ولد هذا البار سنة 251م في بلد قمن من والدين غنيين محبين للكنائس والفقراء ،
فربياه في مخافة الله . ولما بلغ عمره عشرين سنة ، مات أبواه فكان عليه أن يعتني
بإخته . وحدث أنه دخل الكنيسة ذات يوم فسمع قول السيد المسيح
(( أن أردت أن تكون كاملا ً فإذهب وبع أملاكك واعط للفقراء فيكون لك كنز
في السماء وتعال اتبعني )) فعاد إلى بيته مصمماً على تنفيذهذا القول واعتبره
موجهاً اليه في توزيع أمواله على الفقراء والمساكين ، وسلم أخته للعذارى ،
ولم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد بل كان كل من أرادالوحدة ،
يتخذ له مكاناً خارج المدينة . وهكذا فعل القديس العظيم أنطونيوس .
حيث اعتزل للنسك والعبادة وكان الشيطان يحاربه هناك بالملل والكسل وخيالات النساء ،
وكان يتغلب على هذا كله بقوة السيد المسيح، وبعد هذا مضى إلى أحد القبور
وأقام فيه وأغلق بابه عليه . وكان بعض أصدقائه يأتون إليه بما يقتات به .
فلما رأى الشيطان نسكه وعبادته الحارة ، حسده وهجم عليه وضربه ضرباً
موجعاً وتركه طريحاً . فلما أتى أصدقاؤه يفتقدونه ، على هذا الحال ،
فحملوه إلى الكنيسة ، وإذ وجد نفسه تماثل إلى الشفاء قليلا .
عاد إلى مكانه الأول . فعاود الشيطان محاربته بأشكال متنوعة في صورة وحوش
وذئاب وأسود وثعابين وعقارب، وكان يصور له كلاً منها يهم ليمزقه .
أما القديس فكان يهزأ بهم قائلا ً : لو كان لكم سلطان لكان واحد منكم يكفى لمحاربتي .
وعند ذلك كانوا يتوارون من أمامه كالدخان اذ أعطاه الرب الغلبة على الشياطين
وكان يترنم بهذا المزمور : (( يقوم الله يتبدد أعداؤه ويهرب مبغضوه من أمام وجهه)) .
وكان يعد لنفسه من الخبز ما يكفيه ستة أشهر كاملة. ولم يسمح لأحد
بالدخول بل كان يقف خارجا ً ويستمع لنصائحه . وقد استمر القديس على
هذا الحال عشرين سنة وهو يتعبد بنسك عظيم . ثم مضى بأمر الرب إلى
الفيوم وثبت الإخوة الذين كانوا هناك ثم عاد إلى ديره.
وفي زمن الإستشهاد تاق أن يصير شهيدا ً فترك ديره ومضى إلى
الإسكندرية وكان يفتقد المسجونين على اسم المسيح ويعزيهم. فلما رأى منه الحاكم
المجاهرة بالسيد المسيح وعدم المبالاة أمر أن لايظهر بالمدينة مطلقا
ولكن القديس لم يعبأ بالتهديد وكان يواجهه ويحاربه لعله يسوقه للعذاب والإستشهاد
ولكن لأن الرب حفظه لمنفعة الكثيرين فقد تركه الحاكم وشأنه وبتدبير من الله رجع
القديس إلى ديره وكثر الذين يترددون عليه ويسمعون تعاليمه ورأى أن ذلك يشغله
عن العبادة فأخذ يتوغل في الصحراء الشرقية ومضى مع قوم أعراب إلى داخل البرية
على مسيرة ثلاثة أيام حيث وجد عين ماء وبعض النخيل فإختار ذلك الموضع
وأقام فيه وكان العرب يأتون إليه بالخبز وكان بالبرية وحوش كثيرة طردها الرب
من هناك لأجله .
وفي بعض الأيام كان يذهب إلى الدير الخارجي ويفتقد الأخوة الذين هناك ثم
يعود إلى الدير الداخلي. وبلغ صيته إلى الملك قسطنطين المحب للإله ،
فكتب إليه يمتدحه ، ويطلب منه أن يصلي عنه . ففرح الأخوة بكتاب الملك .
أما هو فلم يحفل به وقال لهم : هوذا كتب الله ملك الملوك ورب الأرباب توصينا
كل يوم ونحن لانلتفت اليها ، بل نعرض عنها ، وبإلحاح الأخوة عليه قائلين :
أن الملك قسطنطين محب للكنيسة ، قبل أن يكتب له خطابا باركه فيه ،
طالباً سلام الملكة والكنيسة .
وأعتراه الملل ذات يوم فسمع صوتاً يقول له : اخرج خارجاً وأنظر .
فخرج ورأى ملاكاً متوشحا ً بزنار صليب مثال الأسكيم المقدس ،
وعلى رأسه قلنسوة ، وهو جالس يضفر ،ثم يقوم ليصلي ، ثم يجلس ليضفر أيضاً.
وأتاه صوت يقول له : ياأنطونيوس افعل هكذا وأنت تستريح .
فاتخذ لنفسه هذا الزي من ذلك الوقت وصار يعمل الضفيرة ولم يعد إليه الملل .
وتنبأ عن الأضطهاد الذي سيحل بالكنيسة وتسلط الهراطقة عليها ،
ثم أعادتها إلى حالتها الأولى ،وعلى أنقضاء الزمان .
ولما زاره القديس مقاريوس ألبسه زي الرهبنة وأنبأه بما سيكون منه .
ولما دنت أيام وفاة القديس الأنبا بولا أول السواح ،مضى إليه القديس أنطونيوس ،
وأهتم به وكفنه بحلة أهداها إليه القديس أثناسيوس الرسولي البابا العشرون .
ولما شعر القديس أنطونيوس بقرب نياحته ،أمر أولاده أن يخفوا جسده ،
وأن يعطوا عكازه لمقاريوس ، والفروة لأثناسيوس ، والملوطة الجلد لسرابيون تلميذه .
ثم رقد ممدداً على الأرض وأسلم الروح ، فتلقتها صفوف الملائكة والقديسين ،
وحملتها إلى موضع النياح الدائم . وقد عاش هذا القديس مائة وخمس سنوات ،
مجاهداً في سبيل القداسة والطهر وتوفي القديس العظيم كوكب
البرية وأب جميع الرهبان سنة 355 م .
المجد للثالوث الأقدس
أميـــــــــــــــن
* منقـول *