رسائل القديس بولس الرسول مؤلفات وليدة الظروف، كتبها خلال خمسة عشر عاما (ما بين السنة 51 و66)، أجاب فيها على اسئلة الكنائس المؤسسة حديثا وواجه بعض الانحرافات المعينةسواء اكانت انحرافات عقائدية ام اخلاقية فأكمل بذلك كرازته الشفهية.
في الآداب الشرقية القديمة فن خاص معروف بفن " الرسالة" نجده على السواء في العهد القديم موجّهة خصوصا من الملوك والانبياء (الملوك الاول 21: 8-10، الملوك الثاني 5: 5-7، 19: 14، 20: 12، ارميا 29: 1) وفي الآداب المصرية او البابلية او الهيلينية. تبدأ الرسالة بذكر اسم المرسِل يتبعه اسم المرسَل اليه الرسالة, ثم يأتي فعل الشكر(وهو عبارة عن صلاة وجيزة للآلهة), وبعد ان يقوم المرسل باللياقات يعالج المواضيع التي يريد معالجتها، وتنتهي الرسالة بالتمنيات والسلامات. هذه هي الطريقة التي اتبعها بولس في تدوين رسائله بعد ان صبغها بصبغة مسيحية. وعلى حسب العادة القديمة ايضا, لم يكتب بولس رسائله بيده ولكنه أملاها على كاتب رافقه, ومن ثم كان يرسل الرسالة الى الكنيسة بواسطة شخص يثق به.
تكوِّن كتابات بولس الرسول الجزء الاكبر من كتب العهد الجديد, وهي كتابات متجانسة مع مجمل فكره ورسالته والعقيدة المسيحية, ينطلق فيها من واقع الحياة بعد ان يلقي عليه ضوء البشارة الجديدة. المناقبية التي يتحدث عنها لا يبنيها على أسس فلسفية ولكن على الايمان بالله, فالله بالنسبة اليه هو الذي يؤسس التصرفات الخلقية والعلاقات بين البشر.
وجّه بولس مؤلفاته الى الجماعات التي كانت تجتمع لإقامة سر الشكر(القداس الالهي)، وكان المجتمعون يتلونها في اجتماعاتهم. توحي الرسالة الى كنيسة كولوسي (4: 16) بان الكنائس التي كتب اليها الرسول كانت تتبادل رسائله في ما بينها، وتجعلنا نعتقد ان بعض رسائله قد ضاع(انظر ايضا 1 كورنثوس 5: 9). في نهاية القرن الاول ظهرت مجموعة قانونية لرسائل بولس يشير اليها كاتب رسالة بطرس الثانية (3: 15- 16) وايضا القديس اغناطيوس الانطاكي في رسالته الى اهل افسس (12: 2). ترتيب الرسائل في العهد الجديد يعود عموما الى طول الرسالة، والرسائل الموجّهة الى الكنائس تسبق في الترتيب الرسائل الى الاشخاص.
كتب بولس الرسالتين الى كنيسة تسالونيكي حواي العام 51، فكانتا اول نص كامل بين نصوص العهد الجديدو يتناول الرسول فيهما المواضيع الكبرى للكرازة ويعيش راجيا ان يأتي المسيح عاجلا. الايمان الحقيقي موضوعه يسوع القائم من بين الاموات الذي حياته تفعل فينا اليوم وهي أقوى من الخطيئة والموت.
الرسالتان الى اهل كورنثوس, والرسائل الى كنائس غلاطية وفيليبي ورومية, كتبها الرسول حوالي العام 56-58. المسألة المركزية في هذه الكتب هي تبرير الانسان (كيف يصبح الانسان بارا؟) وخلاصه, دون ما ريب ان الانسان يبرَّر بالايمان بيسوع المسيح ربا ومخلصا. فاذا ما اتحد الانسان مع المسيح بالمعمودية فهو ينتقل من الموت الى الحياة. الخلاص اذاً لا يتم باعمال الشريعة, بل في يسوع المسيح المصلوب والقائم من بين الاموات الحاضر دائما في كنيسته بروحه القدوس يعمل فيها عن طريق كلمته واسراره.
الرسالتان الى كنيستي كولوسي وافسس والرسالة الى فيلمون كتبها حوالي 61-63,ارسلها بولس وهو سجين في رومية, ولذلك تدعى هذه الرسائل " رسائل الأسْر". ما يكشفه في هذه المرحلة هو المكانة التي يحتلها المسيح في الكنيسة والتاريخ والعالم. ففي المسيح, تصالح العالم كله مع الله ذلك انه الابن الذي حلّ فيه كل ملء اللاهوت جسديا, وبه وله خُلق كل شيء, وتستمد حياة العالم منه معنى جديدا. يرى بولس (او واحد من تلاميذه) في هذه الرسائل ايضا ان بناء الكنيسة عمل لا نهاية له, فالجسد (وهو صورة للكنيسة) دائم النمو, والرباط بين العريس والعروس (وهو صورة اخرى للكنيسة) هو رباط حي لا يعرف الجمود.
كتب بولس الرسائل الرعائية (الرسالة الى طيطس, والرسالة الاولى والثانية الى تيموثاوس) قبل العام 67 او كتبها تلميذ بعد موته متناولا وصيته الروحية. الاهتمام واحد في هذه الكتب: تنظيم الكنائس والمحافظة على وديعة الايمان مستقيما. وبفضل ما ذكرَتْه من اناشيد تمكننا هذه الرسائل من الاتحاد بتسبيح الكنيسة الاولى (تيموثاوس 2: 5 – 6 و 3: 16 و6: 15 – 16, 2 تيموثاوس 2: 8 – 13).
الرسالة الى العبرانيين هي بحقيقتها عظة (13: 12) دونها تلميذ للرسول حوالى العام 70 ووجهها الى بعض المسيحيين من اصل يهودي كانوا قد تركوا حماسهم الاول وهم يتوقون الى احتفالات العبادة اليهودية. يقوي الكاتب هؤلاء الاخوة ويدعوهم الى ان يكملوا مسيرة ايمانهم التي مضمونها يسوع المسيح الكاهن العظيم الذي دخل قدس الاقداس مرة واحدة والى الابد, وفتح للعالم السبيل نهائيا بعد ان ابطل كل الطقوس بذبيحته الخلاصية التي اسقطت كل الحواجز والذبائح القديمة ووهبت الغفران للعالم كله.
بولس الرسول هو قائدنا اذا قرأناه قراءة شخصية كلية ودراسية, وهو مرشدنا الى عمق فكر المسيح.