية المؤلفين في العصر الذهبي امثال(افرام ونرسي
وفيلوكسينوس الميوجي ويعقوب السروجي وايشوعياب الحديابي) .
وسرعان ما ينتقل من نثره الى السجع ويجعل القارىء يشعر بانه يقرأ لصديق حميم ويخاطبه بقلبه وعاطفته واحيانا
يستعمل بعض الصور والمقارنات ويستمد معظمها من الكتاب المقدس فضلا عن الاسهاب والتكرار وحينما يبحث في
الاوقات العصيبة التي عاش فيهما يشعرك ببعض الشدة والخوف من تعريض اهل دينه للاخطار ونظرا للاراء والافلاطونية
التي كانت سائدة انذاك في شأن النفس الحيوانية والنباتية والنفس الروحية والعقلية فقد كان الحكيم افراهاط يزعم ان
الروح القدس الذي يسكن الانسان بعد العماذ يبقى فيه حتى خطيئة الرجل الاثيم او حتى موت الرجل البار بعدها يرجع
الى الالوهية التي خرج منها اما النفس الحيوانية فتدفن مع الجسد بعد الموت.
وحسب التقليد القديم المبني على العدد الرابع من المزمور التسعين كان افراهاط كان يعلم بان العالم يدوم ( 6000 ) سنة
تجاوبا مع الايام الستة للخليقة فهذه الحسابات للسنين المنصرمة منذ الخليقة حتى ايامه تتضمنها بياناته الثانية والحادية
والعشرون والثالثة والعشرون ولا تتفق اعداد البينة الثانية مع اعداد البينة الحادية والعشرون دائما .
وهذا ناتج بدون ريب من اخطاء النساخ. غير ان هذه الحسابات الاراء قبلها بعض الكتاب الذين لحقوه ولكن غيرهم من
المتأخرين وخاصة جرجس اسقف العرب ردوا عليها بشدة واستنكروها اما تعليمه فهو قويم في خطوطه الرئيسية رغم
ما يمتزج به من الافكار السائدة في زمانه.