وهو معروف لدينا
بعيد الظهور الإلهي، لان الثالوث تجلى واضحاً في هذا اليوم ولكن بالنسبة
لما كان يدور فيه أفراح بسلبياتها وإيجابياتها، فنعود إلى المقريزى وهو
غير مسيحي وشهد هذه الأعياد، لأنه لم يكتب هذه التفاصيل مؤرخ مسيحي بحجة
أنها معروفة له آنذاك، ولم يكن يظن أنها ستطلب للمعرفة بعد أيامه .
ويسجل
المقريزى فيقول فيه " .. فصار النصارى يقسمون أولادهم في الماء في هذا
اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا في شدة البرد، ويسمونه يوم
الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم للغاية " .
ويقول مؤرخ آخر هو
المسعودي في كتابه "مروج الذهب ومعادن الجوهر" ولليلة الغطاس بمصر شأن
عظيم عند أهلها، لاهتمام الناس فيها، وهى ليلة الحادي عشر من طوبة .
ولقد
حضرت سنة ثلاثين وثلاثمائة ( الهجري ) ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن
طفج أمير مصر، في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة للنيل،
والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج في جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل،
غيرها أسرج أهل مصر من المسارج والشمع .
وقد حضر بشاطئ النيل في
تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين ومن النصارى منهم في الزوارق ومنهم
في الدور الدانية من النيل، ومنهم على سائر الشطوط، لا يتناكرون كل ما
يمكنهم إظهاره من الأكل والشرب والملابس وآلات الذهب والفضة والجوهر
والملاهي والعزف والقصف .
وهى أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سروراً، ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض وإبعاد للداء" .
ويقول
مؤرخ ثالث اسمه المسيحي : "من حوادث سنة سبع وستين وثلاثمائة ( هجرية ) ، منع
النصارى من إظهار ما كانوا يفعلونه في الغطاس من الاجتماع ونزول الماء،
وإظهار لملاهي، ومؤدى ذلك أن زاد نفي هذه الاحتفالات من الحضر" .
وقال
أيضاً : "في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للهجرة كان الغطاس، فضربت الخيام
والمضارب والأسرة في عدة مواضع على شاطئ النيل، ونصبت أسرة للرئيس فهد بن
إبراهيم النصراني كاتب الأستاذ برجوان، وأوقِدَت الشموع والمشاعل له، وحضر
المغنون والمُهَلِّلون، وجلس مع أهله يشرب .. إلى أن كان وقت الغطاس فغطس
وانصرف" .
وكان سنة إحدى وأربعمائة أن مُنِعَ النصارى من الغطاس، فلم يغطس أحد منهم في البحر .
وكان
الرجال يغطسون في النيل والترع ليلاً بينما كانت النساء يغطسن في الكنائس
في أحواض كبيرة تملأ بالمياه بعيده عن أعين الرجال ومعهم الأطفال والبنات .
وفى صباح اليوم الثاني كانوا يشترون الضأن وينحرونه بهجة وفرح ونذور، وتباع الفاكهة في أيام الفاطميين .
وكان
الخلفاء يشاركونهم فرحتهم هذه ويمرون عليهم في كنائسهم وبيوتهم الكبيرة،
وكانوا ينادون بألا يخالط المسلمون النصارى في نزولهم النيل .
وكانوا يأمرون بإيقاد المشاعل والشموع على حساب الدولة الفاطمية، وتشدد الحراسة في تلك الليلة أثناء الصلوات وأثناء الغطس في النيل .
ومن الفواكه التي كانت تؤكل وتوزع على الناس والفقراء النارنج والليمون وأطنان القصب وسمك البوري .
ومن
هذا الوصف ترى إن الدولة كانت تشارك الأقباط فرحتهم، إلا انه لما زادت
الفرحة إلى أن وصلت إلى حد المساخر، فكان لابد بالطبع أن تؤخذ الأمور
بالحزم .
كل سنة و انتم طيبين