عشية الميلاد من تلك السنة - شأنها في كل سنة - أعدت حنة العدة لتصطحب أبناءها إلى المهد. دعت ابنها سمعان الفلاح، وعازر الحداد، واندراوس الطالب في المدرسة. كان لها أيضا ابن آخر اسمه يوسف، ولدته من زواج سابق كان متقدّما في السن، ثقيل السير، ضعيف البصر. عمل كثيرا في حياته وأصبح موفور الحال، فبنى بيت العائلة على نفقته وساعد أمّه في تربية اخوانه. وما كان هذا إلا ليثير غيرة اخوانه منه، لأنهم رأوا أنه من الظلم أن يملك هو ما يمكنه من مساعدتهم بينما هم لا يملكون ما يمكنهم من الاستغناء عنه. وإذا حصل والتقوه في الشارع، هزئوا به قائلين:"ها هو البورجوازي قادم...".
أما يوسف،فكان يعيش في منزله ببساطة وصمت، يتألم لعدم قدرته على أن يتجنب عداوة اخوانه له.
وفي عشية الميلاد، جاءت حنة وقرعت بابه قائلة:
- يوسف، يا ولدي، أنا ذاهبة لأسجد ليسوع مع أبنائي. لكن الطريق إلى بيت لحم طويلة، ولا أملك ما يكفي من الزاد، فهلاّ سمحت لنا أن نأخذ من المؤونة التي تدخرها في بيتك؟
فأجاب يوسف:
- يا أمي، كلّ ما هو لي هو لك، هوذا مفاتيح المخزن وبيت المؤونة والقبو. تناولي كل ما تحتاجين إليه، فلا ينبغي أن ينقص اخواني شيء للسفر في هذه المناسبة العظيمة.
أخذت حنة ما أرادت من المؤونة، ثم عادت إلى يوسف بعد قليل وقالت:
- إن معطف أخيك خرقة بالية، وقد يشكو من البرد في الطريق. فهلاّ تنازلت له عن واحد من معاطفك الكثيرة؟ أجابها:
- اذهبي يا أمي، وخذي المعطف الذي أرتديه يوم الأحد. انه لفخر كبير لمعطفي أن يذهب إلى بيت لحم على منكبي أخي.
أخذت حنة المعطف ولكنها عادت مرة أخرى:
- ان حذاء أخيك عازر قديم ولا يحتمل وعر الطريق، وأحذيتك تزيد عن حاجتك وأنت لا تخسر شيئا إن أعطيته واحداً منها. وان لم تفعل فقد ينتزعه منك بالقوة، لأنه صبي قوي.
- هلمي يا امي، وخذي حذاء العيد. انه لفرح عظيم لحذائي ان يذهب الى بيت لحم في قدمي أخي.
تناولت حنة الحذاء وذهبت. وما هي إلا هنيهة حتى ارتفعت في فناء الدار ضجة الرحيل. عندئذ ظهر يوسف على العتبة والخجل يعلو محياه.
- يا أمي، ألا تأخذيني أنا أيضا لأسجد معكم ليسوع؟
فاستشاط الإخوة غضبا واستياءً:
- إن يسوع ليس بحاجة الى الأغنياء... يسوع لم يأتِ للأغنياء... يسوع لعن الأغنياء...
- على كل حال – قالت حنة ان سنّك المتقدم لا يمكّنك من اللحاق بنا، وسيرك الثقيل سيعيق المسيرة.
عندئذ سحب يوسف من إصبعه خاتمه الذهبي وقال:
- اندراوس اخي، انت فتى يافع، خذ خاتمي هذا وقدّمه هدية للطفل يسوع.
- كلا، أجاب أندراوس. أنا فقير، ولن أحمل ليسوع إلا هدايا الفقراء. ان ذهبك لا يساوي شيئا لديه.
- هذا صحيح، أجاب يوسف بتواضع، إحتفظ اذن بالخاتم لك، أما ليسوع فاحمل له قلبي كي يشفق عليّ ويرحمني.
