القدّيس أفروسينوس الطبّاخ
يُحكى أن شاباً فلاّحاً اسمُه أفروسينوس ترك قريتَه، قديماً، وجاء إلى أحد الأديرة يطلبُ العيشَ فيه. كان بسيطاً وساذجاً، فقبلوه، لا كراهب، بل كخادم يساعد في أشغال المطبخ.
أفروسينوس يساعد في المطبخ
كانوا يكلّفونه بالأشغال الوسخة والصعبة. وكان بعض الرهبان يمازحه ويضحك عليه بسبب بساطة عقلِه. أما أفروسينوس فكان يحتمل كل ذلك بطيبة خاطر ولا يتذمّر أبداً. يقوم بعمله على خير ما يرام ولا يجرح أحداً بكلمة أو بنظرة، لطيفاً، متواضعاً، خدوماً على الدوام.
وكان بعض الرهبان يمازحه ويضحك...
وكان بعض الرهبان يمازحه ويضحك...
وكان في الدير كاهن رَضِيَ الله عنه. هذا كان يطلب في الصلاة، بحرارة، أن يكشف له الربُّ الإله الخيرات التي أعدّها للذين يُحبّونه. فحدث ذات ليلة، فيما كان نائماً، أن انتقل إلى الجنّة. أفي الجسد أم خارج الجسد؟ أفي الحقيقة أم في المنام؟ لم يكن يدري. رأى نفسه في حديقة فسيحة ملأى بأشجار وثمار وأطايب لا يوجد مثلها على الأرض. تطلّع الكاهن مدهوشاً. تلفّت يميناً ويساراً، لا يصدّق عينيه. فإذا يه يرى إنساناً واقفاً في وسط الجنّة وهو ينعم بهذه الخيرات والبركات، والملائكة من حوله يفرحون معه. تطلّع جيداً فرأى أن هذا الإنسان ليس سوى أفروسينوس. أجل، أفروسينوس، مساعد الطبّاخ في الدير، ذاك الرجل البسيط العقل الذي اعتاد الرهبان أن يضحكوا عليه! اقترب الكاهن منه وسأله: " ماذا تفعل هنا يا أفروسينوس؟"
فأجابه أفروسينوس: "الرب الإله هو الذي أتى بي إلى هذا المكان"
الكاهن: "وما هو هذا المكان؟"
أفروسينوس: "هذا المكان هو مسكن مختاري الله. أَلَمْ تُصَلِّ إلى الله أن يُرِيَك المكانَ الذي قال عنه: " ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعدّه الله للذين يحبّونه" (الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس – الإصحاح 2 – الآية 9)؟ ها إن الله قد استجاب طلبتك!".
فصمت الكاهن قليلاً وأدار رأسه مذهولاً كما لِيَمْلأ عينيه من هذا المنظر البديع.
الكاهن: "قل لي يا أفروسينوس. هل بإمكاني أن آخذ بعض هذه الثمار؟" فمدّ أفروسينوس يده وقطف للكاهن ثلاث تفاحات وناوله إيّاها. فأخذها الكاهن ووضعها في جيب غمبازه.
القدّيس أفروسينوس مع الكاهن في الجنة
في تلك اللحظة بالذات، صحا الكاهن من نومه على صوت الناقوس في الدير يدعوه إلى صلاة السحر. تحرّك من سريره يريد أن ينهض، وهو يظن أنه كان في حلم. فإذا به يكتشف أن في غمبازه التفاحات الثلاث التي رآها في منامه. يا لَلدهشة! لم يكن الكاهن، إذن، في حلم، بل كان، فعلاً، في الجنّة. وهذه التفّاحات! سبحان الله! لم يسبق له في حياته أن حدث له أمر كهذا! تفّاحات لم يَرَ مثلها من قبل! وأيّةَ رائحة تفوح منها! أيُّ طيب هو هذا؟!
وانتصب الكاهن على قدميه وهرول إلى الكنيسة. وما إن وصلها حتى تطلّع إلى حيث اعتاد أفروسينوس الوقوف، فرآه في مكانه. فجاء إليه وسأله:"أين كنت الليلة الماضية؟!"
فأجابه أفروسينوس:"سامحني يا أبي، كنت حيث تجدني أنت الآن".
فأصرّ الكاهنُ عليه أن يقول له الحقيقة، فحاول أن يتهرّب. وبعد أخذ وردّ، شعر أفروسينوس في روحه بأن الرب الإله يريده أن يكشف للكاهن الحقيقة، كلَّ الحقيقة، فقال له:" أجل، يا أبي، كنتُ في الجنّة التي كنتَ أنت فيها، الجنّةِ التي أعدّها الله للذين يحبّونه. وها قد كشف لك الله هذا السر من خلالي أنا الخاطىءَ غيرَ المستحق".
فتطلَّع الكاهن بأفروسينوس جيّداً. إذن لم يكن يحلم! "يا رب ارحم!". وراح الكاهن يتحرّك يميناً وشمالاً، يهزّ رأسه ويديه، ثم فجأة، أخذ ينادي من كانوا في الكنيسة: "تعالَوا! تعالَوا أخبركم بما حدث لي! المجد لله! المجد لله!" . فتطلّع الرهبان إليه باستغراب. "ما به؟!". لم يكن مألوفاً أن يصرخ أحد في الكنيسة هكذا! وأسرعوا صوبه لينظروا الأمر. فأخبرهم الكاهن بما جرى له وكيف أنه صعد إلى الجنّة ورأى الخيرات التي فيها. أخبرهم عن التفّاحات الثلاث،
كان في وسط الجنّة وكان ينعم بخيرات الله وبركاتِه مع الملائكة...
وأراهم إياها. جعلهم يشمّونها. "انظروا! شمّوا!". أخبرهم أنه رأى أفروسينوس هناك، أجل أفروسينوس، مساعد الطبّاخ في الدير. كان في وسط الجنّة وكان ينعم بخيرات الله وبركاتِه مع الملائكة. "أفروسينوس! اين هو أفروسينوس؟!". تطلّع الجميع إلى حيث كان أفروسينوس واقفاً فلم يجدوه. نادوا عليه، بحثوا عنه، فلم يجدوه. كان أفروسينوس قد خرج من الدير سراً لأنه أراد أن يهرب من مديح الناس ومَجدِهم.
من ذلك اليوم، تاب الرهبان في الدير عن الإستخفاف بأي إنسان كان، وصاروا يُصَلُّون إلى الله أن يسامحهم على ما فعلوه بأفروسينوس. كذلك، صار الرهبان ينتبهون إلى حياتهم في الدير، يتسابقون في أعمال الرهبنة، في الصوم والصلاة والتواضع والخدمة والإعتراف. صاروا يعملون كل شيء بنشاط؟ كيف لا وقد أخبرهم الكاهن بما أعدّه الله للذين يحبّونه في جنّته!
هذا هو القدّيس الطبّاخ الذي تعيّد له الكنيسة في اليوم الحادي عشر من شهر أيلول من كل عام، ويعتبروه الطبّاخون شفيعاً لهم. وكما تعلّم الرهبان الدرس هكذا تريدنا الكنيسة أن نتعلم إكرامَ كل إنسان، صغيراً كان أم كبيراً، ذكياً أم غبياً، فلاّحاً أم فيلسوفاً، بسيطاً أم عظيماً. اليوم نتعلم أن نعمل عمل الله بنشاط وأمانة وتواضع من دون تذمّر لأن الجنّة حقيقة وليست كلاماً أو تمنيات.
فبصلوات قدّيسك أفروسينوس، أيها الرب يسوع المسيح، إلهنا، ارحمنا وخلّصنا،