صَدقَ الرّسول بولس حين قال
في رسالة كورنثوس الأولى 15: 17 - 19. فالقيامة هي بالفعل أساس إيماننا المسيحي، وليس الصّليب فقط. في الصّليب مات المسيح عنّا دافعاً ثمن خطيئة كلّ منّا. وحين نقبل موته من أجلنا، نُعلِن أنّنا نقبل فداءه لنا ونقبل الغُفران المجّاني بالإيمان بالنّعمة كما يقول الكتاب المقدّس في رسالة أفسس 2: 8. فالخلاص من دينونة الله الأبديّة لا يتمّ إلاّ بقبول الغُفران الذي لنا في المسيح. الكتاب المقدّس يؤكّد أنّ الصّليب هو قوّة الله التي تُخلِّص كلّ من يؤمن به، حيث يقول الرّسول بولس في رسالة كورنثوس الأولى 1: 18.
الصّليب لم يكُن نهاية القصّة لكنّه فقط الجزء الأوّل منها، لأنّه يتعامل مع خطايا الماضي والحاضر، وأمّا القيامة فهي التي تؤكِّد ضمان المسيح لمستقبلنا الأرضي هنا ولحياتنا الأبديّة. فقد قال المسيح في إنجيل يوحنّا 11: 25 - 26. وقال أيضاً في إنجيل يوحنّا 5: 24. لو قال المسيح إنّه الحياة وإنّه القيامة وإنّ من يؤمن به له حياة أبديّة ثمّ انهزم من الموت، لكان كاذِباً مُدّعِياً. ولكن شكراً لله أنّ المسيح بُعِثَ حَيّاً ليُثبِت صدق كلّ كلمة قالها عن نَفْسه وعن اتِّباعِه. فقد شَهِدَ المسيح عن ذاته لتلاميذه بوضوح قبل أن يموت قائلاً في إنجيل لوقا 9: 22. إنّ القيامة شهادة على صدق كلّ كلمة تكلَّم بها المسيح عن ذاته.
القيامة أيضاً هي اتّحاد بين المسيح وبين كلّ مؤمن به. حين نقبل صليب المسيح ونقبل غفرانه وكفّارته: نؤمن بأنّه هو الذي دفع الثّمن عن كلّ منّا. وحين نقبل قيامته نقبل أن نعيش معه بالإيمان كلّ أيّام حياتنا القادمة، ونقبل أن نُنكِر ذواتنا ونترك السّاحة للمسيح، ليعيش هو فينا ولنعيش نحن به وله بدل أن نعيش لذواتنا. وإنكار الذّات هو الطّريقة الوحيدة التي يمكننا بها أن نعيش وصايا المسيح التي تبدو بالِغَة الصُّعوبة ومثاليّة، بل ومستحيلة للإنسان العادي. فمن هو الذي يمكنه أن يحوِّل خدَّه الأيسر لِمَن يلطمه؟ من يمكنه أن يغفر لأعدائه ويُحسِن إليهم بل ويُصلِّي من أجلهم؟ من يمكنه أن يَغفِر لأخيه سبعين مرّة سبع مرّات كما طلب المسيح من بطرس؟ وأُمور أُخرى كثيرة نشعر أمامها بالضّعف وباستحالة أن تتحقّق. إنّ مفتاح النّصر يَكمُن في فَهمنا أنّ الطّريقة الوحيدة التي يمكننا بها أن نحيا للمسيح ونُتمِّم وصاياه، هي قوّة حياته فينا. يقول بولس الرّسول في رسالة كولوسي 3: 1 - 3. من المستحيل أن نتمكّن من أن نحيا وصايا المسيح ووصايا الكتاب المقدّس ونطلب ما فوق دون أن نقبل قيامته، أي أن نتّحِد به بالكامل في موته وأيضاً في حياته. اتِّحادنا بالمسيح في موته يعني، قبولنا أن يغفر الله لنا على حساب الثّمن الذي دفعه المسيح على الصّليب. واتِّحادنا معه في قيامته يعني قبولنا أن ننكر ذواتنا ونترك قوّة المسيح تعمل وتحيا فينا، مكتوب في رسالة غلاطية 2: 20. حين مات المسيح وقام من الأموات هزم أقوى أعداء الإنسان: الموت. مَن مِنّا يستطيع أن يقف أمام الموت أو يوقفه؟؟ لا أحد. أمّا المسيح فقد انتصر على الموت كما تقول كلمات بولس في {refرسالة كورنثوس الأولى 15: 54 - 56| 54وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ:«ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». 55«أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟» 56أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ}. إذاً باتِّحادنا بالمسيح في قيامته نغلب الخطيّة والموت. القيامة ليست فقط تأكيد على صدق رسالة المسيح، وليست فقط قوّة لنا للحياة الحاضرة والمستقبليّة للانتصار على الخطيّة والموت، ولكنّها أيضاً عُربون للحياة الأبديّة لكلّ من يؤمن بالمسيح، لأنّها تؤكِّد أنّنا نحن أيضاً سنقوم في اليوم الأخير لنحيا مع المسيح إلى الأبد. من اتَّحد مع موت المسيح على الصّليب وقَبِلَ غفران ذنوبه، ثمّ اتّحد مع المسيح في قيامته ليعيش المسيح فيه كلّ يوم، سيقوم في اليوم الأخير ليحيا مع المسيح للأبد، لأنّ المسيح هو أوّل من قام من الأموات ليفتح لنا باب الحياة كما نقرأ في رسالة رومية 8: 11.
لا يمكن أن نرى القيامة يا صديقي بمعزل عن الصّليب، فهي الوجه الآخَر للعُملة. الصّليب غفران لذنوبنا، والقيامة دليل على صدق رسالة المسيح وقوّة يمكننا أن نستمدّ منها طاقة روحيّة كلّ يوم، إذ نَدَعُ المسيح الحيّ يملك في أفكارنا وسلوكيّاتنا. هي أيضاً عربون للحياة الأبديّة المجيدة، التي سنحياها مع الله مثل مسيحنا الملك الذي كان أوّل من قام من الأموات.
حين سأل الابن أباه لماذا يجب أن نؤمن بالمسيح وليس بالأنبياء الآخَرين؟ قال له أبوه: يا بنيّ إن كنتَ ضالاًّ في الطّريق فمَن هو الذي ستسأله أن يهديك ويقودك للطّريق الصّحيح: هل ستسأل الموتى أم الأحياء؟ فقال له الابن: بالطّبع سأسأل الأحياء. فردَّ الأب: يا بنيّ نحن ضالّون وبعيدون عن الله وقد مات موسى وجميع الأنبياء وأمّا المسيح فهو الوحيد الحيّ إلى هذا اليوم، ولذا فهو الوحيد القادر أن يهدينا إلى الله ويقودنا في الحياة كلّ يوم لأنّه هو وحده الحيّ إلى الأبد.