تل أثري يقع في وسط مدينة الحسكة اليوم، على الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور، على بعد 1700 م من ملتقى نهري الخابور والجغجع
يعتبر من أكبر التلال في المحافظة من حيث الحجم، يبلغ ارتفاعه 309.25 م عن سطح البحر وحوالي10 م عن المنطقة المحيطة به, مساحة مدينته المرتفعة 205 هكتار، أما المدينة المنخفضة فتتوضع عليها معظم أبنية مدينة الحسكة القديمة.
في التاريخ المعاصر اقتصر استخدام هذا التل لهدف عسكري وذلك لارتفاعه عن السهل المحيط حوله. فعندما دخل الفرنسيون في شهر أيار 1922 م إلى الحسكة، قاموا ببناء ثكنة عسكرية ـ ما تزال عمارتها قائمة حتى الآن ـ وذلك على أنقاض الثكنة العثمانية التي بنيت في عام 1907 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. وبعد الاستقلال تحول التل إلى ثكنة عسكرية سورية، أيضاً تُعرف باسم ثكنة سعد بن أبي وقّاص.
بدأت البعثة الأثرية الوطنية في دائرة آثار الحسكة بقيادة الآثاري د.عبد المسيح بغدو بأعمال التنقيب المنهجي في عام 2008 م بهدف معرفة الدور الذي لعبه الموقع خلال الألف الثاني والأول ق.م، والتأكد من احتواء هذا التل لمدينة مكريزي العائدة للفترة الآشورية التي ورد ذكرها في الرقم المسمارية المكتشفة في دور كاتليمو المعروف حالياً بتل " الشيخ حمد " في دير الزور.
خلال مواسم التنقيب المتتالية ما بين 2008 ـ 2011تم الكشف عن ثلاث سويات وهي:
1- السوية الأولى : ترجع للفترة العائدة للحضارة العربية الإسلامية 1500 ـ 700 م.
2- السوية الثانية : تعود إلى فترة الحضارة البيزنطية 700 ـ 400 م، المحتوية على الكاتدرائية والتي يعود تاريخ عمارتها إلى الفترة المسيحية المبكرة، كما استمر استخدامها خلالالعصرين الأموي والعباسي.
3- السوية الآشورية : تم الكشف عن زاوية مبنى ذي أهمية تعود للعصر الآشوري الحديث.
نذكر هنا بعض تفاصيل آثار الكاتدرائية المكتشفة حديثاً، ولا سيما أن الفريق الأثري الوطني قد كشف عنها بالكامل خلال مواسم التنقيب السابقة.
بٌنيت الكاتدرائية المذكورة أعلاه من الحجر البازلتي، مكسية ومطلية بمادة الجص، طولها31 موعرضها18 م، كما بلغ ارتفاع بعض الأجزاء المكتشفة من جدرانها2.10 م.
تتألف الكاتدرائية من ثلاثة أقسام :
1- القسم الأول: صحن الكاتدرائية، المكون من ثلاثة أروقة، الرواقالشمالي، الرواق الأوسط، الرواق الجنوبي. الأرضية مرصوفة باللبن المشويعلى شكل بلاطات، وقد أعطى رصفه أشكالاً هندسية تنوعت حسب اتجاه رصف البلاطات، أبعاد البلاطة الواحدة 28× 28×5 سم. يفصل الأروقة الثلاث عن بعضها بعضاً أربع قواعد لعامودين، وأربع قواعدلأربعة أعمدة بلغ طول إحداها خمسة أمتار، وهي مصنوعة من الحجر البازلتيولها تيجان جصية في الأعلى مزينة بزخارف هندسية وبعض الصلبان. يتم الدخول إلى صحن الكنيسة من خلال أربعة مداخل اثنان في الشمال وآخران في الجنوب، يلاحظ إغلاق البوابة الجنوبية من ناحية الغرب.
2- القسم الثاني : قدسالأقداس، المؤلف من الهيكل " بيت القدس " المتوضع في الوسط، وإلى الجنوبمنه غرفة المعمودية وتحتوي على جرن للمعمودية مسيع بالكسوة الجصية، محفوظ بحالة جيدة، كما عثر على صندوق الذخائر (عظام الشهداء) ضمن طاقة جدارية فوق الجرن تماماً. إلى الشمال منه غرفةالشمامسة (السكرستيا)، التي عثر بداخلها على دنَّين من الفخَّار وسراج مصنوع من البرونزوختم حجري. يرتبط قدس الأقداس مع الغرفتين على جانبيه بدرجين منفصلين، وكذلك ينزل منه بثلاث درجات إلى ممشى يفضي إلى منصة (بيما) تتوسط صحن الكنيسة، من المعروف أن استخدامها كان للقراءات والوعظ والترتيل. في حين تتصل غرفة المعمودية مع الصحن بفتحة باب.
3- القسم الثالث : القطاعالخدمي في الجهتين الشمالية والغربية من الكاتدرائية، حيث كشف على معصرتين لتحويلالعنب إلى خمر تعودان لفترتين مختلفتين. وقبر وجد بداخله هيكل عظمي تبين أنه يعود إلى رجل يتراوح عمره ما بين 40 ـ 45 سنة، وطوله ما بين 165 ـ 170 سم، من الأرجح أنه شخص مهم له ارتباط بالكاتدرائية.
أما في الجهة الجنوبية فقد تم الكشف عن قاعة غير معلومة الاستخدام حتى الآن، فيها كرسي مصنوع من الحجارة البازلتية المجصصة مستند على الجدار الجنوبي للكنيسة من جهة الخارج، يٌعتقد أن هذا الكرسي مخصص للمطران. في الجهة الغربية من هذا القسم يوجد رواق يحتوي بئر متصل بحوض مطلي بالجص، تجاوره باحة مبلطة.
نتطلع بشوق للاطلاع على نتائج تنقيبات موسم 2011 التي انتهت منذ أيام قليلة، وإلى ما ستفضي إليه عملية البحث في موقع تل الحسكة الهام.
سيمون يعقوب
انظر الموقع على خريطة جوجل