مخافة الله :
سؤال : مخافة الله ، لماذا هي لازمة ؟ !
الإجابة :
جميع الناس يحتاجون إلي مخافة الله وهي لازمة لهم لتصدهم عن إرتكاب الخطايا والذنوب والآثام :
ليس فقط للذين يعيشون في حياة الخطية بكل استباحة واستهتار , ويكسرون وصايا الله
بكل جرأة دون أي خوف أو حياء , بل أيضا يثورون علي القيم والمبادئ ويصل بهم الأمر إلى التذمر علي الله ..
وإنما المخافة لازمة كذلك للذين يخطئون اعتمادا علي رحمة الله ومغفرته , ناسين أن الله عادل وأنه قدوس ,
ضد الخطية بكل صورها . * وعندما خلق الله الإنسان , كان هذا الإنسان لا يعرف الخوف .
ولكن الخوف دخل إلى قلبه نتيجة للخطيئة , وأصبح ملازمًا لها : قبل الخطية وأثناءها وبعدها ..
فالخوف الأول الذي يسبق الخطية , هو خوف السقوط , وهو يدفع صاحبه إلي الحرص والبعد
عن كل أسباب الخطية ومصادرها , إذ أنها أوقعت كثيرين ومنهم من كانوا أقوياء .
ولكن الشيطان كثير المكر والحيلة والخداع , والتخوف من خداعه نافع جدا ,
لأنه يحمي الشخص من السقوط . فإن أخطأ , يقع في خوف آخر , هو خوف الانكشاف ,
إذ يخاف أن يعرف الناس خطيئته وينكشف , ويقع في الفضيحة والعار , ويتعرض لألسنة الناس
التي لا ترحم , وتصبح سمعته مضغة في أفواههم ! لذلك يقول علماء النفس أن المجرم كثيرًا
ما يحوم حول مكان جريمته , خائفا من أن يكون قد ترك هناك أثرًا يدل عليه ..
وهذا العامل النفساني يستغله المحققون . فإن أشاروا إلي شيء من آثار الجريمة ,
قد يضطرب المجرم أو ينهار , والخطاة يخافون من اليوم الأخير الذي تنكشف فيه الأعمال
وتفحص الأفكار والنيات .. فأين يهربون في ذلك اليوم وأين يختفون .. ؟ !
وإن كانت خطاياهم لا تنكشف علي الأرض بأسباب وحيل شتي , فلابد أنها ستنكشف
أمام الديان العادل وأمام الكل في يوم الحساب , بل إن هناك أمرًا آخر يخاف منه الإنسان الروحي ,
وهو أن خطاياه قد تكون مكشوفة أمام أرواح الذين انقطعوا عن هذا العالم ,
سواء أمام أحبابه الذين كانوا يثقون به فيندهشون ! أو أمام الذين كانوا ينتقدونه فيرون أنهم كانوا
علي حق !! ولعل إنسانًا يسأل :
وماذا تراني أفعل إذن ؟
والجواب هو أن التوبة تمحو خطاياك , وكأنك لم تفعلها , ولا تعود لك خطايا تخاف أن تنكشف ,
بعد أن محاها الله بتوبتك , فإن كنت تخاف الانكشاف في اليوم الأخير , تب من الآن .
* نوع آخر من الخوف يرتبط بالخطيئة هو خوف العقوبة , أو الخوف من نتائج الخطيئة ..
والخاطئ يخاف من عقوبتين : أحداهما أرضية , والأخرى سماوية , والعقوبة السماوية رهيبة وأبدية ..
أما العقوبة الأرضية فهي علي أنواع :
إما عقوبة من المجتمع : فضيحة واحتقارا , أو نبذ هذا الشخص من المجتمع إن كانت خطيئته بشعة ,
أو عدم الثقة به في المستقبل .. أو عقوبة من القانون مثل السجن أو ما هو أشد .
أو عقوبة يوقعها الله عليه بطريقة ما , أو لعنة ..
* وهناك خوف روحي يتابع الخاطئ , أو يخافه الإنسان المحترس من السقوط ..
إنه يخاف من غضب الله عليه إذا اخطأ , أو أن تتخلي عنه النعمة .. وتفارقه المعونة الإلهية .
ويخاف - إن سقط - أن يأخذ الشيطان سلطانا عليه , ويفقد حرية إرادته , وإذا بالشر الذي ليس يريده ,
إياه يفعل ! وهكذا يخاف ـ إن سقط ـ أن يتوالي سقوطه , ويتحول الأمر معه إلي أسوأ ..
ويخاف أن يأتيه الموت فجأة , وهو غير مستعد لملاقاة الرب .