- قلبك... ها ها ها ... هل عندك قلب؟ هل للبرجوازي قلب؟
وضحك الإخوة. ثم قالت الوالدة حنّة:
- هيا بنا.
قالتها وسافرت مع أولادها، كلّ اولادها، عدا يوسف.
وصلت القافلة الصغيرة الى بيت لحم فتحوّلت مغارة الميلاد الى ساحة عيد. الأم مريم والأم حنة تتبادلان عبارات الفرح باللقاء، لأن حنة كانت تسلك نفس الطريق، وكانت مريم العذراء تستفسر عن أبناء صديقتها حنة.
- ها هم، قالت الام حنة، من بيده المنجل هو سمعان، ومن بيده المطرقة هو عازر، ومن بيده كتاب هو اندراوس.
- ينقص واحد، قالت مريم.
- لا أحد، قال اندراوس.
- البورجوازي، قال عازر.
- انه يوسف، أضاف سمعان.
- أنا لا أعرف البورجوازي، قالت مريم، أنا أعرف يوسف. أنا لا اعرف الناس الا بأسمائهم. لماذا لم يأت يوسف؟ أليس انسانا ذا ارادة صالحة؟
- انه غني، قال سمعان.
- انه صاحب أعمال كثيرة، اردف عازر.
- قال ابنك: " الويل للأغنياء"، أضاف اندراوس.
- لقد تصلّبت ساقاه، قالت حنة، ويتعذر عليه السير بالسرعة التي نسير بها. لذا تركته لئلا أصل متأخرة.
غابت مريم وأتت بالطفل من المذود وهي تتمتم:
- آه! يا أميري الصغير، حتى الآن لم تتكلم مع أُناس لا يسمعون، وسوف تتكلم اليوم أيضاً إلى أُناس طرش. وأجلست الطفل على ركبتيها ليقبل السجود والتقادم.
- هلموا، يا أبنائي، قالت حنة، واسجدوا له.
فخرّ الأبناء الثلاثة ساجدين.
- اسجد لك، يا يسوع، قال سمعان. سلاما يا سيد الفقراء! أنا فقير مثلك، وإني أقدم لك، مع مِنجلي، تعب الفصول الأربعة.
نظر الطفل إليه، لكنه لم يبتسم. فقالت مريم:
- انه لا يريد منجلك. أعطه بالأحرى معطَفك.
ثم تقدّم عازر وقال:
- أسجد لك، يا يسوع. سلاماً أيها المسيح العامل! أنا عامل مثلك، وأقدم لك مع مطرقتي، تعب الأسبوع كله.
أصغى اليه الطفل، لكّنه لم يبتسم. فقالت مريم:
- إنه لا يريد مطرقتَك. أعطه بالأحرى حذاءك.
أخيراً، تقدّم أندراوس وقال:
- أسجد لك، يا يسوع. سلاماً يا ملك الأزمنة الجديدة! انا هو الثائر الذي سيهدم، باسمك، المدينة الظالمة، لأبني مكانها ملكوتَك. وها أنا أقدّم لك، مع كتابي، سهر وجدّ كلِّ الليالي.
لكن الطفل أدار رأسه. فقالت مريم:
- لقد خاف من كتابك. أعطه بالأحرى خاتمك.
فنهض الأبناء الثلاثة تاركين عند قدمي الطفل المعطف والحذاء والخاتم تحوطها هالة من النور. كان السيد الصغير يضحك مبتهجاً ويمدّ يديه الصغيرتين ويداعب الشعاع.
عندئذ قالت مريم:
- أشكرك، يا حنة، وأشكر أبناءك لأنهم حملوا الى طفلي هذه الهدايا المشحونة بالحب. إلى اللقاء، ياسمعان وعازر و اندراوس، وتذكروا أنـه مـاذا ينفع الفقيـر أن يكون فقًيـرا إن هو فـقد الحب؟ الى اللقاء في السنة القادمة، يا صديقي حنّة، عودي الى البيت وقولي ليوسف:
- في هذه السنة، حلّت بركةُ الميلاد على من لم يتمكن من المجيء الى بيت لحم.