خدمة النفوس المتألمة
كنت أظن أنه لا توجد مآساة اصعب من ذل الاحتياج الذي يعانيه الأرامل والأيتام من فقراء شعبنا القبطي الباسل والمكافح،حتى تباركت بالانضمام إلى خدمة قدس أبينا أنسطاسي الصموئيلي في عام 1988،لأكتشف الحقيقة المرة،وهي وجود مآسي أخرى أصعب وأشد إيلاماً من مآساة الفقر بما لا يقاس .
بل واتضح لي إن خدمة الفقراء ( أخوة الرب الأصاغر ) - بالرغم من نفقاتها المادية الباهظة لكثرة اعداد المخدومين- هي من ابسط الخدمات وأسهلها، مقارنة بالخدمات الأخرى التي يقدمها قدس ابونا انسطاسي للفئات الأكثر إيلاماً والأشد احتياجاً من الفقراء العاديين ، مثل :
1 – أخوتنا المعاقين الفقراء ( شلل الأطفال،ومبتورين الاطراف بسبب الحوادث أو الأمراض المزمنة ) ، وأغلبهم يظلون محبوسين داخل بيوتهم المتواضعة لسنوات طويلة جداً دون ان يجدوا من يحملهم ويذهب بهم الى الكنيسة،أو الى المدرسة – بالنسبة للاطفال- أو إلى الطبيب،أو الى المتنزهات ، أو حتى مجرد رؤية الشارع !
وكثيرين منهم يضطرون إلى قضاء حوائجهم على ملابسهم،وهم يزحفون أرضاً، لعدم وجود حمام ( افرنجي ) في بيوتهم المتواضعة التي غالباً ما تكون غرفة ضيقة من سكن مشترك ، أو غرفة في بدروم بيت متهالك ..
2 – المكفوفين الفقراء المعزولين أصلاً عن العالم ، ومعهم فقراء الصم والبكم .
3 – المرضى الفقراء المصابون بأمراض مزمنة مؤلمة ولا يجدون الدواء ولا الغذاء .
4 – المتألمين من أجل البرمن المظلومين والمضطهدين والمتضايقين .
+ فتعجبت ، وسألت نفسي ، كيف استطاع هذا الاب الحنون حمل هذا الصليب الثقيل ؟
وكيف استطاع توفير احتياجات كل هؤلاء المساكين والمتألمين على مدى 25 سنة بدون انقطاع ؟
ولماذا اختار خدمة هذه الفئات الأشد صعوبة والأكثر احتياجاً وإيلاماً ، والتي يتهرب منها الكثيرين ؟
وتعجبت من الناس التي تظن إن أعمال الرحمة هي خدمة الفقراء فقط، ولا يعرفون أدنى شيء عن الفقر المركب،أي الفقر المصحوب بالإعاقة الحركية والبصرية، أو الفقر المصحوب بالامراض الخطرة والمزمنة، أو الفقر المصحوب بالإضطهادات الدينية، والمشاكل الحساسة .
+ يرون الآلاف من اخوة الرب الذين يتقاضون مساعدات شهرية ثابتة من قدس أبونا أنسطاسي ، فيظنون إن مساعدة الفقراء هي كل خدمة قدسه !
ولا يعرفون إنما هي مجرد فرع خدمي بسيط من فروع خدمية كثيرة أشد إيلاماً وأكثر احتياجاً ،وتطلب إمكانيات ومهارات وقدرات خاصة نظراً لكونها موجهة لفئات تعاني من ظروف خاصة وغير عادية ،باعتبار ان الفقر بحد ذاته يعد امرٌعاديٌ جداً في مصر، لأن أغلب المصريين هم من الفقراء . بينما بقية الفئات التي يخدمها قدس أبونا ،فهي تعاني من أشياء أخرى ، بجانب معاناتها الاعتيادية من الفقر . أي إن معاناتهم مركبة، وفي أحيان اخرى تكون شديدة التعقيد .
+ لذلك فقدس ابونا انسطاسي يحمل صليبا ثقيلا .
وقد شاء الرب – بحسب غنى حكمته- أن أكون شاهداً على ذلك، لأنني أنا نفسي كنت جزءاً من هذا الصليب الثقيل الذي يحمله هذا الأب المحب للسيد المسيح ،ولخرافه المتألمة والجريحة، وظل يحمله في صبر وصمت حتى جعل مني ( بني آدم ) وخادم مكرس للرب في الحالات الخاصة التي هي واحدة من أهم وأصعب الخدمات الكنسية على الإطلاق .
ولم يرتاح ، ويهدأ له بال ، حتى أخرجني من وسط أتون النار سالماً ، وقادني – بحكمته - الى بر الامان .
وهذه واحدة من اعمال هذا الاب الرحيمة مع اصحاب النفوس والمنبوذة والمضطهدة المتألمة من اجل البر .
+ أبونا انسطاسي رأى دموعي وانكسار قلبي وانا مجرد شاب صغير منبوذ ومحتقر من الجميع،وليس لي أين أسند رأسي . فعطف علي،وأشفق على حالي،واظهر لي محبة السيد المسيح وحنانه وابويته وشفقته على الضعفاء والحزانى ومنكسري القلوب ، وأثبت لي – بالبراهين العملية- أمانة الكنيسة نحو ابنائها المتألمين- ولعل هذا ما يفسر محبتي الكبيرة للكنيسة القبطية وشدة اخلاصي لها - .