قال أحد القديسين : إني أخاف من ثلاثة أمور :
أخاف من لحظة مفارقة روحي لجسدي , وأخاف من ساعة الوقوف أمام الديان العادل .
كذلك من لحظة صدور الحكم علي ..
فإن كان القديسون يخافون بالرغم من ارتفاعهم العجيب في حياة الفضيلة , فماذا نقول نحن الضعفاء عن أنفسنا ؟ !
* إن الذي يخاف الله , لا يخطئ . أما الذي يخطئ فإنه شاهد علي نفسه أنه لا يخاف الله ..
والذي يخاف الله , لا يعمل شرا حتى في الخفاء , لأنه يعرف أن الله يري كل شيء , ويسمع كل شيء ,
ويفحص حتى أعماق القلوب . * ولعل البعض يسأل :
ما رأيك إذن فيمن يعمل الشر ولا يخاف ؟ ,
والجواب هو أن هذا الشخص قد وصل إلي حالة الاستهتار واللامبالاة , أو أن ضميره مريض
أو متعطل عن العمل , أو أن دوامة العالم تجرفه , ولا تعطيه فرصة لمراجعة نفسه ولا للتفكير في أعماله .
فهو في غيبوبة روحية : إن استيقظ منها , لا بُدّ سيخاف ..
وبعض من أمثال هؤلاء الناس , نراهم في ساعة الموت , أو إذا اقتربوا من الموت ,
لا بُدّ أن الخوف يرعبهم . لأنهم لم يعملوا لأجل تلك الساعة ولم يستعدوا لها .
ويشعرون أنهم قد أضاعوا حياتهم .. هؤلاء يقول عنهم المزمور إنهم لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم ..
فإن كنت تريد ألا تخاف في اليوم الأخير , فلتخف الآن .
* ونحن نشكر الله الذي منحنا المخافة التي تمنعنا من الخطيئة وبالتالي مما يتبعها ..
فمخافة الله توصل الإنسان إلي التوبة وإلي تنفيذ الوصايا ..
إنها بداية الطريق الروحي , وهي أيضا سيادة للحياة الروحية حتى لا تعثر ولا تنحرف ,
فالذي يخاف الله يطيع الله ويعمل كل ما يوافق مشيئته الإلهية .
كما أن المخافة تعلم الإنسان الحرص والتدقيق في كل ما ينوي أن يفعله, وتعلمه ضبط النفس حتى لا يسقط .
أما إذا لم توجد مخافة الله في القلب , فما أسهل أن ينطبق عليه المثل القائل إذا لم تستح , فافعل ما تشاء !!
* ومخافة الله تعود أيضا إلي الجدية في الحياة الروحية , وأن يكون الإنسان ملتزما علي الدوام .
أما حيث لا تكون هناك مخافة , فبالتالي لا توجد ضوابط , ويتحول الشخص إلى التسيب واللامبالاة ..
أما الإنسان الملتزم الجاد , فإنه يقول في نفسه إن الله سوف يحاسبني علي أدق الأمور .
فلا يجوز أن أتهاون أو أتساهل لذلك فهو يحاسب نفسه علي كل تصرف ,
بل أيضا علي كل أفكاره ونياته , وعلي كل صغيرة وكبيرة , ويشعر كما لو أنه واقف أمام جهاز تسجيل ,
يسجل عليه كل مشاعره وعواطفه .. وهذا المسجل سيذاع في اليوم الأخير , أمام الملائكة وكل البشر .
وهكذا فإن المخافة تقود الإنسان إلي النمو الروحي , وما يلزم هذا النمو من الجهاد والتعب ,
لكي يتقدم في كل يوم عن سابقه , حتى يصل إلي الكمال النسبي المطلوب منه ..
وكلما رأي أن الطريق طويل أمامه , حينئذ يصل إلى اتضاع القلب , وتقوده المخافة إلي الخشوع ,
ليس في وقت الصلاة فقط , إنما في كل حين .
* ومخافة الله تدعوه إلي مزيد من المعرفة , حتى لا يخطئ أو يقصر عن جهل .
ولهذا فإنه يلجأ إلي الاستفاضة في القراءة الروحية , وأيضا إلي استشارة المختبرين فيما يحتاج إليه
من معرفة أعمق . ويصل كثيرا لكي يرشده الله فيما ينبغي أن يفعله .
والذي يخاف الله , لا يركز فقط علي نفسه , بل يهتم كذلك بجميع أحبائه ومعارفه ,
حتى يقودهم معه إلى مخافة الله , حرصا علي أبديتهم وخلاص أنفسهم , ويبذل في سبيل ذلك
ما يستطيعه من جهد . المصدر / الأنجيل الأجبيّــة | مواقــــع |