+ ومن بين الخدمات الكثيرة التي قدمها لي قدس ابونا أنسطاسي ، هي مساعدتي في التعارف عن قرب على جميع الفئات المتألمة التي يخدمها ، فبجانب فئة الحالات الخاصة التي تكرست لخدمتها، كان يدعوني لأخذ بركة خدمة بقية الفئات ، مثل دعوته لي لإلقاء عظة على مجموعة من أخوتي المكفوفين داخل أحد الكنائس، وكانت أول عظة مسيحية ألقيها في حياتي .
وثاني عظة كانت على خدام وخادمات مرضى المستشفيات، ثم سمح لي بأخذ بركة خدمة أطفال الملاجيء الأيتام ( أحباء المسيح ) عندما كلفني بالسفر معهم الى احد المصايف التابعة للكنيسة،لاعداد اطعمة فاخرة لهم لمدة ثلاثة ايام ، من تلك النوعية من الاطعمة التي لا يمكن أن يتناولوها في ملاجئهم . ونفس الأمر تكرر مع أخوتي المعاقين .
كما كان يكلفني بمساعدة خدام اخوة الرب اثناء توزيع الشهريات لهذه الاعداد الضخمة التي كنا ننادي على اسماؤها بالميكروفانات داخل قاعة المسرح القبطية الضخمة وعلى مدى ثلاثة ايام متواصلة ! كما جعلني اخذ بركة خدمة الصم والبكم،واتعلم الصلاة الربانية وقانون الايمان بلغة الاشارات .. !
+ فتعرفت على بقية الخدمات التي يقوم بها ، وجعل قلبي يتعلق بخدمة كل متألم وجريح .
+ ومن بين الصلبان التي يحملها ابونا ، صليب الغفران .
فقدس أبونا قلبه كبير جداً حتى أنه يتسع للجميع بما فيهم أولئك الذين يسيئون إليه ، ويخونوا ثقته .
فأبونا باله طويل جداً على الخطاة ، ويرفض عبارة ( مفيش فايدة ) وكل اهتمامه منحصر في ربح النفوس من خلال محبتهم والعطف عليهم والرفق بهم، وهذا أفادني كثيراً في خدمتي .
+ صدقوني يا اخوة أنا لفيت كتير وشفت كتير،ولكن لم اجد قلب إنسان احن من قلب أبونا انسطاسي الصموئيلي ( أبي الروحي ، وأمين خدمتي ، وولي نعمتي ) .
+ ربنا يأخذ من عمري ليمد في عمره من أجل خدمة هؤلاء التعابى "الذين ليس لهم أحد يذكرهم " .
+ واجبي المسيحي يحتم علي تعريفكم بطبيعة الخدمات الصعبة والشائكة التي يقوم بها هذا الاب الحنون بقوة الرب، ونعمته ، وبركته، لأخوتكم المتألمين ،وذلك حتى لا تفوتكم فرصة اخذ بركة صلواته المستجابة وأخذ بركة المشاركة في خدمته الرحيمة التي تمجد اسم الرب بقوة ، لأنها تخفف من آلام المتألمين،وتعصب جراح المجروحين،وتمنح الرجاء لليأسين ، وتفرج كرب المتضايقين،وتربط الجميع بالمسيح وبالكنيسة .
+ لقدس أبونا ثلاثة بيوت إيوائية :
1 – بيت للاخوات المعاقات .
2 – بيت للبنات اليتيمات والمعاقات .
3 – بيت للمعاقين والصم والبكم .
+ اقترح احد الاخوة الاحباء فكرة التكفل بنفقات بناء بيت لإيواء المكفوفين، لتكتمل بذلك سلسلة بيوت ذو الاحتياجات الخاصة التابعة لقدس أبونا، ويتلقى جميع نزلاءها ونزيلاتها رعاية ( روحية / نفسية/ صحية/ تعليمية / تأهيلية / معيشية ) في غاية الروعة والسخاء .
وعلى فكرة يا اخوة،فقدس ابونا أنسطاسي لا يتردد لحظة واحدة في تحمل نفقات أي عملية جراحية من شأنها أن تحفف من آلام المعاق ، أو تحسن من قدرته الحركية .
كما أنه لا يتردد لحظة واحدة في عرض النزلاء والنزيلات على أكبر الأطباء من اجل الكشف عليهم ، واجراء الفحوصات والتحاليل والاشاعات ، وتوفير الأدوية المطلوبة .
وأما الأغرب من كل ذلك ، فقدسه يعطي شهرية لكل نزيل ونزيلة !
علماً بأن قدسه يعطي مبلغ شهري لأطفال الملاجيء في القاهرة لإدخارها في دفتر توفير، كما أسس فرع حديث في الخدمة اسمه ( الرعاية اللاحقة ) لخريجي ملاجيء الأيتام ..
يعني الأولاد والبنات لما يكبروا ويتم اخراجهم من الملجأ ، يقوم قدس أبونا بمواصلة رعايتهم لاستكمال تعليمهم حتى لا يضيعوا في زحام الحياة .
+ أخ آخر اقترح فكرة التكفل بانشاء مشروع انتاجي للمعاقين ( القادرين على العمل الخفيف ) والصم البكم ، وذلك لكي يشعر المعاق بأهميته كإنسان منتج وليس عالة على أحد ، وهي فكرة عظيمة اشبه ما تكون بالحلم الذي نتمنى تحقيقه . علماً بأن قدس أبونا يقيم لكل فئات المعاقين معارض كنسية سنوية لعرض منتوجاتهم التي يقوموا بانجازها من داخل بيوتهم، مثل اللوحات الدينية،واشغال ( الأريكت ) وأعمال النحت، والحرق على الخشب . وأعمال الكانفاه والتريكو ، وزراعة الزهور، ونباتات الزينة، واحواض اسماك الزينة، وتجارة الملابس .. الخ .